الإمارات تحتفي باليوبيل الذهبي متطلعة إلى المزيد من النفوذ

تحتفي الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر بالذكرى الخمسين لتأسيسها مفتخرة بكل الإنجازات التي حققتها في العقود الماضية، لكنها لا تقف عند أمجاد الماضي القريب وإنما تبني عليها متطلعة إلى المزيد من النفوذ والريادة في شتّى المجالات.
أبوظبي - تحيي الإمارات العربية المتحدة غدا الخميس العيد الخمسين الأول من عمر الاتحاد، حيث حققت خلال نصف قرن إنجازات محلية ودولية نقلتها من صحراء قاحلة إلى بلد ثري وقوي، وتجاوزت طموحاتُ حكامها الحاليين الآباء المؤسسين لتؤثر في الساحة العالمية، وتنطلق نحو الفضاء، مما جعلها محطّ الأنظار.
وبفضل ثروتها النفطية الضخمة وقيادتها الحكيمة أصبحت الدولة الخليجية ذات البدايات المتواضعة مع خيم ومنازل صغيرة مبنية من طين، واحدة من أكثر الدول نفوذاً في منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الأخير.
ويتذكر المهندس المدني المصري إيهاب فؤاد -وهو المتقاعد البالغ من العمر 64 عاما- بوضوح الثاني من ديسمبر من عام 1971 عندما رفع صورة المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورأى للمرة الأولى علم الدولة المولودة حديثا.
كان فؤاد مراهقا عندما شارك في أول احتفال بمناسبة تأسيس الإمارات العربية المتحدة، ويروي من منزله في دبي حيث يقيم مع زوجته وابنته “أول مرة صرخت فيها: تحيا الإمارات العربية المتحدة، أمام المدرسة أثناء التجمع الصباحي شعرت وكأن الجميع على وشك البكاء”.
ويتابع “بعد خمسين عاما أشعر بأنني مميز حقا. لقد كانت رحلة جميلة بالنسبة إليّ في الإمارات، ورحلة رائعة لهذا البلد؛ فبعد أن كان بعض الناس هنا يبنون منازلهم من سعف النخيل، ثم تحولوا إلى الطين، أصبحت كل هذه المنازل اليوم فيلات وأبراجا”.
نظام فعّال
بعدما كان عدد سكانها قبل خمسة عقود في حدود ثلاث مئة ألف فقط، صار يعيش في الإمارات حاليا نحو عشرة ملايين شخص، 90 في المئة منهم أجانب.
وتعتبر الإمارات نقطة جذب مهمة للمستثمرين والشركات الكبرى. ومن أكبر نجاحاتها إمارة دبي الثرية التي تحوّلت من قرية معروفة بصيد اللؤلؤ إلى محطة استقطاب مالية وسياحية وإعلامية مهمة في غضون عقود قليلة، حتى باتت مركزا لمقرات شركات كبرى يزورها الملايين من الأشخاص سنويا.
وتعدّ هذه الدولة الخليجية الغنية والمتقدمة وجهة مفضّلة للكثيرين، وخصوصا الشباب العرب الباحثين عن فرص عمل غير متوافرة في بلدانهم وعن حياة أفضل.
وتقول إلهام فخرو من معهد “مجموعة الأزمات الدولية” إن “مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان يؤمن بشدة بالقومية العربية وعمل على توحيد الإمارات السبع في اتحاد واحد”.
وترى فخرو أن الإمارات تعدّ اليوم النظام الفيدرالي الوحيد الفعّال في العالم العربي.
ومنذ السبعينات شهد الاتحاد الإماراتي نموا سريعا مدفوعًا بثروته من النفط والغاز، علما أن الإمارات حاليا من بين أكبر منتجي النفط الخام على مستوى العالم.
واستثمرت الإمارات بشكل كبير في النهوض وتطوير اقتصادها الذي يحتلّ المرتبة الثانية خلف المملكة العربية السعودية عربيا، إلا أنّها سعت أيضا للحصول على نفوذ سياسي إقليمي، في مرحلة فقدت فيها قوى إقليمية تقليدية مثل مصر والعراق وسوريا هذا الدور لصالح دول الخليج الغنية.
ولم ترهن الدولة اقتصادها بالعائدات النفطية بل عملت على إرساء أساس متين لبناء اقتصاد متنوع ومستدام، وخير دليل على ذلك نمو مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي من 43 في المئة عام 1975 إلى حدود 83 في المئة العام الماضي.
وأسّست الإمارات في السنوات العشر الماضية سياسة خارجية تنافسية جعلتها تنخرط في صراعات، مثلما يحصل في اليمن المجاور، أو تلعب دور الوسيط في نزاعات شرق أوسطية وحتى أفريقية.
وتقول فخرو المتخصصة في شؤون الخليج “كانت الإمارات العربية المتحدة قلقة بشأن هشاشة وضعها إذ تحيط بها في المنطقة دول أكبر وأكثر قوة”، وكانت سياستها بعد التأسيس “محايدة نسبيا، لكن منذ الربيع العربي تبنّت سياسة خارجية أكثر نشاطا تهدف إلى إعادة تشكيل الأحداث في المنطقة لصالحها”.
