الإمارات تنتقد إسرائيل: اتفاقية السلام لا تعني الصمت على التجاوزات

دعم الفلسطينيين خيار إستراتيجي إماراتي بقطع النظر عن الطبقة السياسية.
الأحد 2025/06/01
المساعدات الإماراتية في نجدة الغزيين وسط الركام

الإمارات بادرت قبل أيام إلى انتقاد اعتداء الإسرائيليين على المسجد الأقصى وداخل الحي الإسلامي في مدينة القدس، ضمن سلسلة من المواقف الإماراتية المناوئة للسلوك الإسرائيلي منذ حرب غزة في 2023. هذه المواقف تتنزل ضمن مقاربة إماراتية تدعم السلام لكنها لا تجعله منه مظلة للاعتداءات.

لندن- لا تكاد الإمارات تتوقف عن توجيه الانتقادات لإسرائيل بشأن سلوكها الأمني والسياسي في الأراضي الفلسطينية. وآخر الانتقادات كانت الأربعاء ضد التجاوزات في القدس ومن قبلها بشأن ما يجري في غزة واستهداف المدنيين، أو الإيهام بأن دول الخليج بما في ذلك الإمارات يمكن أن تقبل بأن تشارك في دعم حكومة مستقبلية في غزة تحت القصف والدمار الذي طال كل نقطة في غزة.

لم تفهم إسرائيل أن دولة الإمارات حين قبلت بالاتفاق الإبراهيمي كان هدفها المساعدة على بناء سلام حقيقي ودائم في المنطقة، والتأسيس لمنظومة اقتصادية وتجارية إقليمية يستفيد منها الجميع على قدم المساواة بما في ذلك إسرائيل، ولا حظوة فيها ولا امتياز لأيّ جهة.

لكن إسرائيل تنظر إلى تلك التفاهمات على أنها تطبيع مع ما تقوم به إسرائيل والسكوت عن التجاوزات التي تتعارض مع القانون الدولي. كما أنها تعمد أحيانا إلى الإيحاء بأن دولة مثل الإمارات تدعم موقفها في الحرب، وهذا مناقض للواقع.

عبدالله بن زايد: أبوظبي ترفض الانجرار خلف أيّ مخطط يرمي إلى توفير الغطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة

صحيح أن الإمارات عارضت هجوم حماس في أكتوبر 2023 وحمّلت الحركة مسؤولية إطلاق يد الآلة العسكرية الإسرائيلية، لكن الخلاف مع حماس وانتقادها لا يعني تبرير ما تقوم به إسرائيل إذا كان يتناقض مع القيم التي عملت الإمارات على نشرها خلال السنوات الأخيرة ومن بينها التسامح والحوار بين الأديان والمذاهب ومحاربة التطرف واستهداف المدنيين، فهل يمكن أن تقبل الإمارات ما يتناقض مع قيمها؟ هذا أمر غير ممكن.

ولا يقف الخلاف فقط حول موضوع غزة وحماية المدنيين. وما أثار غضب الإماراتيين قبل أيام هو إطلاق أيدي المستوطنين في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وخاصة دخولهم باحات المسجد الأقصى، وهو موضوع لا يحتمل مجادلة أو مجاملة لأنه يتعلق بالمس من مشاعر الإماراتيين وقيادتهم ومشاعر الملايين من المسلمين، ولا يمكن السكوت عنه.

وذكرت وكالة أنباء الإمارات الأربعاء أن أبوظبي استدعت السفير الإسرائيلي لديها “وأبلغته إدانة دولة الإمارات الشديدة للانتهاكات والممارسات المشينة والمسيئة ضد الأشقاء الفلسطينيين التي شهدتها باحات المسجد الأقصى والحي الإسلامي في المدينة القديمة”.

وقال نتنياهو في مقابلة إن “الإمارات والسعودية ودولا أخرى من الممكن أن تساعد حكومة مدنية مع سكان قطاع غزة بعد الحرب”.

وأكّدت وزارة الخارجية الإماراتية أن “هذه الممارسات التعسفية، تعد استفزازا وتحريضا خطيرا تجاه المسلمين، وانتهاكا صارخا لحرمة المدينة المقدسة”.

وقالت “الاعتداءات المتكررة من قبل المتطرفين الإسرائيليين وما يترافق معها من تحريض على الكراهية والعنف، تشكل حملة متطرفة ممنهجة لا تستهدف الشعب الفلسطيني
الشقيق فحسب، بل المجتمع الدولي بأسره”.

وكانت الإمارات قد استنكرت في مايو 2024 تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أن قال إن أبوظبي من الممكن أن تشارك في مساعدة حكومة مستقبلية في قطاع غزة بعد الحرب، في موقف يؤكد أن الإمارات لن تقبل بأيّ شكل من الأشكال أن توفّر غطاء للاحتلال أو الجريمة التي تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين.

وانتقد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بشدة نتنياهو في منشور على موقع إكس، وقال إن أبوظبي “ترفض الانجرار خلف أيّ مخطط يرمي إلى توفير الغطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة”.

