الاحترار المناخي يغيّر العادات الغذائية لحيتان القطب الشمالي

باريس - جاء في دراسة نشرت الأربعاء أن الفقمة والحيتان في القطب الشمالي مضطرة لتغيير عاداتها الغذائية بسبب الاحترار المناخي لزيادة فرصها بالصمود.
وتؤثر أيّ تبدلات في درجات حرارة البيئة بقوة على الحيوانات المائية، ومعدل نموها، ووتيرة إنتاجها، وتكاثُرها الموسمي، وسهولة تأثّرها من جرّاء الأمراض والسُموم.
وأراد الباحثون اكتشاف كيف تتكيف هذه الحيوانات مع تغير موطنها بسبب ذوبان الجليد محللين بيانات تفصل بينها لعشرين سنة.
وتسبح الكثير من أسماك المناطق القطبية الشمالية في مياه تبلغ درجتين تحت الصفر.
ويعتمد أحد التفسيرات على حقيقة مفادها أن العديد من البروتينات المضادة للتجمد كتلك الموجودة في السمك المفلطح الذي يظهر في شتاء القطب الشمالي، تحتوي على العديد من الأحماض الأمينية، وهذه الأحماض تحتوي على منطقة موجبة الشحنة وأخرى سالبة. وتصطف هذه الجزيئات مع ذرات الأوكسجين على سطح بلورة ثلجية، حيث يبدو أنها تشكل روابط ضعيفة مع جزيئات الثلج.
ويؤثر ارتفاع درجات الحرارة وغيرها من التغييرات الناجمة عن تغير المناخ على أرصدة الثروات السمكية وتربية الأحياء المائية، مما سينعكس على أوضاع الأمن الغذائي لبعض المناطق السكانية.
وجاء في الدراسة التي نشرتها مجلة “بايولودجي ليترز″، أن “القطب الشمالي يشكل مقياسا للتغير المناخي. فمع الوتيرة السريعة للتغيرات التي تجعل التكيف الجيني مستحيلا”، انطلق الباحثون من مبدأ أن تبدل السلوك ولاسيما على الصعيد الغذائي “سيكون الاستجابة الأولى التي يمكن رصدها في الأنظمة البيئية”. وقد استخدم الباحثون بيانات وفرتها أجهزة ثبتت على حيتان وفقمة في فترتين منفصلتين.
وبالاستناد إلى هذه البيانات كان النوعان قبل 20 عاما يمضيان نصف وقتهما بحثا عن الغذاء على الواجهات الجليدية مع نظام غذائي تهيمن عليه سمكة القد القطبية.
ويعتبر سمك القد ضروريا للبقاء بالنسبة لعدد هائل من الأشكال الحيّة بما في ذلك طيور البحر والحيتان والفقمات والدببة القطبية.
إلا أن الفقمة المطوقة باتت تمضي “وقتا أكبر بكثير قرب الواجهات الجليدية”، فيما انتقلت الحيتان البيضاء للصيد في أماكن أخرى. وأشارت الدراسة إلى أن الحيتان البيضاء “تصطاد في منطقة أوسع وتمضي وقتا أقل قرب المجلدات ووقتا أكبر في المضائق” الجليدية.
ويعتبر الباحثون أن هذه الحيتان غيّرت نظامها الغذائي مستفيدة من وصول أنواع جديدة من الأسماك دفعها نحو الشمال احترار مياه المحيطات. ويرى هؤلاء أن “المرونة” الظاهرة لدى الحيتان حيال تحول موطنها “تحسن فرصها للتكيف مع الاحترار المناخي”.
في المقابل “يبدو أن الواجهات الجليدية تشكل ملجأ للفقمة المطوقة” التي تحافظ على نظامها الغذائي وهي مضطرة تاليا لتخصيص المزيد من الوقت للبحث عن القوت “ما يعكس قدرة محدودة على التكيف والصمود”.
وحذرت الدراسات العلمية من أن “الأنواع غير القادرة على التكيف ستتراجع إلى حد الاندثار ربما عندما تتقلص الملاجئ التي يمكنها الانتقال إليها للاستمرار”.
وإذا كانت الطبقات الجليدية السميكة تجعل الصيد في المحيط المتجمد الشمالي مستحيلا، فإن ارتفاع درجات الحرارة قد أدى إلى ذوبان الغطاء الجليدي القطبي بسرعة لدرجة أنه الآن بات، في بعض فصول الصيف، 40 بالمئة من المنطقة الوسطى عبارة عن مياه مفتوحة، ما يجعل من المعقول أن تصطاد الأساطيل الصناعية العالمية في المياه القريبة من القطب الشمالي.
و علّق ميثاق دولي نشاط صيد الأسماك لأغراض تجارية في المحيط المتجمد الشمالي لمدة 16 سنة. وتخصص الاتفاقية المبرمة في شهر ديسمبر 2017 ما يقدر بنحو 2.8 مليون كيلومتر مربع من المحيط – وهي مساحة تفوق مساحة البحر الأبيض المتوسط- وتسمح للعلماء بدراسة بيئة المنطقة والتأثيرات المحتملة للصيد التجاري. ويدل هذا الاتفاق على استعداد الحكومات لاتخاذ إجراءات وقائية ضد ما يثير القلق بالنسبة للبيئة. فبالإضافة إلى الولايات المتحدة، وقعت كل روسيا والنرويج والدنمارك والصين واليابان وآيسلندا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي على اتفاقية تنص على حظر صيد الأسماك.
وبالإضافة إلى حظر الصيد التجاري، تدعو الاتفاقية إلى إجراء تحقيق علمي تعاوني في النظام البحري في القطب الشمالي.
ويجتمع التحالف كل سنتين لتبادل المعلومات وإعادة النظر في حقوق الصيد. وإلى أن يتم التوصل إلى توافق كامل في الآراء، يظل حظر الصيد ساري المفعول لحماية النظام البيئي في القطب الشمالي.