الاستثناء الإماراتي أو كيف تحولت أبوظبي إلى قوة عالمية ناعمة

أبوظبي أصبحت لاعبا مؤثرا في المنطقة بعد موجة ثورات الربيع العربي.
الأحد 2024/09/29
الإمارات وجهة مفضلة للمؤتمرات الدولية

النموذج الذي تعتمده الإمارات ونجاحها في أن تصبح قوة إقليمية ودولية باعتماد النفوذ الناعم جعلاها محور الاهتمام والدراسة، وهو ما عكسه الكتاب الذي ألفه أندرياس كريغ تحت عنوان "التخريب: التسليح الإستراتيجي للسرديات"، ورصد فيه عناصر القوة والنجاح في البلد الخليجي.

لندن- لم يعد النفوذ يقاس بالعناصر التقليدية مثل القوة العسكرية أو الاقتصادية فقط، بل صار تمازجا متنوعا ومتداخلا ما أفضى إلى صعود قوى جديدة، وأبرز نموذج للقوى الصاعدة في الشرق الأوسط هي الإمارات.

يقدّم أندرياس كريغ في كتابه المعنون “التخريب: التسليح الإستراتيجي للسرديات” لمحة عن مجموعة واسعة من العوامل الاجتماعية والسياسية والعوائق المعرفية التي تحدد نظرة الناس إلى العالم. ويدرس كذلك دور وسائل الإعلام التقليدية بصفتها بوابة للحقيقة وكيفية كشف عالم وسائل التواصل لاجتماعي والتكنولوجيا الجديدة ذات التأثير الهائل، والتي تحولت إلى عنصر مهم في النفوذ الناعم.

ويدعم كريغ، وهو أستاذ في كلية الملك في لندن وصاحب مؤسسة لدراسة المخاطر السياسية، مناقشته لصعود القوى الناعمة الجديدة بدولة الإمارات العربية المتحدة، التي باتت تتفوق إقليميا بوسائل النفوذ الناعمة المختلفة.

فرانسيس غيلس: سياسة الإمارات الخارجية متحفظة تقليديا
فرانسيس غيلس: سياسة الإمارات الخارجية متحفظة تقليديا

ويشير فرانسيس غيلس في قراءته لكتاب أندرياس كريغ إلى أن الإمارات ستكون مفاجأة للعديد من القراء. ويشرح الكاتب كيف أصبحت من أكثر الدول نفوذا في الشرق الأوسط من خلال زراعة صورة “سبارتا الصغيرة” عبر شبكة نفوذها الواسعة.

وكانت الإمارات ترد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأكثر من ذلك على مخاوفها من تراجع الاستقرار إثر الربيع العربي الذي اندلعت شرارته سنة 2011. ويصور لنا المؤلف كيف أمكن لقوة صغيرة أن تكتسب نفوذا عالميا في مجال المعلومات.

ويرى غيلس أن سياسة الإمارات الخارجية متحفظة تقليديا، بالمقارنة مع إيران والمملكة العربية السعودية وحتى قطر، ولكن أبوظبي أصبحت مؤخرا لاعبا أكثر حزما داخل المنطقة وخارجها، خاصة منذ اندلاع موجة ثورات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة. ومن المهم أن نفهم صعود أبوظبي كقوة رقمية في سياق طموحها لتصبح “قوة عظمى ناعمة عالمية”. فهي تهدف اليوم إلى “الهيمنة بشكل أكثر استباقية على بيئة المعلومات في الشرق الأوسط وكذلك على الخطاب العالمي القائم حول المنطقة”.

وكان هذا التغيير في الموقف نتيجة تفكك مراكز القوى التقليدية في ليبيا ومصر وسوريا والعراق إثر الربيع العربي الذي خلق فرصة لقوى صاعدة جديدة مثل الإمارات.

ويعني ما أصبح يعرف الآن باسم “الاستثناء الإماراتي” الذي ينشر نموذجا جديدا للمنطقة، قائما على الاستقرار السياسي مع تطور في التحرر الاجتماعي والاقتصادي.

ويساعد التقدم التكنولوجي والإدارة الاقتصادية الفعالة الملموسان في البلاد على إضفاء طابع من المصداقية على وجهات النظر الإماراتية العالمية.

◄ أبوظبي أصبحت مؤخرا لاعبا أكثر حزما داخل الشرق الأوسط وخارجه، خاصة منذ اندلاع موجة ثورات الربيع العربي في 2011

وتسعى الإمارات، بقيادة شركة جي 42 المدعومة من حكومة أبوظبي، لأنْ تصبح دولة رائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، واستثمرت فيه بكثافة لمساعدة الدولة الخليجية على تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط.

ويطمح الإماراتيون إلى تحويل بلدهم إلى مركز عالمي للتكنولوجيا في غضون سنوات قليلة واجتذاب لاعبين كبار في المجال لإنشاء أعمالهم والمساهمة في تنمية سوق التوظيف والمساعدة على صياغة قواعد تجعلها قبلة المستثمرين في الشرق الأوسط.

