الاستخبارات أداة خامنئي ورئيسي لكتم أصوات المعارضين

"الوزارة".. اسم يثير الرعب داخل إيران يفشل أمام إسرائيل.
الثلاثاء 2021/08/17
المشانق لمن يخالف الرأي

لا يتوانى النظام الإيراني عن استخدام أجهزته الاستخباراتية المختلفة في تنفيذ عمليات قتل واختطاف خارجية ضد المعارضين والمنشقين عن النظام. ويعيد تكرار نفس العمليات العابرة للحدود الوطنية منذ أربعة عقود من الزمن بهدف كتم أصوات المعارضين وبث الرعب والخوف في الداخل الإيراني.

طهران - ينظر في إيران إلى وزارة الاستخبارات والأمن الوطني على أنها الأداة المستخدمة الأكثر قسوة ضد المعارضين الإيرانيين داخل البلاد وخارجها، وهي الجهة التي تخضع مباشرة لإمرة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي وتنفيذ جميع تعليماتهما بدقة متناهية.

عاد الحديث مجددا عن أهم جهة استخباراتية في إيران بعد تولي الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي رئاسة البلاد في الثالث من أغسطس الجاري، وهو الذي عُرف بتشدده في التعامل مع الخصوم في الداخل أثناء توليه رئاسة السلطة القضائية. واختار رئيسي لقيادة وزارة الاستخبارات إسماعيل خطيب وهو رجل دين خدم في جهاز استخبارات القضاء وعمل سابقا في مكتب خامنئي.

ويثير اسم وزارة الاستخبارات والأمن الوطني المعروفة داخل إيران اختصارا باسم “الوزارة” الرعب بين المعارضين للنظام الإيراني خاصة أنها متهمة بممارسة التعذيب في السجون وتنفيذ اعتقالات واغتيالات داخل البلاد وخارجها، بالإضافة إلى تورط عناصرها في تنفيذ عمليات تفجير ضد المعارضين خارج الحدود الإيرانية.

وتشكل “الوزارة” العمود الفقري للأجهزة الأمنية والعسكرية الإيرانية، وهي بمثابة الأداة المخابراتية للحرس الثوري الإيراني الذي يعدّ القوة الضاربة بيد المرشد الأعلى.

وتؤكد منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته في الحادي عشر من أغسطس الجاري أن “قوات الأمن الإيرانية استخدمت القوة الغاشمة والاعتقالات الجماعية والتعذيب لسحق الاحتجاجات السلمية” الأخيرة التي شهدتها مناطق إيرانية.

وأشارت المنظمة الحقوقية الدولية إلى أن العديد من المحتجين تم احتجازهم في مراكز تابعة لوزارة الاستخبارات والحرس الثوري حيث ينتشر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

ماذا الآن؟

سعيد جولكار: القمع العابر للحدود الوطنية لا يعتبر ظاهرة جديدة في إيران
سعيد جولكار: القمع العابر للحدود الوطنية لا يعتبر ظاهرة جديدة في إيران

دفع وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة، وهو الرجل المعروف بتشدده والمرشح المحتمل أيضا لخلافة خامنئي، إلى طرح تساؤلات حول طبيعة عمل وزارة الاستخبارات في الفترة المقبلة خاصة في نطاق عملياتها الخارجية، وذلك في ضوء مساعي طهران لاستئناف المفاوضات النووية مع القوى الكبرى، والدعوات المتزايدة إلى وقف تدخلاتها المباشرة إقليميا ودوليا.

ويرى مراقبون أن السياسة الإيرانية بشأن التدخلات الخارجية لن تتغير بسهولة ولا يمكن أن تختلف عن سابقاتها، باعتبار أن القرار النهائي داخل النظام الإيراني الذي تأسس عام 1979 يتبع مباشرة للمرشد الأعلى الذي وجه انتقادات لاذعة للرئيس السابق حسن روحاني في طريقة تعاطيه مع الغرب.

ويقول هؤلاء إن التدخلات الخارجية الإيرانية لن تختلف عن السابق على صعيد دعم الميليشيات والأذرع المسلحة الموالية لطهران سواء في سوريا أو العراق أو اليمن أو لبنان، لكن التساؤلات تتركز الآن حول طبيعة عمل وزارة الاستخبارات في ملاحقة المعارضين وتصفيتهم أو اختطافهم في الخارج.