◄ الخلاف مع حماس وانتقادها لا يعني تبرير ما تقوم به إسرائيل إذا كان يتناقض مع القيم التي عملت الإمارات على نشرها مثل التسامح

ويعتقد مراقبون أن تمسّك الإمارات بتوجيه انتقادات لإسرائيل مع كل تجاوز تقوم به للقانون الدولي، هو موقف مبدئي يمثل جزءا من مقاربتها للسلام، ويقوم على تجنيب المدنيين ويلات الحرب والتفجير ومنعهم من الوصول إلى الغذاء والدواء وتشريدهم سواء صدر ذلك من إسرائيل أو من حماس أو من أيّ جهة أخرى، وهذا ما يفسّر بشكل واضح انحياز أبوظبي للمبدأ وعدم سكوتها على هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي نفّذته حماس على مناطق غلاف غزة.

ومثلما أن انتقاد إسرائيل يتعلق بمبدأ رغم وجود توقيع أبوظبي وتل أبيب على الاتفاقية الإبراهيمية، فإن انتقاد هجوم حماس يتعلق بدوره بالمبدأ والمقاربة الإماراتية التي ترفض استهداف المدنيين أو أسرهم وإخفاءهم وتعريض حياتهم للخطر حتى لو صدر ذلك من طرف ضعيف ومحدود القدرات في مواجهة قدرات عسكرية كبيرة مثلما هو الحال في معادلة الصراع بين حماس وإسرائيل.

واستنادا إلى هذه المقاربة لن تقبل الإمارات بأن يتم توظيف الاتفاق الإبراهيمي في تحقيق أهداف مناقضة له، ومنها تحصيل غطاء إقليمي لحرب تجاوزت الخطوط الحمراء من خلال استهداف المدنيين وخلق مأساة إنسانية كبرى. كما أنها لن تقبل بالمشاركة في إضفاء الشرعية على هذه الحرب، أو السكوت عن استهداف المدنيين بالقتل أو تشريدهم من منازلهم أو افتكاك أراضيهم أو تدنيس الأقصى دون مراعاة لحرمته الدينية ومراعاة مشاعر الملايين من المسلمين.

ويحسب للإمارات أنها تنظر إلى الموضوع الفلسطيني من زاوية خاصة بها تفرّق فيها بين الفلسطينيين وبين الطبقة السياسية التي تحكم في غزة أو الضفة، وهي طبقة غارقة في حسابات داخلية وصراعات ولا تقدر على أن تفهم دقة الوضع الدولي وفرص تحصيل مكاسب للشعب الفلسطيني.

في غزة تهرب حماس إلى الأمام ولا تفكر سوى في مكاسبها كحركة وتنفيذ أجندات خارجية بعضها مربوط بإيران والبعض الآخر يتنزل ضمن مقاربة جماعة الإخوان المسلمين، التي تسعى لتسجيل حضورها ولو بالتضحية بالآلاف من المدنيين.

◄ إسرائيل لم تفهم أن الإمارات حين قبلت بالاتفاق الإبراهيمي كان هدفها المساعدة على بناء السلام وليس الدفاع عن التجاوزات

وفي الضفة الغربية، تعيش السلطة الفلسطينية على وقع الصراعات الصغيرة والتي تعنى بتفاصيل إدارة الحكم وغرقت فيها لتجد نفسها عاجزة عن مواجهة التحديات خاصة بعد أن دفعت قيادات مهمة إلى مغادرة السلطة وحركة فتح فأضعفتهما سواء في مواجهة الفصائل الإسلامية أو في مواجهة دورها في عملية السلام، ما أعطى إسرائيل المبرر لتهميشها وتحييدها، ودفع الإقليم إلى البحث عن إصلاحها وتعزيز قدراتها.

وتضع الإمارات وراءها الحملات التي تتعرض لها بسبب علاقة السلام التي تربطها بإسرائيل وتجعل أولويتها الرئيسية في النزاع دعم المدنيين الفلسطينيين سواء بشكل مباشر أو عبر المنظمات الدولية المتخصّصة التي تجد في الدعم الإماراتي عونا لها على مواجهة تعقيدات الحرب. ويتم ذلك على أعلى مستوى وبمتابعة شخصية من رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وقدّمت الإمارات مرات عدة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، كما أجلت مرضى من القطاع لتلقّي العلاج في الإمارات.

وأعلنت وزارة الخارجية الإماراتية في فبراير 2024 تخصيص 5 ملايين دولار لدعم جهود سيغريد كاغ كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة.

وفي مايو المنقضي، توصّلت الإمارات إلى اتفاق مهم مع إسرائيل بشأن “بدء إدخال مساعدات إنسانية عاجلة” إلى قطاع غزة المحاصر، بحسب بيان نشرته وكالة أنباء الإمارات (وام).

ولم يكن هذا الاتفاق مجرد عمل إنساني عابر، بل هو ترجمة حقيقية لقوة الدبلوماسية الإماراتية وعملها لصالح الفلسطينيين من بوابة السلام.

ونقل البيان أن الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد ونظيره الإسرائيلي جدعون ساعر “أفضى إلى الاتفاق على بدء إدخال مساعدات إنسانية عاجلة من دولة الإمارات، تهدف لتلبية الاحتياجات الغذائية لنحو 15 ألف مدني في قطاع غزة كمرحلة أولى“.

6