الإمدادات عبر تركمانستان أساسية لمستقبل الطاقة

في الوقت الذي تترسخ فيه القطيعة السياسية والاقتصادية بين الغرب وروسيا، يتزايد الحديث عن ظهور شركاء جدد، خاصة في سوق الطاقة، ومنهم تركمانستان التي هي من الجمهوريات السوفييتية السابقة التي تعمل جاهدة على التحرر من التبعية للكرملين، مستثمرة موقعها الجيوستراتيجي وعلاقاتها لعقد شراكات جديدة تعزز نفوذها، لكن إمكانياتها محدودة.
واشنطن - طوال أكثر من عام من غزو روسيا واسع النطاق لأوكرانيا، يرى مختلف المحللين أن الحرب أضعفت نفوذ موسكو على الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى. وإحدى هذه الجمهوريات تركمانستان الغنية بالطاقة التي تتعامل بحذر بالغ مع وسائل الإعلام التي تسيطر عليها تماما، والتي غالبا ما تردد ما تتحدث عنه موسكو.
ومع ذلك، فإن الدولة الآن في وضع أفضل من أي وقت مضى في تاريخها بالنسبة إلى تنويع قاعدة مستهلكي طاقتها خارج روسيا. وسيكون الوصول إلى احتياطيات غاز تركمانستان أمرا صعبا، لكن عمل ذلك يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة لكل من عشق آباد والغرب.
ويقول المحلل السياسي الأميركي أليكس ليتيل المتخصص في شؤون روسيا وآسيا في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأميركية إن تركمانستان تعتبر دولة مغلقة نسبيا، وذات باع طويل في التعاون مع روسيا في مجال الطاقة. لكن منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية سعت عشق آباد لإيجاد شركاء جدد، بما في ذلك مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فالاتحاد الأوروبي نفسه يبحث عن مصدر جديد للطاقة منذ تجميد ألمانيا لخط أنابيب نوردستريم 2.
ويوفر هذا فرصة لتركمانستان التي أعدت نفسها للاستفادة من التعاون بين الشرق والغرب. فقد سعت لتحسين اقتصادها وانفتاحه من خلال زيادة الشفافية، وتعزيز نظامها القانوني، وتشجيع تكوين رأس مال القطاع الخاص. وبالإضافة إلى ذلك، هناك وضع تركمانستان على طول طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين، المعروف بالممر الأوسط.
ويربط هذا الخط التجاري غير محدد التعريف الصين وأسواق شرق آسيا مع أوروبا، عابرا سهوب آسيا الوسطى، وبحر قزوين والقوقاز. ويعني تجاوز هذا الطريق لروسيا الخاضعة حاليا لعقوبات جسيمة بسبب حربها على أوكرانيا أن عشق آباد تستفيد من زيادة كبيرة في أهميتها الجيوسياسية. وهناك قدر أكبر من الاهتمام أيضا عندما يتعلق الأمر بالجوانب الجيوسياسية واللوجستية للطاقة. فقد سعت عدة دول في المنطقة بما في ذلك أذربيجان وتركيا للاستفادة من المزيد من تطوير نظام نقل الطاقة من تركمانستان إلى أذربيجان.
وسيكون من الضروري لتحقيق ذلك إنشاء خط أنابيب عبر بحر قزوين، والذي سوف يتجاوز روسيا ويوفر إمدادات الطاقة لأوروبا. كما أبدت تركمانستان اهتماما بتشييد هذا الخط بالمشاركة في مختلف اجتماعات المجلس الاستشاري لممر الغاز الجنوبي. وترى عشق آباد أن مشروع خط أنابيب عبر بحر قزوين فرصة ممتازة لتطوير قطاعها الخاص بالطاقة الداخلية.
ويرى ليتيل أن هناك عددا قليلا من المشكلات يعوق التعاون التجاري الناجح مع تركمانستان. فالقضايا الداخلية ونفوذ الصين في تركمانستان يمثلان مخاطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتعتبر البنية الأساسية في تركمانستان ضعيفة منذ وقت طويل. كما أن التحديث والتكامل التنظيمي سيمثلان أيضا تحديا كبيرا، في ضوء الطابع المغلق لحكومة تركمانستان وعلاقاتها الوثيقة مع روسيا والصين. وعلاوة على ذلك، يؤدي انخفاض الأجور في تركمانستان وعدم توفر التدريب الكافي للعاملين في محطات الحدود والمكاتب التجارية المرتبطة بها إلى انتشار الفساد والرشوة.
