الإفطار الجماعي في سوريا.. المحتاجون أكثر من الوجبات

الأزمة الاقتصادية تحد من نشاط الجمعيات الخيرية والمبادرات الإنسانية.
الخميس 2022/04/21
هل تكفي الوجبة كل هؤلاء

كان رمضان رحمة للمحتاجين لتوفر المساعدات وموائد الإفطار التي تقدم وجبات وسلالا غذائية طيلة الشهر، إلا أن الأزمة الاقتصادية في سوريا وغلاء الأسعار اليوم يعرقلان نشاط الجمعيات الخيرية والمبادرات الإنسانية التي كانت تجد الدعم من التجار لتواصل مساعدتها للمحتاجين الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم.

دمشق ـ إلى وقت ليس ببعيد كان السوريون يحتفون كثيرا بشهر رمضان، ويتفننون بإعداد الأطعمة والأكلات الشعبية والتقليدية التي تطبخ في شهر الصيام، وكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية التي تطلق، تتنافس لتقديم كل ما هو جيد ومناسب للأسر المحتاجة من طعام وشراب، وكانت الطقوس الرمضانية حاضرة في عموم المناطق السورية.

ولكن اليوم، بعد سنوات الحرب، وتضييق الخناق على حياة السوريين بسبب العقوبات الاقتصادية، يبدو أن المشهد قد تبدل كثيرا، وانقلب الحال، وبات صعبا على غالبية الناس تأمين الطعام المتنوع، وأصبحت الموائد تقتصر على صنف واحد أو أكثر في أحسن الأحوال.

وهذه الظروف الاقتصادية الصعبة امتدت لتشمل مختلف الشرائح الاجتماعية، وتطال عمل الجمعيات الخيرية، والمبادرات الأهلية التي كانت تتسابق لتقديم المساعدات الإنسانية للأسر المحتاجة، لتصبح تعاني حاليا من شح في تأمين المواد الغذائية، بالإضافة إلى اتساع شريحة الفقراء بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية لغالبية الناس، وغلاء أسعار السلع التموينية، وصعوبة تأمين الغاز المنزلي لطهي الطعام للأسر التي كانت تعول كثيرا على أهل الخير والجمعيات الخيرية.

وقدر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 في المئة من إجمالي عدد سكان البلاد.

وروى سائد عبدالغني، وهو مسؤول في مبادرة "كنا وسنبقى التطوعي"، تقلب الأحوال التي مرت على مبادرتهم التي انطلقت في عام 2014، وكيف أصبحت هذا العام تعاني من صعوبة في تأمين المواد الغذائية، مشيرا إلى أن غلاء الأسعار أثر كثيرا على عمل الجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية.

وقال عبدالغني لوكالة أنباء (شينخوا) "أسسنا هذه المبادرة عام 2014 وكانت تحت شعار (رد الوفاء بالوفاء)، وبعدها بعام أطلقنا مبادرة (كسرة خبز)، واستمررنا بها حتى اليوم"، مضيفا "في بداية العمل كنا نعمل على تقديم الطعام المطبوخ، وكنا نقدم ما بين 10 إلى 20 ألف وجبة باليوم"، مبينا أنه خلال انتشار جائحة كورونا عام 2020 تم الانتقال من نظام الوجبات المطبوخة أو الجاهزة إلى نظام الوجبات النيئة المتضمنة لحما ورزا وزيتا وخضارا وكان ذلك أفضل للمستفيدين، بحيث يمكن تقسيم الحصة إلى عدة أيام وأكلات.

وجبة فقيرة
وجبة فقيرة 

وأعرب عبدالغني عن أسفه لتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وانعكاس ذلك على الناس، وخاصة في السنتين الأخيرتين، مشيرا إلى أن غلاء الأسعار أفقد العمل الإنساني والإغاثي زخمه.

وقال "مع الأسف الأزمة الاقتصادية أثرت على عملنا.. فالسلة الغذائية التي كانت تكلفنا 12 ألف ليرة سورية (الدولار الواحد يساوي أكثر من 2800 ليرة سورية، بحسب سعر صرف البنك المركزي السوري الرسمي)، سابقا اليوم تكلفنا 35 ألفا"، مضيفا "هناك ندرة في تأمين المواد الغذائية التي تستخدم في توزيع السلال الغذائية، واتساع شريحة الناس المحتاجة".

