الاستضافة في الفنادق لا تناسب كرم ضيافة العراقيين في الأنبار

عرفت العشائر العربية في العراق بكرمها فلا يمر ضيف على ديارها إلا واستقبلته بحفاوة كأنه ابن العشيرة الذي كان غائبا عنها، ومن عادات أهلها أنهم يخصصون غرفة واسعة يضعون فيها أفضل الأثاث والفرش يسمونها الديوانية للقادمين في الليل أو النهار، للترحيب بهم، وفي السنوات الأخيرة ومع الحركة الاقتصادية والتجارية وموجة الاستثمار أصبح لزاما بناء فنادق لاستقبال رجال الأعمال والضيوف وتنظيم الاجتماعات واللقاءات لكن هذا لاقى استياء من زعماء العشائر الذين يرون أن ذلك لا يتماشى وقيمهم.
الرمادي (العراق) - قبل أسابيع قليلة كانت مهمة البحث عن فندق في غرب العراق أمرا مستحيلا، لكن يبدو أن عشائر محافظة الأنبار التي أصرت سابقا على منع أي عملية لبناء ما تعتبره أمرا “معيبا”، رضخت للأمر الواقع اليوم مع بناء أول فندق في المحافظة.
وتعرف المنطقة بكرم أهلها، حيث كانت تخلو من الفنادق لحرص عشائرها على إيواء الضيف غريبا كان أم قريبا، فبيوتهم مفتوحة لاستقباله وإكرامه.
هذه تقاليد تتجاوز جميع التقسيمات والخلافات السياسية أو الطائفية، لتجعل من الضيف شخصا مبجلا فوق مستوى كل الاعتبارات، وله حق المبيت والطعام، قبل أن يغادر إلى وجهته.
ويعتبر الزعيم العشائري الشيخ محمد خلف الشعباني أن “الفنادق أمر معيب ومخجل، لأننا تربينا على أن الضيافة خط أحمر لدينا، فنحن نجلّ الضيف كما نجلّ الله”.
وفي وسط مدينة الرمادي، كبرى مدن المحافظة الغربية الصحراوية، تضيء الألوان الواجهات الأربع لفندق “روز بلازا السياحي” الأول في تاريخ الأنبار.
ويقول مدير الفندق محمد كسار (29 عاما) إن “بناء الفندق في وسط الرمادي له أسبابه”.
ويضيف هذا الشاب الذي يقدم نفسه على أنه رجل أعمال بالقول “نحن محافظة كرم وضيافة، لكن ليس من المعقول لمحافظة تمثل ثلث مساحة العراق ولها منافذ على ثلاث دول ومحطة تجارية مهمة أن تكون بلا فندق”.
وعاشت تلك المنطقة الواقعة على الحدود مع سوريا تحت حكم تنظيم داعش لفترة طويلة، وكان المغامرون في دخول الرمادي كبرى مدن المحافظة، قليلين حتى تحريرها في العام 2016.
أما اليوم، فيتسابق التجار والمستثمرون والمقاولون والعمال إلى المنطقة الصحراوية التي تحاول استعادة الحياة بعد سنوات من الركود، وخصوصا من المحافظات العراقية الأخرى.
ومن بين هؤلاء لؤي رافع الذي قطع أكثر من مئة كيلومتر آتيا من العاصمة بغداد لتسديد معاملات رسمية، لكن عمل هذا العشريني لم ينته في يوم واحد، واضطر لقضاء ليلته في الفندق الذي يتسع لثمانين شخصا في مدينة الرمادي.
ويقول رافع “أخجل من أن أمكث في كل مرة لدى صديق وأجعله يتقيد بي، فحجزت غرفة في الفندق. هذه خطوة نشجع عليها فهي تسهّل حياة الجميع”.
ومن المعروف في هذه المحافظة أن التقليد العشائري هو الحاكم، لذا، فإن تلك العشائر تعتبر الفنادق أمرا مخجلا ومناقضا لمبدأ الضيافة.
وعندما يباشر أهالي الأنبار ببناء منازلهم، تكون المساحة الأكبر مخصصة للديوانية (قاعة الاستقبال)، حتى لو كان ذلك على حساب باقي غرف المنزل.
ويقول خلف الشعباني “عندما نبدأ ببناء بيوتنا نبني أولا قاعة الاستقبال والديوانية الكبيرة للضيافة التي يجب أن تكون كبيرة حتى لو اضطر الأمر لأن نعيش كلنا في غرفة واحدة”. ويتذكر كريم البصراوي، وهو تاجر قطع سيارات، “كنت في زيارة عمل، في أحد الأيام بالفلوجة، وظننت أنه بإمكاني إيجاد فندق للبقاء، وإنهاء عملي مع شخص كنت أنوي زيارته، لكن عند وصولي فوجئت بعدم وجود أي فندق، وضيعت طريقي وطرقت باب منزل أسأل أصحابه عن الشخص المعنيّ”.
وبمجرد أن عرف هؤلاء الناس أن الشاب الثلاثيني قادم من محافظة البصرة، وأنه غريب عن المنطقة، لم يترددوا في دعوته للدخول، وتقديم الطعام والشاي له، قبل أن يعدوا له مكانا لقضاء ليلته.
تقليد عشائري يتجاوز الانتماءات الطائفية، وفق المصدر نفسه، لأن الزائر لا يسأل في تلك الأنحاء عن طائفته، بل تسقط جميع العناوين هناك، ليحمل عنوانا واحدا، وهو أنه ضيف وجب تكريمه.
وفي وسط مدينة الرمادي، يتواجد هيكل خرساني مهجور، كان محاولة من قبل شركة تركية لبناء فندق في الأنبار العام 2013، لكن الأعمال توقفت مع اجتياح تنظيم داعش للبلاد في العام 2014.
ويؤكد السكان اليوم أن الفنادق ضرورية أيضا في مسألة التجارة، إذ أن المستثمرين الذين قد يأتون إلى المحافظة، لن يبقوا لأيام عدة في منزل شخص معين. وأيضا، فسيكون الفندق مركزا لعقد مؤتمرات وندوات واجتماعات، خصوصا فيما تنتظر المحافظة نهضة ما بعد دحر التنظيم المتشدد.
ولم ينته تواجد الجهاديين تماما في المحافظة، إذ لا يزال بعضهم طليقا في المناطق الحدودية مع سوريا.
وفي تلك المحافظة، وفي العام 2006 تحديدا، برز تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”. والسكان الذين كانوا يشعرون بالاضطهاد من قبل حكومة نوري المالكي، فتحوا الأبواب لمقاتلي التنظيم على أساس أنهم رافعو لواء حماية السنة، على غرار ما فعلوه قبل عشرة أعوام مع تنظيم القاعدة.
لكن سرعان ما أصيبوا بخيبة أمل، بعد فوات الأوان، حين تمكن التنظيم من السيطرة على المحافظة تماما وفرض قوانينه المتشددة فيها.
فمعاناة المحافظة على مدى 15 عاما، ومحاولة إدخال ظاهرة جديدة، لا تلغيان بالنسبة للشيخ إبراهيم خليل الحامد ضرورة الحفاظ على التقاليد.
ويقول شيخ عشيرة البوعلي الأنبارية بعباءته السوداء وعقاله المتدلي على كتفيه إن “هذه ليست عادات آبائنا وأجدادنا، الضيوف يأتون للعشائر، هذا ما نعرفه، وهذه الفنادق تؤثر سلبا على سمعتنا”.