ورغم كل هذه التحديات، سوف يصبح تعاون ممر بحر قزوين في عالم متعدد الأقطاب، لاسيما وسط اختلالات سلاسل إمداد الطاقة نتيجة للحرب الروسية – الأوكرانية، أمرا أكثر أهمية. وهناك قضايا تستحق الذكر. فعلى سبيل المثال لدى بكين رأي خاص في ما يتعلق بمشاركة تركيا. فموقع تركيا الجغرافي، وحقيقة أن الممر الأوسط يمر عبر أراضيها، يجعلها شريكا لا غنى عنه بالنسبة إلى الغرب في تحقيق ترابط الممر الأوسط.
من ناحية أخرى، تشعر الصين بالقلق إزاء تأكيد أنقرة على التكامل التركي، مما قد يؤدي إلى تفاقم خطر النزعة الانفصالية بين العرقيين الأويغور في شينجيانغ. وتسبب هذا في توتر في الماضي. ومن الحكمة أن تجعل أنقرة التعاون في الممر الأوسط بصورة أساسية، مشروعا تجاريا بدون أي روابط سياسية. وهناك قضية أخرى وهي الاختناقات المحتملة بسبب الإمكانيات القانونية والتنظيمية واللوجستية المختلفة. وعلى أي حال فهذه أمور يسهل حلها عن طريق توفيرالاستثمار الكافي ومشاركة الأطراف الفاعلة.
ففي نوفمبر 2022، على سبيل المثال، اتفق كبار مسؤولي النقل ووزراء الخارجية في أذربيجان وجورجيا وكازاخستان وتركيا على خارطة طريق بقيمة 7.5 مليار دولار لإزالة اختناق من أجل تسهيل الممر الأوسط من 2022 حتى 2027.
◙ الصين تشعر بالقلق إزاء تأكيد أنقرة على التكامل التركي، مما قد يؤدي إلى تفاقم خطر النزعة الانفصالية بين العرقيين الأويغور في شينجيانغ
ويرجح ليتيل أن يزيد هذا الجهد الاستفادة من مشاركة القطاع الخاص من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن الممكن أن تدمج واشنطن، التي تتمتع بنهج مفتوح متعدد الأطراف وتأكيد على القدرة على التنبؤ، التعاون بشأن سلاسل الإمداد العالمية في مجموعة عمل. وسيكون المنتدى الوزاري لسلسلة الإمداد، الذي يضم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع شركاء آخرين، مكانا منطقيا للبدء من خلال ضم تركمانستان، وكازاخستان، وأوزبكستان، وتركيا، وأذربيجان والصين.
ومن الممكن أن تتعاون هذه المجموعة في تحديد وتخفيف الاختناقات وغيرها من العقبات التي تؤثر على نقل الطاقة على طول الممر الأوسط. وهناك طريقة أخرى يمكن أن يساعد بها الغرب من خلال تقديم المساعدات الفنية حيث ستكون رقمنة بيانات الوسائط المتعددة وتبادل المستندات أمرا مهما لإمكانية التنبؤ والموثوقية. ومع ذلك، يتعين عدم القيام بذلك بصورة أحادية أو اعتمادا على تكنولوجيا شريك واحد.
ورغم أن الصين نجحت في رقمنة مشروعات مبادرة الحزام والطريق، يمكن أن تتوخى دول آسيا الوسطى الحذر بالنسبة إلى الاعتماد على تكنولوجيا الصين فقط، والمصحوب بمخاطر التعرض للمراقبة. ولدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي القدرة التامة للمساهمة في رقمنة طرق التجارة. وعلى الرغم من المخاطر والعقبات التي تعوق ترابط الممر الأوسط وبالتالي تدفق غاز تركمانستان إلى أوروبا، من الممكن أن تفوق المكاسب الخسائر.
فمن خلال هذا المشروع التعاوني يمكن للصين التعامل مع قضايا الطريق التي سوف تستمر، خاصة أثناء تأثير الحرب الروسية - الأوكرانية على طرق الإمدادات. وفي ضوء الحقائق الجيوسياسية الحالية، ليس هناك وقت أفضل من الآن لقيام الغرب والصين وآسيا الوسطى بما في ذلك تركمانستان بتطوير ترابط الممر الأوسط.