الإيرانيات المدمنات عار تسعى السلطات الإيرانية إلى دفنه

هناك نظريات سوسيولوجية ونفسية تقول ما مفاده إن الفرد قد ينحرف ويجرب أكثر الأمور خطورة للخروج من الروتين ودخول عالم المغامرة حتى عبر الانحراف الذي تتيحه رفاهية العيش والبذخ التي قد تصل درجة تجريب واستهلاك المخدرات، لكن هذه النظريات التي تنطبق على المجتمعات الثرية والمتحررة والمنفتحة حيث يحصل الفرد على جميع الضروريات والكماليات ليصل إلى اللامبالاة ومنها إلى البحث عن الغرابة، لا تنطبق على المجتمع الإيراني الذي أصبحت الفئات الضعيفة فيه وعلى رأسها النساء والأطفال والفقراء لقمة سائغة لمهربي وتجار المواد المخدرة.
الإدمان على المخدرات من أكبر المشاكل الاجتماعية في إيران، وهو ما دفع السلطات إلى الاعتراف بوجوده وبدور المخدرات في انتشار مرض الإيدز بين مختلف فئات المجتمع خاصة من فئة المراهقين والشباب وحتى الأطفال، لكن هذا الاعتراف يفتقد للشفافية حيث تتكتم مصادر الإحصاءات الرسمية عن الأعداد الحقيقية للمدمنين على المخدرات، بل تقدم نسبا ضعيفة مقارنة بما هو موجود في الواقع. لكن إنشاءها لمراكز العلاج من الإدمان ومناطق إيواء المدمنين ولجان مكافحته، يدل على ارتفاع أعداد المدمنين والمدمنات، وهو ما تثبته أيضا أرقام تعلنها مصادر المعارضة الإيرانية.
قامت الشرطة الإيرانية خلال الأسبوع الماضي بتجميع الآلاف من النساء المدمنات ممن يُقمنَ في بيوت من علب الكارتون في الحدائق، بالعاصمة الإيرانية، طهران، وتحديدا من حديقة “هرندي” في جنوب العاصمة إلى مركز صحي لرعاية المدمنين.
وقال مسؤول لجنة مكافحة المخدرات في طهران، إن هؤلاء النسوة سيتم نقلهن إلى مركز صحي لرعاية المدمنين يتسع لـ400 شخص، مؤكدا أن “عدد النساء اللواتي يجاهرن بالإدمان في حدائق العاصمة يصل حوالي 1000 امرأة”. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا عن البقية اللواتي لن يسعهن المركز؟ خاصة وأن الأرقام الحقيقية تفوق ما ذكره مسؤول لجنة مكافحة المخدرات حيث أكد قائد الشرطة الإيرانية في برنامج تلفزيوني أن هناك 1500 امرأة و15 ألف رجل من المدمنين ينامون في الحدائق في علب الكارتون.
خطورة إدمان المخدرات عند النساء مضاعفة لأن الدولة الإسلامية لا تطبق الشريعة في أولى درجاتها، وهي حماية المرأة
هذه الأرقام المعلنة رسميا، تحيل إلى بعدين أساسيين للقضية -كما أنها تجر وراءها حزمة هائلة من المشاكل المترتبة عنها والمنتجة لها– البعد الأول يتمثل في أن الأرقام المعلنة والمنشورة تخص مدينة طهران وحدها، فضلا عن كونها مخففة ولا تعكس الحجم الحقيقي للظاهرة، وهو ما يطرح السؤال عن تفشي الظاهرة في كامل إيران. في هذا الصدد تشير الأرقام الرسمية المتداولة إلى أن إيران تحوي حوالي مليونيْ مدمن على المخدرات، في حين تشير مصادر المعارضة الإيرانية إلى وجود أكثر من 4 ملايين.
البعد الثاني للمسألة يقوم على أن المدمن، يقبل على استهلاك المخدرات بسبب الأوضاع المعيشية المتردية، ونتيجة لحالة الضغط المسلط على المجتمع، إضافة إلى أن تفشي المخدرات بوصفه نتيجة لعوامل متداخلة، يتحول أيضا إلى سبب لظواهر اجتماعية لا تقل خطورة على غرار انتشار الجريمة والانحراف ومرض الإيدز.
