الاحتلال يتفنن في إذلال العمال الفلسطينيين المحاصرين في غزة

العمال يهرولون نحو إسرائيل إذْ لا توجد فرص عمل حقيقية في غزة وهناك فارق كبير في الأجور بين الجانبين.
الخميس 2023/01/12
قسوة الحياة في غزة تجعل العمل في إسرائيل خيارا لا بديل عنه

تقع غزة تحت وطأة عزلة تامة منذ عام 2007، بسبب الحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي، مما ألحق الضرر بالاقتصاد الغزي ورفع معدلات الفقر والبطالة. وأصبحت حركة العمالة وأنشطة القطاع الخاص شبه متوقفة، وزادت أعداد العاطلين عن العمل، وانخفض معدل فرص العمل والأجور اليومية التي يتلقاها العاملون في مختلف المؤسسات الحكومية أو الخاصة، حيث ارتفعت نسبة البطالة في فلسطين خلال نهاية عام 2021 إلى 26.4 في المئة، وإلى 46.9 في المئة في قطاع غزة، وبلغ متوسط الأجر اليومي للعمال في فلسطين 136.5 شيكل ليصل في قطاع غزة إلى 60.4 شيكل.

ويعتبر ذلك سبباً جعل عمال غزة يهرولون نحو إسرائيل، حيث لا توجد فرص عمل حقيقية في غزة للعمال والشباب، وهناك فارق كبير في الأجور بين الجانبين، إذ أن العامل في القطاع إذا وجد فرصة للعمل فإن أجره لا يتعدى الـ20 شيكلاً بالعملة المحلية أو ما يساوي قرابة 7 دولارات، بينما يتقاضى في إسرائيل ما يقارب الـ100 دولار في اليوم الواحد.

إسرائيل تستغل احتياجات العمال الفلسطينيين، وتتفنن في إذلالهم من خلال فرضها قيوداً على تصاريح العمل، حيث تقوم بإصدارها تحت مسمى "احتياجات اقتصادية"، وليس عاملاً

ومن ضمن مطالب حركة حماس، التي نص عليها الاتفاق، السماح لعمال غزة بالعودة إلى العمل في إسرائيل وبأن يتم إصدار ما مقداره 30 ألف تصريح عمل. وشرعت إسرائيل في تنفيذ هذا البند لكن بشكل تدريجي وبطيء، إذ أن مجموع ما تم إصداره حتى اليوم وصل إلى 12 ألف تصريح.

ويبلغ عدد العمال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة 200 ألف عامل، يعانون يومياً في طريقهم إلى العمل داخل الأراضي المحتلة، أمام نقاط التفتيش حيث يتم فحص تصاريح العمل، وهناك تقييدات على نقل الأمتعة الشخصية في معبر إيرز.

والكثير من العمال يخرجون إلى الطريق الطويل الذي ينتظرهم دون أن يأخذوا معهم شيئًا، ويضطرون إلى شراء ما يحتاجونه من لوازم في إسرائيل، حيث يُمنع إخراج مستلزمات أخرى (حقيبة أو شاحن أو طعام أو معدات شخصيّة…)، ويرتدي الكثيرون عدة ملابس كي تتوفر لهم لاحقاً.

وتستغرق عملية البحث عن عمل مدة طويلة تتخللها صعوبات، لأن العثور على عمل يتم من خلال العلاقات الشخصية، بواسطة أقرباء أو أصحاب عمل في القطاع ممن لديهم علاقات تجارية في إسرائيل، أو عبر علاقات أقامها عمال آخرون ممّن بحوزتهم تصاريح عمل، وكثيرون يدفعون رسوم سمسرة لكنهم يخشون الحديث عن ذلك خوفًا من أن يضرهم صاحب العمل ويتسبب في إنهاء التصريح.

ويستمر يوم العمل بمعدل 8 ساعات ونصف الساعة، لكنه قد يستمر أيضاً إلى 10 و12 ساعة، بل أكثر. وهناك حالات مماطلة في دفع الأجور، وقد يتم رفض دفع تعويضات عن حوادث العمل أو أيام المرض. ويتعرض معظم العمال للظلم والاستغلال، ويعملون تحت أشعة الشمس لساعات طويلة، ويتكدسون في المبيت، حيث ينام كل 10 أشخاص معًا في غرفة واحدة، ويدفع كل منهم 200 - 300 شيكل شهريًا مقابل سرير.

من ضمن مطالب حركة حماس، التي نص عليها الاتفاق، السماح لعمال غزة بالعودة إلى العمل في إسرائيل وبأن يتم إصدار ما مقداره 30 ألف تصريح عمل

وتعاني المرأة أيضاً في طريقها إلى مكان العمل وتتعرض للمضايقات والاصطفاف في طوابير الرجال، مما يدفع العديد من النساء إلى ترك أعمالهن. وتتجاهل الأجهزة الأمنية في إسرائيل كل هذه القيود والمضايقات اليومية، ولم تتخذ أي خطوة لإصلاح الوضع؛ ذلك أن العمال الفلسطينيين غير مرحب بهم في إسرائيل.

وتستغل إسرائيل احتياجات العمال الفلسطينيين، وتتفنن في إذلالهم من خلال فرضها قيوداً على تصاريح العمل، حيث تقوم بإصدارها تحت مسمى “احتياجات اقتصادية “، وليس عاملاً، وهو الأمر الذي فسرته نقابة العمال بأنه تملص وتنكر واضح من قبل أرباب العمل في إسرائيل لحقوق العمال، ولاسيما في حال تعرض أي منهم لخطر ما.

وتستخدم حكومة الاحتلال ملف إصدار تصاريح عمال قطاع غزة كورقة ابتزاز وضغط ضد حركة حماس؛ ذلك أنها تماطل في إصدار التصاريح وتؤخر موعد الإصدار بشكل متعمد، كما تغلق باستمرار معبر إيرز/ بيت حانون المخصص لعبور العمال، وذلك كرد على أي أعمال تزعم إسرائيل أنها عدائية تجاهها، كإطلاق القذائف الصاروخية في يونيو 2022، حيث أعلنت إسرائيل عن زيادة بواقع 2000 تصريح عمل لسكان قطاع غزة ليرتفع إجمالي عدد التصاريح إلى 14 ألف تصريح، ولكنها سرعان ما جمدت القرار بعد زعْم إطلاق قذيفة صاروخية من القطاع.

وتبقى معاناة الشعب الفلسطيني في جزأين، يتمثل الجزء الأول في الحصار، والثاني في تصاريح العمل. وينبغي أن ترفع إسرائيل الحصار المفروض على غزة، تطبيقا لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان وقرار مجلس الأمن 1860 (2009)، وعلى المجتمع الدولي والدول العربية أن يفرضا ضغطاً على إسرائيل، ويجب أن يكون للإعلام دور فعال في كشف الحقيقة وإرسال صورة واضحة عن هذه الانتهاكات، حيث إن حرية التنقل مضمونة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ويقع على عاتق إسرائيل، بوصفها سلطة الاحتلال، الالتزام بتيسير حرية تنقل الأشخاص المقيمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويقع على عاتق الجهات الفلسطينية المسؤولة أيضاً الالتزام باحترام وضمان حرية التنقل.

7