الإفصاح عن التمييز بين الأبناء يحرج الآباء

يشعر الغالبية من الآباء والأمهات بالحرج عندما يوجه إليهم أحد الأقرباء أو الأصدقاء سؤالا حول الابن المفضل لديهم، وقد لا يتردد البعض في إبداء رأيه دون حرج ويعبّر عن تفضيله لأحد أبنائه متجاهلا وقع هذه المشاعر على بقية الأبناء، وما يمكن أن تتسبب فيه من آثار سلبية عليهم وعلى علاقتهم بأشقائهم.
لندن - تفتقد غالبية الأسر إلى تحقيق التوازن العاطفي بين كافة الأبناء، حيث توصلت دراسة بريطانية حديثة إلى أن أحد الأبوين من بين كل عشرة، لديه طفل مفضل، ويعتقد الخبراء أن العدد الفعلي أكبر من ذلك بكثير، لأن أغلب الآباء والأمهات يشعرون بالحرج من القول إن لديهم طفلا مفضلا عن بقية أشقائه.
وكشفت نتائج الدراسة أنه من المرجح أن يكون الطفل الأصغر هو المفضل، حيث قال 53 في المئة من الآباء أنهم يفضلون هذا الطفل، ثم جاء الابن الأكبر في المرتبة الثانية حيث عبر ربع المشاركين في الدراسة عن تفضيلهم له، وحاز الطفل الأوسط على المرتبة الثالثة بنسبة 18 في المئة.
وأكدت الدراسة التي أنجزتها صحيفة “التايمز” مع الشركة العالمية لأبحاث السوق “يوغوف” التي تأسست في المملكة المتحدة، وشملت أكثر من 3 آلاف من الآباء والأمهات، أنه من المرجح أن تكون الفتيات أكثر تفضيلا من الأبناء، حيث قال 51 في المئة من الآباء إنهم يفضلون بناتهم مقارنة بـ46 في المئة يفضلون الذكور من الأبناء.
وشمل استطلاع لـ”يوغوف” أكثر من 6 آلاف شخص على الإنترنت طرح عليهم سؤال حول ما إذا كان الآباء والأمهات لديهم طفل مفضل، وقال ثلث المستطلعين إنهم يعتقدون أن والديهم لديهم طفل مفضل.
وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عما إذا كانت التفرقة قد تسببت في أضرار دائمة للعلاقات الأسرية، قال 35 في المئة إنها تسبب الضرر، في حين أن 56 في المئة قالوا إنها لم تفعل ذلك، وبينت النتائج أن التفرقة أكثر شيوعا مما يعترف به الناس، وأنها قد تعكس الاختلافات الطبيعية في مزاجات الآباء والأمهات.
وقالت الدكتورة فيونا ماك كالوم، أستاذة مساعدة في علم النفس بجامعة وارويك، لصحيفة “التايمز”، “هناك دليل على أن المعاملة التفضيلية من قبل الوالدين يمكن أن يكون لها تأثير على تعديل سلوك الأطفال”.
المعاملة التفضيلية بين الأبناء من قبل الوالدين يمكن أن يكون لها تأثير على تعديل سلوك الأطفال
وأضافت “لكن ليس لها سوى تأثير بسيط جدا على المستوى العام لمشاعر الأبوة والأمومة، والأهم من
التفرقة بين الأشقاء هو المستوى العام لهذه المشاعر، لذلك لا أعتقد أن الآباء يشعرون بالذنب إذا كان لديهم طفل مفضل”.
وأكد خبراء العلاقات الأسرية أن التكوين النفسي المتوازن للآباء يمكنهم من معاملة الأبناء على قدم المساواة دون تمييز أو تحيز لأحد منهم على حساب البقية، وذلك نظرا لوعيهم بمدى خطورة مشاعرهم المتحيزة على الصحة النفسية للأبناء والتي قد تكون لها آثار مدمرة على المدى البعيد، ولا تنحصر آثار هذا التميّز على الطفل الذي يتعرض للإهمال بل يشمل الطفل المفضل الذي يستغل مكانته المميزة في العائلة استغلالا سلبيا يجعل علاقته ببقية أشقائه مبنية على شعوره بالتفوق عليهم وعلى العلوية مما يؤثر على سلوكياته داخل المنزل وعلى علاقاته الاجتماعية على المدى البعيد.
وقال المختصون إن التفرقة بين الأبناء تكتسي خطورة بالغة حيث يسعى بعض الأطفال الذين يتم إهمالهم من قبل الآباء أو الأمهات لجذب انتباههم بشتى الطرق وهو أمر طبيعي، وقد يصل الأمر إلى إيذاء النفس ومحاولة الانتحار، منبهين إلى أن أسوأ شيء من الممكن أن يقوم به الوالدان هو التفرقة بين أبنائهم، وخاصة التفرقة في المعاملة بين الأبناء ذكورا وإناثا.
وتتسبب التفرقة بين الأبناء في الكثير من المشاكل العائلية كما أنها تحدث مشاكل نفسية للطرف الذي يرى أنه يتعرض إلى الظلم، وقد تكون التفرقة مادية وعاطفية حيث يجزي بعض الآباء الكثير من العطف والحنان على أحد الأبناء فقط مما يساهم في تنمية الشعور بالحرمان العاطفي لدى الطفل الذي يتعرض إلى التمييز وقد يعاني من اضطرابات سلوكية ونفسية تؤثر على حياته المستقبلية وعلى علاقته بأشقائه التي تصبح علاقة يسودها الكره والحقد.
وحذر المختصون من النتائج الوخيمة للتفرقة بين الأبناء على الآباء والأمهات حيث أنها قد تؤدي إلى عقوق الوالدين، وأشاروا إلى أن أغلب حالات العقوق سببها رواسب نفسية في مرحلة الطفولة من بينها التفرقة التي زرعت الكراهية في نفوس الأبناء.
ولفتوا إلى أن التمييز بين الأبناء يولّد الحقد والأنانية والكراهية في الأسرة، ويؤدي بهم إلى الانطواء وحب العزلة، مما يؤثر في حياتهم الاجتماعية سواء أكانوا في المدارس أم الجامعات أم في العمل، وينعكس ذلك على المجتمع، منبهين إلى أن المساواة بين الأبناء وعدم التفرقة بينهم يؤثران بشكل إيجابي على استقرار الأسرة وعلى المجتمع.