وأقدمت الإمارات العام الماضي على خطوة مفاجئة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وخلال عام طوّر البلدان تبادلهما لاسيما على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي. كما تعتبر الإمارات من أشد الدول المعارضة لتيارات الإسلام السياسي.
وفي كلمة أمام مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي الشهر الماضي سلّط أنور قرقاش، أحد أبرز وجوه الدبلوماسية الإماراتية في العقد الأخير، الضوء على الدور الدبلوماسي الذي تحاول الدولة حديثة النشأة تنميته.
وقال قرقاش وهو مستشار للرئيس الإماراتي ووزير دولة سابق للشؤون الخارجية “لقد رأينا العديد من الفراغات على مدى العقد الماضي. ونتيجة لذلك كانت هناك منافسة على ملء هذه الفراغات سواء من القوى الإقليمية أو من الجهات الفاعلة غير الحكومية».
وأضاف “لا يمكننا في الإمارات أن نقف مكتوفي الأيدي، فبصفتنا جهة فاعلة إقليمية ودولية، نُدرك أنّنا بحاجة إلى تحمل المزيد من المسؤولية حيال تحديد مستقبل منطقتنا”.
خطط طموحة
تكشف البيانات والأرقام الإحصائية مدى التطور المسجل في أبرز القطاعات خلال خمسين عامًا من عمر الإمارات، وخاصة في ما يتعلق بالقطاعات الحيوية وبحقوق المرأة وكذلك مجال الأمن الغذائي والمائي -الذي أصبح يشكل هاجسا عالميا في ظلّ تغيرات المناخ غير المسبوقة- وأيضا مجال الفضاء.
ففي ما يتعلق بالمرأة عززت المرأة الإماراتية خلال الخمسين سنة الماضية حضورها في كافة المجالات والذي أصبح مساويا لحضور الرجل، بل إن الكفة صارت تميل إلى صالحها في العديد من المؤشرات.
وتشكل النساء نسبة 50 في المئة من عضوية المجلس الوطني الاتحادي في الدولة، فيما تمثل الإناث نسبة 60 في المئة من أعضاء مجلس الإمارات للشباب والمجالس المحلية للشباب ونسبة 24 في المئة من أعضاء مجالس الإدارات في الجهات الاتحادية والمحلية.
وتدعم الدولة سياسة المساواة بين الإناث والذكور في التعليم وفي التشغيل وتقلد المناصب الرفيعة، كما أنها راهنت على تطوير قطاع التشغيل حيث شهد نموا بنسبة 2883 في المئة خلال خمسة عقود.
وبالرغم من جائحة كورونا، التي أضرت باقتصادات أغلب دول العالم وفرت دولة الإمارات 100 ألف وظيفة جديدة في قطاع تجارة التجزئة العام الماضي، كما وفرت 148 ألف وظيفة جديدة في قطاعات الأنشطة المالية والتقنية والاتصالات في العام ذاته.
وكانت الإمارات رائدة عربيا وإقليميا في “غزو الفضاء” ومجاراة السباق العالمي نحو المجموعة الشمسية، حيث أطلقت في يوليو الماضي “مسبار الأمل”، وهو أول مسبار عربي إلى كوكب المريخ، بينما تخطط لمشروع “المريخ 2117” الذي يستهدف بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر خلال 100 عام.
ومدفوعة باهتمامها بصناعة الفضاء، التي توفر إمكانات اقتصادية وعلمية كبيرة، أسست الحكومة وكالة الإمارات للفضاء عام 2014، بهدف تسريع عملية نمو قطاع الفضاء. ويعد قطاع الصناعات الفضائية في الإمارات الأكبر على مستوى المنطقة، من حيث الاستثمارات وحجم المشاريع.
وتعول الإمارات أيضا منذ سنوات على الاستفادة من التقدم التكنولوجي والابتكار بما يدعم الاقتصاد المحلي ويخدم خطط الدولة في تلبية متطلبات الثورة الصناعية الرابعة. ومنذ العام الماضي أطلقت الدولة خطة تحفيز جديدة للاقتصاد وفق مقاربة تعتمد على العلوم والتكنولوجيا والابتكار والصناعة والذكاء الاصطناعي.
وتسير الإمارات تحت قيادة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ضمن نهج محدد وواضح المعالم، حيث رسمت ملامح الخمسين سنة القادمة ضمن “وثيقة مبادئ الخمسين” التي أرست أسس استراتيجية الدولة للعقود المقبلة.
والهدف الأساسي من هذه الوثيقة الطموحة هو رسم الملامح المستقبلية للاقتصاد الإماراتي وتوسيع طاقته الاستيعابية وتعزيز قوته التنافسية وبناء اقتصاد العلم والابتكار والمعرفة متجدد النمو والاستدامة بما يعزز قوة الإمارات وحضورها الإقليمي والدولي.
وبصرف النظر عن نسبة إنجاز هذه الرؤية المستقبلية الإماراتية ونجاحها، تبقى خطط الإمارات طموحة لكنها واقعية أيضا وترسم ملامح مجتمع الغد، فمَنْ نجح في تحويل الصحراء إلى بلد رائد ضمن محيطه قادر على تحقيق المزيد.