الإمارات توازن بين العلاقات مع إسرائيل والانفراج السياسي مع إيران

الحياد يحافظ على مكاسب الإمارات ورهاناتها الاقتصادية في المنطقة.
الاثنين 2021/12/27
توازن يحافظ على مصالح الإمارات

تتحرك الإمارات العربية المتحدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي مستشعرة الخطر الوشيك من اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران، بعد أن باتت المفاوضات النووية غير مجدية، محاولة النأي بنفسها عن التدخل في التشابكات العسكرية بالمنطقة حتى وإن كان أحد أطرافها شريكا مهما بالنسبة إليها، فالبلد الخليجي الثري يولي أغلب اهتمامه للحفاظ على مصالحه عبر تقليل آثار أي حرب محتملة على اقتصاده.

واشنطن- تسير منطقة الشرق الأوسط نحو حرب وشيكة يحذر محللون منذ أشهر من إمكانية اندلاعها، حيث زادت حدة التوترات مؤخرا بين إسرائيل وإيران على خلفية الملف النووي وتورطت الدولتان في المزيد من الحروب بالوكالة، وهو ما يدفع دول المنطقة إلى مراجعة سياساتها درءا للمخاطر التي يمكن أن تلحقها.

وخلال الفترة الماضية، تم رسم الملامح السياسية لثلاثة من كبار الدول في الشرق الأوسط، في خضم موجة من الحراك الدبلوماسي والبيانات المشتركة وإعلانات الميزانية.

وأرسلت دولة الإمارات العربية المتحدة مستشارها للأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى إيران، بينما كانت تستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، كما أرسلت إسرائيل وزير دفاعها بيني غانتس إلى واشنطن، ومن جانبها ضاعفت إيران ميزانيتها العسكرية.

حسين عبدالحسين: أبوظبي تعتزم استبعاد أي تشابكات عسكرية في المنطقة

ويقول الباحث حسين عبدالحسين في مقال بموقع “سنديكيشن بيورو” للرأي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والأدنى، إنه بينما تخفف الإمارات من حدة التوترات مع دول الإقليم وتدعم المسار السلمي، تحشد إسرائيل وإيران الحشود ويبدو أنهما يدقان طبول الحرب.

وقد قام بينيت بزيارة تاريخية، هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلي إلى دولة الإمارات، حيث التقى مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وعقد اجتماعات فردية مع العديد من الوزراء.

وبلغ حجم التجارة الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ما يقرب من 800 مليون دولار، لأول تسعة أشهر من العام الجاري. كما شهدت الاستثمارات الإماراتية المباشرة في إسرائيل ارتفاعًا ملحوظا، حيث تزايد التعاون بين ثالث ورابع أكبر اقتصادات المنطقة، بناتج محلي إجمالي متساوي الحجم بحوالي 400 مليار دولار لكل منهما.

وسيضمن هذا التعاون نموًا اقتصاديًا كبيرًا بين إسرائيل، وهي دولة تركز على الشركات الناشئة، والإمارات العربية المتحدة التي تملك قطاعات متطورة في التمويل المالي والتسويق وأدوات أخرى لتسييل الأموال.

وعلى الرغم من وتيرة التقارب المذهلة التي جمعت الإمارات وإسرائيل، إلا أن الإمارات العربية المتحدة أشارت إلى أن السلام مع الدولة اليهودية كان اقتصاديًا وثقافيًا، وليس سلامًا يستهدف إيران. وعليه، لم يعقد بينيت لقاء فرديًا مع أيّ مسؤول دفاعي أو أمني أثناء وجوده في الإمارات، ولا حتى مع الشيخ طحنون، وهو المسؤول الذي عاد لتوه من طهران.