كما يريدون تحقيق أثر على الناتج المحلي الإجمالي من بوابة الاستثمارات والأعمال بقيمة 30 مليار دولار سنويا، مع جني قرابة ثلاثة مليارات دولار من استثمارات التكنولوجيا المتقدمة.

من جهة أخرى، جعل رفض أبوظبي الحازم للربيع العربي باعتباره سبب التفكك الإقليمي وعدم الاستقرار والفوضى الأكبر البلاد أقوى عدو لتغيير النظام الشامل في المنطقة على مستوى بيئة المعلومات المادي والافتراضي.

وزاد صعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد انتخاب محمد مرسي وفي تونس من تغذية الخوف المتزايد من قدرة الإسلام السياسي على إفساد السياسة في المنطقة. وبينما كانت قطر “تبذل قصارى جهدها وتلقي بثقلها المالي وقوتها الإعلامية وراء الدعوات إلى التحرر الاجتماعي والسياسي” الذي من شأنه أن يدعم وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي كان وقتها ولي عهد أبوظبي على قناعة راسخة بأن الإمارات ستكون على الطرف المتصدّي للاضطرابات الإقليمية التي يمكن أن تقوّض الأمن الإقليمي في الداخل.

وفرضت الإمارات من خلال قدرتها على بناء سردية معادية للتشدد والإرهاب، واعتماد سياسة الحليف الذي يريد علاقات قائمة على التكافؤ والندية، على الولايات المتحدة أن تغير أسلوبها في التعامل مع الحلفاء وتنظر إلى الإمارات كشريك إستراتيجي.

◄ أندرياس كريغ يقدّم في كتابه لمحة عن مجموعة واسعة من العوامل الاجتماعية والسياسية والعوائق المعرفية التي تحدد نظرة الناس إلى العالم
أندرياس كريغ يقدّم في كتابه لمحة عن مجموعة واسعة من العوامل الاجتماعية والسياسية والعوائق المعرفية التي تحدد نظرة الناس إلى العالم

ولعب “التهديد الإسلامي المتجدد” دورا جيدا في الدوائر المحافظة في واشنطن وأوروبا حين كان صانعو السياسة ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية يؤيدون في الكثير من الأحيان “الروايات المثالية عن الليبرالية والديمقراطية في العالم العربي”.

ومن المهم أيضا أن الإمارات تعلمت، على عكس منافستها الإقليمية قطر، كيفية دمج شبكات معلوماتها الخاصة في إستراتيجيتها الكبرى الشاملة، مما يجعل أنشطتها في بيئة المعلومات أقل مصادفة بالكثير من تلك التي تنفذها قطر”.

وكان هدف عمليات الإمارات في المنطقة يكمن في عزل الشبكة العالمية التي تتمتع بها جماعة الإخوان المسلمين وداعميها الإقليميين.

ونجحت الإمارات في تقديم نفسها مثالا لنموذج جيفرسون للدولة في منطقة معرضة للتطرف. وأقنعت الكثيرين في الغرب بأن جذور المشكلة في الشرق الأوسط تكمن في التطرف وليس المظالم الاقتصادية.

أما النقطة الثانية للإمارات، حسبما يرى كريغ، فتتمثل في اعتماد إطار الإرهاب على نطاق واسع في مطلع القرن الحالي لإدارة معادلة الحرية والأمن مع إضفاء الطابع الأمني على “الإرهاب الإسلامي العالمي” باعتباره تهديدا منتشرا في كل مكان ولا يمكن التنبؤ به.

وهذا ما يلقى قبول المحافظين في أوروبا وأميركا، حيث تبنّى العديد من صانعي السياسة “مفهوم التطرف الذي يسهل استيعابه على أساس عملية خطية تدور حول الأيديولوجيا الإسلامية بالكامل”. وتناسب أولوية الاستقرار الزعماء السياسيين في الغرب الذين يخشون قوس الاضطراب الذي يمتد من أوكرانيا في الشرق إلى دول البحر المتوسط المطلة على الجنوب. ويريحهم بينما يفشلون في وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

وخلص المؤلف إلى أن “الإمارات لا تُعدّ لدى الراصدين الغربيين خصما بل شريكا إقليميا مهمّا”.

لكن نقص دراسات الحالة تعد نقطة ضعف الكتاب الرئيسية، فالعديد من الدول الأخرى، مثل إسرائيل وقطر والصين، تستحق مزيدا من الاهتمام في هذا الكتاب.

كما لم ينجح الكتاب في إظهار صراعات القوة الناعمة المحتدمة في المنطقة، حيث تنفق تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر وإسرائيل وغيرها المليارات من الدولارات لتلميع صورتها في الخارج.

◄ شراكة تكنولوجية
شراكة تكنولوجية

 

6