وأكد أن التجار الذين كانوا يقدمون المساعدات من مواد غذائية وغيرها للجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية خلال شهر رمضان، أكدوا وجود صعوبة في تأمين المواد الغذائية، وغلاء أسعارها، وخصوصا الزيت النباتي.

التجار الذين كانوا يقدمون المساعدات للجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية خلال رمضان يواجهون صعوبة في تأمين المواد الغذائية

وأضاف أن الحاجة صارت أكثر من ذي قبل، والناس الذين في حاجة إلى وجبات أصبحوا أكثر من الأوقات السابقة، وبنفس الوقت الأسعار صارت أغلى، وبالتالي هذا الشيء انعكس على خفض عدد السلال التي كانت تقدم للناس بسبب الغلاء وقلة المواد التي تحصل عليها الجمعيات الخيرية.

وقال إن “الوضع الاقتصادي أثر على كل الناس حتى التجار الذين كانوا يدعمون إما بمبالغ مالية جيدة، أو من خلال مواد غذائية وخضار ودجاج اليوم عندما نتكلم معهم يقولون إن الوضع صعب للغاية”.

وتابع يقول “كلما اشتدت الضائقة الاقتصادية، كلما زادت حاجة الناس”، معربا عن أمله في أن يتعافى البلد، وأن يقل عدد المحتاجين، مؤكدا أنه لا يتفاخر بتقديم عدد كبير من الوجبات للناس، ويتمنى أن تقلل هذه الأرقام وأن تتلاشى وأن يكون دورهم كجمعيات يتمثل في الدور التنموي أكثر مما هو إغاثي.

وأكد الشاب نجيب حاج بكري المسؤول في مبادرة “مطبخ أهل الخير” أن الوضع الاقتصادي السيء والعقوبات الأميركية والغربية التي فرضت على سوريا لعبا دورا سلبيا في تحجيم دور الجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية التي كانت بمثابة جسر بين أهل الخير والأسر المحتاجة.

وقال حاج بكري، وهو رئيس مجلس أمناء مؤسسة جيلنا، والذي يوزع الطعام للأسر المحتاجة في أحد أحياء العاصمة دمشق “اليوم الوضع الاقتصادي سيء في سوريا”، مؤكدا أن هذا الأمر ترك أثرا سلبيا على عمل الجمعيات الخيرية.

كان الخير كثيرا رغم الحرب
كان الخير كثيرا رغم الحرب

وأضاف “دورنا كمؤسسات مجتمعية وأهلية هو تعزيز دور التشاركية وتفعيل دور التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع”، لافتا إلى أن المبادرات الأهلية بمثابة الجسر بين الناس المحتاجة وأهل الخير.

وتابع يقول إن سنوات الحرب التي مرت على سوريا لعبت دورا سلبيا، بالإضافة إلى الحروب التي تنتشر في عدة أماكن بالعالم أثرت على الأمن الغذائي العالمي، مضيفا “نحن مثلما كنا متكاتفين ضد بندقية الإرهاب، فاليوم هناك حصار اقتصادي وعلينا أن نحاول تقديم ما بوسعنا كي نوفر الطعام للناس المحتاجة”، موضحا أن سوريا بحاجة إلى المحبة كي يسود السلام بين الناس.

وأشار إلى أن مطبخ أهل الخير يقدم حوالي 400 وجبة إفطار لـ400 أسرة محتاجة في دمشق وريفها، مؤكدا أن الطعام يقدم للأسر الأكثر احتياجا.

وأوضح حاج بكري أن مطابخ رمضان هي عادة قديمة متوارثة من الأجداد والآباء، مؤكدا أن الجيل الحالي يقوم بتعزيزها لتبقى حاضرة في المجتمع بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة.

وأكد أن الغلاء وصعوبة تأمين المواد الغذائية من أهم الصعوبات التي تواجه عمل مبادرته، وقال “هناك العديد من الصعوبات ومنها غلاء الأسعار وهذا شكل لنا فروقا كبيرة جدا، اليوم هناك تضخم وقلة السيولة بين أيدي الناس”، منوها أنه بالرغم من كل هذا لا يزال هناك أناس يحرصون على تقديم المساعدة ولو بشكل بسيط.

فرحة الحصول على الوجبة
فرحة الحصول على الوجبة 

18