ويرى سعيد جولكار أستاذ مساعد زائر للعلوم السياسية في جامعة تينيسي في تشاتانوغا وزميل أقدم غير مقيم لشؤون السياسة الإيرانية في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية إن “عمليات القمع العابرة للحدود الوطنية الإيرانية لا تعتبر ظاهرة جديدة في إيران، فالجمهورية الإسلامية عملت منذ تأسيسها على مراقبة أفراد المعارضة والمنشقين واختطافهم وقتلهم بصرف النظر عن الحكومة التي في السلطة”.

وساد اعتقاد واسع بين المراقبين للشأن الإيراني أن طهران ستعدل سلوكها بعض الشيء مع توقيع الاتفاق النووي في العام 2015، لكن بدلا من ذلك زادت وزارة الاستخبارات من أنشطتها العابرة للحدود الوطنية خلال عهد حكومة روحاني السابقة.

ولا يتوقع أن تغير طهران من أساليب الملاحقة بحق المعارضين في الخارج خلال الفترة المقبلة، حيث سجل في أواخر يوليو الماضي محاولات لوكالات استخباراتية إيرانية لخطف صحافيين مغتربين والقيام بعمليات تجسس على علماء في الخارج من خلال انتحال صفة جامعة بريطانية.

ويقول جولكار إن هذه العمليات تعتبر مؤشرا على استمرار إيران في قمعها العابر للحدود الوطنية والمتوسع ضد الإيرانيين الذين يعربون عن معارضتهم للنظام المتشدد.

وركزت دوائر سياسية غربية على الأنشطة العسكرية المريبة للحرس الثوري الإيراني، الذي ساهم في تعزيز نفوذه عبر ميليشيات موالية في بلدان عربية، لكن وقع تجاهل “الأنشطة الخبيثة العديدة التي ينفذها جهاز الاستخبارات الرئيسي التابع للنظام الإيراني”، حسب ما يؤكد الباحث جولكار.

وتعد وزارة الاستخبارات التي تأسست بشكل علني في العام 1983 مسؤولة عن التنسيق بين مجتمع الاستخبارات بأكمله داخل النظام الإيراني والمتكون من 16 جهازا يعمل في مجال الاستخبارات ومكافحة التجسس.

وعلى الرغم من نجاح هذه الأجهزة في قمع الاحتجاجات الداخلية وتنفيذ عمليات خارجية ضد المعارضين، إلا أنها فشلت في الكشف أو وقف عمليات اغتيال ضد العلماء والمسؤولين الإيرانيين الذين يشرفون على البرنامج النووي الإيراني. وتتهم طهران إسرائيل بالوقوف وراء أكثر من هجوم تعرضت له خلال السنوات الماضية.

هجمات خارجية

Thumbnail

تتبع الوزارة مباشرة للرئيس في هيكلة النظام الإيراني، لكن يجب اختيار الوزير المسؤول عنها بموافقة المرشد الأعلى. وتختار وزارة الاستخبارات موظفيها في المقام الأول من طلاب المعاهد الدينية، حيث درس العديد من أبرز عناصرها في “مدرسة حقاني”، وهي معهد ديني في مدينة قم تخرج جماعات موثوقة من المتشددين.

وهيمن المتشددون الإيرانيون على وزارة الاستخبارات بعد عام 1989، وهم الأكثر ولاء للمرشد علي خامنئي، ومنذ ذلك الحين بدأت عمليات تصفيات خارجية بارزة تظهر للعيان داخل إيران وخارجها.

ووقعت أولى الهجمات البارزة للجهاز الأمني في يوليو عام 1989 عندما قتل عبدالرحمن قاسملو في فيينا، بالإضافة إلى اغتيال رئيس الوزراء السابق في عهد الشاه شابور بختيار في باريس في أغسطس عام 1991.

ومارس الجهاز عمليات أخرى من بينها إحدى الحوادث الأكثر شهرة في برلين حين اغتال عملاء تابعون لوزارة الاستخبارات ومسلحون من حزب الله اللبناني منشقين أكرادا إيرانيين في مطعم “ميكونوس”.

