الإفلات من المحاسبة ثقافة باتت راسخة في العراق

الحريق في بلدة قرقوش ليس الأول... الفساد يغتال العدالة.
الجمعة 2023/09/29
غضب وألم في قرقوش

قرقوش (العراق) - رغم فتح تحقيق والدعوات لمحاسبة المسؤولين عن حريق قرقوش الذي أدى إلى هلاك أكثر من مئة شخص على الأقل وإصابة 150 أخرين بجروح، يشكك مراقبون في أن تطال أيادي العدالة المسؤولين في بلد باتت ثقافة الإفلات من العقاب راسخة فيه.

ويستدل المراقبون على قولهم بحادثتين سابقتين فتحت فيهما أيضا تحقيقات ولم يحاسب أحد من المسؤولين وغيرها كثير.

ففي أبريل 2021، قضى أكثر من 80 شخصاً جراء حريق في مستشفى لمرضى كوفيد في بغداد نجم عن انفجار أسطوانات أكسجين.

وبعد ذلك ببضعة أشهر، في يوليو من العام نفسه، لقي 64 شخصاً حتفهم جرّاء حريق في مستشفى بالناصرية في جنوب العراق اندلع في جناح لمرضى كوفيد أيضا.

ويرجع محللون تكريس ثقافة الغفلات من المحاسبة في العراق إلى الفساد المستشري في الإدارات و الولاءات والمحاصصة السياسية التي تلعب دورا مهما في ذلك.

ويقول المحللون إنه حتى في صورة التوصل إلى الجناة والكشف عنهم فإن محاسبتهم قضائيا تظل غير مضمونة نتيجة التدخلات السياسية وغيرها من الممارسات كالرشاوي والاستنسابية.

والإفلات من العقاب في العراق لا يقتصر فقط على مثل هذه الحوادث أي الانفجارات والحرائق بل يتعدى إلى أخطر من ذلك وهي الجريمة المنظمة والاغتيالات السياسية والاقتتال الطائفي.

الإفلات من العقاب لا يقتصر على الانفجارات والحرائق بل يتعدى إلى الجريمة المنظمة والاغتيالات السياسية

ووسط مشاعر من الغضب والألم، شارك عشرات الأشخاص الخميس بقدّاس في قرقوش للصلاة على أرواح ضحايا حريق اندلع بقاعة للأعراس في البلدة الواقعة في شمال العراق وتقول السلطات إنه نجم عن “ألعاب نارية” ومواد بناء سريعة الاشتعال.

وقتل مئة شخص على الأقل وأصيب 150 آخرون بجروح وفق حصيلة غير نهائية نشرتها السلطات جراء الحريق الذي اندلع ليل الثلاثاء في قاعة الأعراس في قرقوش. وكان في القاعة التي لم تكن مستوفية لشروط السلامة نحو 900 مدعوّ لحظة وقوع الحريق، وفق وزارة الداخلية.

ووجه السوداني، الخميس، بإنزال أقصى العقوبات بحق المقصرين والمهملين في حريق قضاء الحمدانية شمالي محافظة نينوى.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء أن “رئيس مجلس الوزراء تابع ميدانياً، تقديم العلاج للمصابين في حادثة حريق قضاء الحمدانية، وزار الراقدين منهم في المستشفى الجمهوري ومستشفى الحمدانية، يرافقه وزراء الداخلية والصحة والثقافة والهجرة”.

واطّلع السوداني “على أوضاع المصابين واستمع إلى ذوي الضحايا وقدّم تعازيه ومواساته لهم”، موجهاً “بتوفير جميع مستلزمات العلاج دون تلكؤ، ونقل الحالات الحرجة على الفور إلى خارج العراق للتشافي”.

وأضاف أن “رئيس مجلس الوزراء عقد اجتماعاً أكد فيه توجيهاته بمواصلة تفتيش المباني العامة وقاعات المناسبات والمطاعم والفنادق، وفحص شروط السلامة العامة والاحتياطات وإجراءات الوقاية من الحرائق والحوادث المحتملة”.

Thumbnail

وفي كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك في قرقوش صباح الخميس، جلست نساء متشحات بالسواد على المقاعد الخشبية وبدا الحزن والألم على وجوههن. وعلى مقعد آخر عانقت امرأة رجلاً جالساً إلى جانبها لم يتمكّن من كبت دموعه.

ومن بين المشاركين أيضاً بعض الناجين منهم من ضمّدت يده المحروقة. ووضعت صور الضحايا من أطفال ورجال ونساء حول مذبح الكنيسة.