ويرى عبدالحسين أنه مع استمرار المحادثات النووية بين العالم وإيران والتي لم تُفض إلى شيء يذكر، شعرت الإمارات العربية المتحدة أن الحرب الإقليمية أصبحت وشيكة، ومع ذلك، فإن رسالة أبوظبي واضحة المعالم: فهي تعتزم استبعاد أيّ اشتباكات عسكرية في المنطقة، بما في ذلك أي اشتباكات مع إيران وإسرائيل، والحياد الإماراتي لا يعني أن لها طرفا مفضلا في هذا الصراع، ولكن حتى إذا كان لديها طرف مفضل، فهذا لا يعني أنها ستمد له يد العون.

ووضعت إسرائيل من جانبها خطوطا لا يمكن لأحد تجاوزها، فالدولة اليهودية لن تتسامح مع امتلاك إيران لأسلحة نووية، وهي مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لمنع طهران من تصنيع قنبلة نووية، ولهذا السبب زار بيني غانتس واشنطن، وطلب التسريع في تسليم ناقلتين للتزود بالوقود جواً، كانت إسرائيل قد اشترتهما في وقت سابق من الولايات المتحدة، وهذه التكنولوجيا مطلوبة عندما تطير الطائرات المقاتلة لمسافات طويلة، وهي مثالية للاستخدام، على سبيل المثال، إذا قررت إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية.

الحياد الإماراتي لا يعني أن للإمارات طرفا مفضلا في الصراع بين إسرائيل وإيران

وأعلنت إيران أنها ستضاعف ميزانيتها العسكرية لعام 2022 لتصل إلى 30 مليار دولار، وعلى الرغم من تلك الزيادة، تبقى قدرتها على شراء التكنولوجيا العسكرية الغربية المتطورة محدودة، مما يشير إلى أن طهران ستضاعف على الأرجح الأموال التي تخصصها لميليشياتها الإرهابية الإقليمية التي تهدد بها وغالبًا ما تبتز بها القوى الإقليمية وفي مقدمتها إسرائيل.

ولم تستطع سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المتمثلة في ممارسة “أكبر قدر من الضغوط” على إيران، إجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن سياسة ترامب أوقفت بالتأكيد تخصيب اليورانيوم الإيراني، ولو تم انتخاب ترامب لولاية ثانية، لما كان من المرجح أن تستأنف طهران التخصيب بسرعة كبيرة.

ولكن مع الرئيس جو بايدن اتخذت الدبلوماسية منحى فكريا، حيث يبدو أن فريق السياسة الخارجية مهتم أكثر بالمفهوم الغامض لإنهاء الاستعمار أكثر من اهتمامه بالحفاظ على السلام الإقليمي والعالمي، وما يجعل الأمور أسوأ بالنسبة إلى فريق بايدن هو حقيقة أن إنهاء عصر الإمبراطوريات يعني تراجع القوة الأميركية مع السماح في الوقت نفسه لإيران بالتوسع وبناء إمبراطوريتها الإقليمية.

ومع انسحاب الولايات المتحدة بقيادة بايدن وقصر سياساتها الخارجية على العلاقات الدبلوماسية غير ذات الشأن، تتنافس القوى الإقليمية لملء ذلك الفراغ، وتتأهب إسرائيل وإيران لإشعال الحرب، وكل منهما يعزز نقاط قوته.

الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بقيادة الإقليم تاركة السفينة تبحر بلا قائد في غياهب بحر متلاطم الأمواج

ويشير عبدالحسين إلى أن الإمارات تريد في خضم كل ذلك، التقليل إلى أدنى حد من آثار أي حرب على اقتصادها وازدهارها، وهي سياسة حكيمة قد يُنصح باتباعها من قبل الدول التي لها صفات مماثلة.

ولا يعرف أي طرف ما تخفيه لنا الأشهر والسنوات القادمة، وما نعرفه الآن هو أن اللاعبين الرئيسيين أو دول الإقليم التي تتمتع بوزن وثقل كبيرين مستعدة لخوض تغيير كبير وجذري، وأن الولايات المتحدة أو القوة العظمى التي كانت في السابق تُثبّت دفة سفينة الإقليم، لم تعد مهتمة بقيادة المركب، تاركة السفينة تُبحر بلا قائد في غياهب بحر متلاطم الأمواج.

٭ سنديكيشن بيورو

6