كما أشارت بعض التقارير إلى أن “الوزارة” تعاونت مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري لتفجير “الجمعية التعاضدية الإسرائيلية الأرجنتينية” في بوينس آيرس، مما أسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 300 آخرين بجروح. واستمرت هذه الموجة من العنف المستهدف حتى نهاية رئاسة أكبر هاشمي رفسنجاني في عام 1997.

ويقول سعيد جولكار إن جميع العمليات التي نفذتها إيران ضد المعارضين في الخارج تم وصفها بأنها “جزء من المعركة ضد الغزو الثقافي، حيث من وجهة نظر النظام كانت الدول الغربية عازمة على تقويض الثقافة الإسلامية وإفساد أخلاق الإيرانيين من خلال الترويج لثقافتها وأنماط حياتها المادية”.

واعتمدت إيران منذ وصول حسن روحاني إلى السلطة عام 2013 أكثر على منظمة استخبارات الحرس الثوري، وهي وكالة تأسست عام 2009.

ويقول جولكار إن اختيار روحاني لمحمود علوي لقيادة وزارة الاستخبارات وهو رجل دين لا يتمتع بخلفية استخباراتية أدى إلى تهميش “الوزارة” في الشؤون الأمنية الداخلية وإعادة التركيز على الاستخبارات الخارجية.

وسجلت عمليات تصفية خارجية في عهد روحاني، حيث تم توسيع صلاحيات فرع الاستخبارات الخارجية ومسؤولياته ضمن “الوزارة” بشكل رسمي في العام 2017 لمراقبة المنشقين والمعارضين واستهدافهم بشكل أوسع.

وفي ديسمبر عام 2015 قتل عملاء “الوزارة” محمد رضا كلاهي صمدي، وهو عنصر في “مجاهدي خلق” اشتبه بتفجيره مقر “الحزب الجمهوري الإسلامي” في عام 1981. وفي أبريل عام 2017 قتل عملاء الوزارة في إسطنبول سعيد كريميان صاحب قناة تلفزيونية فضائية.

كما سجل عام 2018 إلقاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي القبض على مجموعة من الإيرانيين الذين يحملون الجنسية الأميركية والمنتسبين إلى “الوزارة” بتهمة مراقبة مراكز يهودية وأعضاء في حركة “مجاهدي خلق” بصورة سرية. وفي نفس العام حاول عميل تابع لوزارة الاستخبارات الإيرانية تحت ستار دبلوماسي إيراني زرع قنبلة في تجمّع لمنظمة “مجاهدي خلق” في باريس. وفي نوفمبر 2019، قتلت “الوزارة” مسعود مولوي وردنجاني، وهو مسؤول سابق في “الوزارة” كان قد انشق عنها وهرب إلى تركيا.

وكانت عمليات الخطف متفشية أيضاً، ففي يوليو 2020 اختطفت “الوزارة” المنشق جمشيد شارحد؛ وبعد ثلاثة أشهر اختطفت حبيب شعب، وهو زعيم انفصالي من أصل عربي إيراني في تركيا.

ويؤكد الباحث الإيراني سعيد جولكار أنه بالتوازي مع عمل وزارة الاستخبارات في تنفيذ عمليات ضد المعارضين في الخارج، شاركت منظمة استخبارات الحرس الثوري في عمليات اختطاف مماثلة. ويشير إلى عملية اختطاف لروح الله زام وهو صحافي إيراني عمل في العراق وأعدمته لاحقا.

ويوضح أنه على الرغم من التنافس على الموارد والامتيازات بين وزارة الاستخبارات والحرس الثوري فقد تعاونت “الوزارة” مع منظمة استخبارات الحرس الثوري بشكل عام في مهمة أوسع نطاقاً تتمثل في الحفاظ على النظام وقمع المنشقين.

ولا يتوقع على نطاق واسع أن تغيّر إيران من استراتيجيتها القائمة منذ تأسيس النظام الحالي عام 1979 على ملاحقة المعارضين في الخارج والقيام بكل ما يمكن عمله لكتم الأصوات المنددة بحالة القمع الواسعة ضد المعارضين في الداخل والخارج.

7