وارتجف صوت نجيبة يوحنا البالغة 55 عاماً فيما عدّدت أسماء أقربائها الذين فقدتهم في الحريق. وتقول المرأة “شعور لا يمكن وصفه، لا أعرف ماذا أقول، شعور قاسٍ جداً وألم حزين بقلوبنا، هذه فاجعة لن تنسى أبداً”.

وبعد ظهر الأربعاء، تجمّع المئات في مقبرة البلدة لدفن ضحايا الكارثة، فيما يتوقّع أن تلي ذلك مراسم دفن أخرى في الأيام المقبلة.

وبحسب شهود عيان تحدّثت إليهم فرانس برس، فإنّ الحريق أتى على قاعة الزفاف بسرعة قياسية.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت وسائل إعلام عراقية مقاطع فيديو صوّرها بعض الحاضرين قبيل اندلاع الحريق، تظهر أجهزة ألعاب نارية وهي تطلق الشرارات التي لامست سقف القاعة وأشعلته.

وبالإضافة إلى النقص في عدد مخارج الطوارئ، قال الدفاع المدني العراقي إن “معلومات أولية” تشير إلى أن سبب الحريق هو “استخدام الألعاب النارية أثناء حفل الزفاف” ممّا أدّى إلى “اشتعال النيران داخل القاعة بادئ الأمر”، فضلاً عن استخدام مواد بناء “سريعة الاشتعال” و”مخالفة لتعليمات السلامة” المنصوص عليها قانوناً، ما أسهم في زيادة شدّة الحريق.

Thumbnail

وأوقفت القوات الأمنية العراقية 14 شخصاً “بينهم 10 عمال وصاحب القاعة و3 متورطين بإشعال الألعاب النارية خلال الحادث”، وفق وزارة الداخلية.

وزار البابا فرنسيس كنيسة الطاهرة في قرقوش في مارس 2021 خلال جولته التاريخية في العراق.

ومثل العديد من القرى والبلدات المسيحية في سهل نينوى، لحق دمار كبير بهذه البلدة على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية في 2014.

وغادر هذه البلدة غالبية أبنائها عندما وقعت في قبضة التنظيم المتطرف، لكنّ 26 ألف مسيحي عادوا إليها مذّاك وأعيد إعمارها تدريجياً.

ويقول رياض حنا البالغ من العمر 53 عاماً، الذي فقد زوجة أخيه وابنتها الصغيرة البالغة من العمر ستّ سنوات إن بلدته قرقوش “عانت كثيراً، وألمّت بنا العديد من المصائب خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية، تهجرنا، والآن حصلت هذه الفاجعة”.

وأضاف الرجل أن “من أعطى موافقة للقاعة هو من يتحمل المسؤولية. المفروض أن يطلب منه تأمين شروط السلامة”.

Thumbnail

وتابع الرجل بالقول إن هذه المأساة أعادت إلى ذهنه “فاجعة عبّارة الموصل” التي غرقت في العام 2019 وقضى فيها نحو 100 شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال.

ويرد منتقدون لسياسات الحكومة وقوع الحوادث إلى الفساد المستشري في دوائر الحكم العراقية منذ سنوات، والذي لم تفلح حكومات متعاقبة في السيطرة عليه.

ويرى هؤلاء أن عدم وجود رقابة حكومية على عقود البناء، وتطبيق قواعد الأمن والسلامة، هو الذي يؤدي إلى تكرار تلك الحوادث، بينما يتحدث آخرون عن سلوكيات غير منضبطة للناس تتسبب في تلك الكوارث.

وخلال معظم المناسبات السابقة التي شهدت كوارث من هذا القبيل تحدث مهندسون عراقيون مختصون عن تهالك في البنية التحتية العراقية التي تعود في معظمها على الأقل إلى نصف قرن وأكثر، ويعتبر هؤلاء أن البنية التحتية العراقية لا تخضع للصيانة الكافية، وأن المباني العامة التي تبنى لا يتم الالتزام فيها بمعايير السلامة والأمان.

وخلال حريقي المستشفيين السابقين، تحدث مهندسون مختصون عن أن معظم المستشفيات لا توجد بها أجهزة إنذار من الحريق، كما أن تمديدات الكهرباء والماء والصرف الصحي بداخلها مهترئة وهي التي تتسبب في مثل تلك الكوارث، إضافة إلى استخدام مواد سريعة الاشتعال في عمليات البناء.

6