الإعدام لأربعة مدانين باغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد

تونس - حكم القضاء التونسي الأربعاء بالإعدام على أربعة مدانين في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد عام 2013، في أول حكم يصدر في هذه القضية التي أثارت صدمة في البلاد وتسببت بأزمة سياسية كبرى.
وأدين 23 شخصا في اغتيال المحامي البالغ 48 عاما داخل سيارته أمام منزله في السادس من فبراير 2016. وكان بلعيد من أشد منتقدي حركة النهضة الحاكمة في ذلك الحين في تونس.
وبعد 15 ساعة من المداولات و11 عاما من التحقيقات والإجراءات القضائية، حكمت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب في محكمة تونس الابتدائية أيضا على مدانَين بالسجن مدى الحياة، على ما أعلن مساعد وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية أيمن شطيبة عبر التلفزيون.
وبرر شطيبة طول المداولات بطبيعة القضية وحجمها.
كما صدرت أحكام بالسجن من سنتين إلى 120 سنة بحق مدانين آخرين، فيما تمت تبرئة خمسة أشخاص لا يزالون ملاحقين في قضايا أخرى.
ويصدر القضاء التونسي أحكاما بالإعدام ولا سيما في حق المتهمين بتنفيذ هجمات "ارهابية"، لكن تونس أوقفت تنفيذ هذه الأحكام منذ العام 1991.
وتبنى جهاديون مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية اغتيال شكري بلعيد، وكذلك اغتيال المعارض القومي محمد البراهمي (58 عاما) بعد ستة أشهر.
وأعلنت السلطات التونسية في فبراير 2014 مقتل كمال القضقاضي الذي يعتبر المنفذ الرئيسي لعملية اغتيال بلعيد، خلال عملية لمكافحة الإرهاب.
وكانت الدائرة الجنائية الخامسة المختصة بالنظر في القضايا الإرهابية قد باشرت بتاريخ السادس من فبراير الماضي، تزامنا مع إحياء الذكرى الـ11 لاغتيال الشهيد شكري بلعيد، استنطاق المتهمين وذلك دون حضور الصحافيين والإعلاميين الذين تمّ منعهم من مواكبة جلسات الاستنطاق، وهو ما أثار جدلا كبيرا، خاصة وأنه قد تمّ عقد أول جلسة للنظر في قضية اغتيال بلعيد في جلسة علنية في الثلاثين من يونيو 2015، إذ عقدت ببهو المحكمة الابتدائية بتونس وحضرها عدد هام من السياسيين وممثلين عن المجتمع المدني الوطني والدولي بالإضافة إلى التغطية الإعلامية الكبيرة.
وسبق أن طالبت هيئة الدفاع، بأن تكون جلسات الاستنطاق في إطار علني باعتبار أنها قضية تهم الرأي العام، مشددة على ضرورة أن تجري المحاكمة في كنف الشفافية للاطلاع على مجريات مثل هذه المحاكمات الكبرى المتعلقة بالاغتيالات السياسية.
وكان بلعيد، وهو سياسي يساري، من أشد المنتقدين لحزب النهضة الإسلامي، ويتهم الحزب بغض الطرف عن العنف الذي يرتكبه متطرفون ضد العلمانيين. وقُتل بالرصاص في سيارته على يد مسلحين.
وقد تصاعد حضور شكري بلعيد الإعلامي بعد الثورة التي اندلعت بديسمبر 2010، فانتقد بقوة الائتلاف الذي حكم تونس بعد انتخابات المجلس التأسيسي، ووجه نقده بالأساس لحركة النهضة متهما إياها بالفشل في قيادة المرحلة الانتقالية والرغبة في الهيمنة على المؤسسات والمشهد السياسي.
كما انتقدها لتساهلها مع المتشددين، واتهمها في آخر مداخلة تلفزيونية له يوم 5 فبراير 2013 على قناة "نسمة" بالتشريع للاغتيال السياسي.
وأثار اغتيال المعارضَين صدمة في تونس وشكل منعطفا في هذا البلد الذي انطلقت منه شرارة ثورات الربيع العربي، فأثار أزمة سياسية كبرى في وسط عملية انتقال ديمقراطي كان يشهدها، انتهت بخروج حركة النهضة من الحكم وتشكيل حكومة تكنوقراط أمنت وصول البلاد الى انتخابات في 2014.
وفي فبراير 2023، أعلنت وزارة العدل تشكيل لجنة خاصة مكلفة "متابعة ملف الاغتيال" والتدقيق في التحقيقات والملاحقات التي باشرتها الشرطة والقضاء بشأن الاغتيالين.
وفي يونيو 2022، أمر قيس سعيد الذي جعل من اغتيال "الشهيدين" قضية وطنية، بإقالة عشرات القضاة من بينهم قضاة يشتبه بحسبه بأنهم عرقلوا التحقيق.
واتهمت عائلات المعارضَين وهيئة الدفاع عنهما بانتظام خلال العقد الأخير أحزابا سياسية وقضاة بعرقلة البحث عن الحقيقة بهدف حماية المذنبين.
ووجه أفراد عائلة شكري بلعيد أصابع الاتهام إلى حركة النهضة واتهموها بأنها كانت على الأقل "متساهلة" مع خطاب الإسلاميين المتطرفين الذي انتشر في ذلك الوقت.
وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي والسياسي قامت حركة النهضة في 13 أغسطس بتصنيف تنظيم "أنصار الشريعة" الجهادي كمنظمة "إرهابية"، بعدما اتهمته السلطات باغتيال بلعيد والبراهمي، وبقتل عشرات من عناصر الجيش والشرطة.
واعتبرت حركة النهضة في بيان الأربعاء أن "ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية بكل تخصصاتها وما انتهت إليه الدوائر القضائية من تفاصيل تعد بشكل يقيني أدلة براءة لحركة النهضة".
وبعد ثورة 2011 التي أدت إلى سقوط الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، شهدت تونس تناميا لعدد الجماعات الجهادية مع مغادرة آلاف من عناصرها للقتال في سوريا والعراق وليبيا.
كما أدت الهجمات التي نفذتها هذه الجماعات في تونس إلى مقتل العشرات من السياح، ولا سيما في سوسة وتونس العاصمة عام 2015، ومن عناصر قوات الأمن.
وتؤكد السلطات التونسية أنها حققت تقدما كبيرا في الحرب ضد الجهاديين في السنوات الأخيرة.