الإعتراف بالجمال.. جمال

تباري الجميلات في إظهار جمالهن، والتباهي بأناقتهن في ساحات الحسن، معركة حامية الوطيس تحدث خفية وبلا اتفاق مسبق، كاشفة عن اعتزاز المرأة بجمالها وعدم تخليها عن أنوثتها مطلقا، باذلة من أجل ذلك الجهد والوقت والمال.
ولكن الكثير من النساء لا يرين هذا الجمال بل يعتبرنه قبحا أخفته المساحيق، أو جمالا مصطنعا قام به مشرط طبيب الجراحات التجميلية، لا تعترف امرأة بسهولة بجمال غيرها إلا إذا كانت متصالحة مع نفسها حد الاعتراف بأن هناك كثيرات يفقنها جمالا وأنوثة وتأنقا.
لنا زميلة صحافية لا يدور حوار حول جمال إحدى النساء إلا وسلطت جميع أسلحتها صوب الجميلة لتشويهها بكل ما أوتيت من قوة، تقول هذه نفخت شفاهها وتلك صبغت شعرها وأظافرها، وهذه نحتت خصرها لتبدو أكثر أنوثة وأصغر عمرا، وتلك جملت أنفها لتبدو مثل الفنانات، أو شفطت دهونها، زادت أو أنقصت حجم ثدييها وأردافها، صفت أسنانها وبردت زوائدها أو جلت لونها لتحصل على ابتسامة هوليوودية تشبه جميلات السينما العالمية، ناهيك عن نعتهن بمطصنعات الجمال.
لم تسلم من لسانها زميلة نعرفها حق اليقين، وندرك تماما أنها لم تقم بما تتفوه به، أو امرأة عادية قد لا نعرفها، وربما تكون المرة الأولى التي نراها فيها، ولا نعلم شيئا عن تاريخ جمالها، حتى نجمات الفن والشخصيات العامة لم يسلمن منها.
العجيب في أمرها افتقادها للجمال الطبيعي والمصطنع معا، فقوامها شديد الامتلاء وبدانة بعض أجزائها يفقدها الكثير من مواصفات الأنوثة، ونظاراتها الطبية السميكة تجعل عينيها تبدوان من خلفهما أشبه بثقب الإبرة، وصوتها الغليظ لا يطرب الآذان للاستمرار في الاستماع لحديثها، ورغما عن هذا لا ترى نفسها إنما تنكر جمال الأخريات. منذ فترة تزوج مطرب شاب بمطربة تكبره سنا ولديها أطفال من زيجة سابقة، فحدت زميلتنا شفرة لسانها لتقطيع سيرة المطربة التي لم تكن تهتم لجمالها في بداية مشوارها الفني غير عابئة بمظهرها العام، بيد أن صوتها الدافئ الرقراق الذي ينساب كجداول الماء العذب صنع شهرتها العريضة وجعلها أيقونة الغناء العاطفي، وهي التي يستخدم العشاق كلمات أغنياتها كرسائل غرام.
تجبر الجميع على الصمت القسري في حضرة صوتها الهادر. وحين وجهت الاهتمام الكافي للعناية بجمالها وأنوثتها وإظهارهما بالإطار الذهبي الراقي، اللائق بهما، أصبحت أكثر جمالا وتأنقا.
تلك المطربة التي رغم بشاعة تصريحاتها أحيانا وخروجها عن حدود اللياقة واللباقة، والمألوف لمن هم في مثل مستواها الفني، وقيمتها لدى الجماهير، إلا أنها تعد أحد أهم خيوط القوة الناعمة التي يشتدق بها البعض أحيانا، وتحجز لنفسها مقعدا دائما في الصفوف الأولى وسط ملوك الطرب وسلاطينه. يحزنني أحيانا أن أرى بعض النساء يعملن على تعبئة نفسية مقيتة ضد امرأة جميلة أو ناجحة متحققة وصلت بجهد لتحقيق ما عجزن هن ليس فقط في الوصول إليه بل حتى الحلم به والاقتراب منه.
قمة تصالح المرأة مع نفسها هي رؤيتها الواضحة لجمال غيرها من النساء والاعتراف بهذا الجمال، ليس الجمال الظاهري فقط، بل النجاح والتميز في كافة المجالات، فالاعتراف بالجمال في حد ذاته جمال أبعد من حسن الطلة والعطر الفواح، جمال الروح التي ترى ما خلف الوجوه.
تصالح المرأة مع ذاتها أبعد من كلمات المجاملات الزائفة، والكذب الاجتماعي المبالغ به، ورؤية موهبة ما تمتلكه غيرها، يمحي عن الكثير من النساء تأثير الغيرة من بعضهن، ويضفي عليهن جمالا من نوع خاص.
فليس من الضروري الضغط على الأزهار لشم رائحتها، فقط تحتاج مساحة لائقة لتنمو بيسر وتمنحك العطر طائعة.