التهميش والفقر يجعلان هذه الفئة من الضعفاء وخاصة من الضعيفات وفاقدات السند الأسري والمجتمعي والحكومي يمثلون بؤرة فساد واسع في المجتمع وبؤرة انتشار للأمراض الناجمة عن التشرد والناجمة عن تعاطي المخدرات مثل الأمراض المعدية والمنقولة عبر حقن المواد المخدرة كالإيدز.مستشارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، لشؤون النساء، شهيندخت مولاوردي، كانت ذكرت في تصريحات للتلفزيون الإيراني في وقت سابق أن سن إدمان المخدرات بين الفتيات وصل إلى 13 عاما. وهو ما يعني أن آفة المخدرات وصلت إلى تهديد الفتيات في سن الطفولة. كما تكشف الإحصائيات الرسمية الإيرانية عن تزايد مطرد لحالات الإدمان بين النساء، حيث إن نسبة المدمنات تضاعفت خلال السنوات الأخيرة، ووصلت إلى 10 بالمئة من مجموع المدمنين في البلاد.
وخطورة إدمان المخدرات عند الفتيات والنساء مضاعفة مقارنة بالرجال لأن الدولة التي تدعي كونها إسلامية لا تطبق الشريعة الإسلامية في أولى درجاتها، وهي حماية المرأة. لأن المرأة المدمنة هي ضحية عائلتها ومجتمعها وهي في الآن نفسه منبوذة من هذا المجتمع الإسلامي المحافظ، وهي الأم المدمنة التي تربي أجيالا على ما دأبت عليه حتى استهلاك المخدرات ويقول أحد مسؤولي جهاز هيئة مكافحة المخدارت أن 62 بالمئة من النساء المدمنات في إيران متزوجات و41 بالمئة منهن أعمارهن دون 35 سنة.
الاحصاءات تكشف خطورة وضع الإيرانيات وتفاقم مشاكلهن وتبين تعرضهن للمزيد من التهميش والإهمال
المرأة التي أدمنت المخدرات قد يدفعها ثنائي الفقر والإدمان إلى ممارسة الجريمة والسرقة والدعارة (وبالتالي نشر العدوى بأمراض مثل الإيدز) مقابل الحصول على المال أو على كميات المخدر التي تستهلكها، وكل هذه الممارسات تتم في إطار دولة تدعي كونها جمهورية تطبق السريعة الإسلامية.
ما تعانيه النساء الإيرانيات من تهميش ومن فقر وبطالة وعوز وتشرد بعضهن يؤكد فقدانهن لحقوقهن ولسبل العيش الكريم ما دفع نسبة هامة منهن إلى الإحباط ودخول عالم الانحراف والمخدرات والدعارة. وقد كشفت نائبة الرئيس الإيراني في شؤون النساء ورئيس مركز أبحاث الإيدز، مينو محرز، أن مرض نقص المناعة في تزايد مطرد في البلاد، ووصفت إحصائيات المرض الجديدة بـ“الكارثة”، مشيرة إلى أن إحصائيات العامين الماضيين تبيّن “وجود 500 امرأة مشردة في طهران، يفترشن الورق المقوى (الكرتون). وهي ظاهرة تعرف بسكنة الكرتون”.
وهي إحصاءات تكشف خطورة وضع الإيرانيات وتفاقم مشاكلهن وتبين تعرضهن للمزيد من التهميش والإهمال. وبحسب برويز أفشار، المتحدث باسم منظمة مكافحة الإدمان الإيرانية، فقد ازدادت حالات الوفاة بين النساء المدمنات في 2015 مقارنة بالعام السابق بنسبة 33 بالمئة أي أنهن لا يتمتعن حتى بالرعاية الصحية ولا بالتوعية والتثقيف والإحاطة الاجتماعية.
الثابت أن الإدمان على المخدرات ظاهرة منتشرة في كل العالم، ولا تخص إيران وحدها، لكن ما يميز بلدا عن آخر هو أولا جرأة الاعتراف بوجود الظاهرة، وثانيا البحث عن سبل علاجها بالتصدي لعوامل نشأتها، وثالثا مساعدة المدمنين على الخروج من أسر الإدمان لإعادتهم إلى الدورة الاجتماعية والاقتصادية. غير أن كل هذه الأبعاد لا تتوفر في الدولة الإيرانية، تبعا لسعيها الدؤوب لتسويق صورة براقة لوضع البلاد لأن تقديم صورة معاكسة لذلك قد يضرب الادعاء بصواب الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.