الإسلاميون يجرّون الكويت إلى معركة ضد فرنسا في وقت حرج

الكويت – تراقب أوساط سياسية واقتصادية كويتية بقلق توسّع الدعوات إلى مقاطعة البضائع الفرنسية مخافة توريط البلد في معركة مجانية ضدّ باريس تدفع باتجاهها جهات إقليمية في نطاق تصفية حسابات سياسية مع القيادة الفرنسية.
وقال أحد المعترضين على عملية المقاطعة التي انتقلت سريعا من طور الدعوة إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، إنّ الحكومة الكويتية نفسها لا ترغب في التورّط في مثل تلك المعارك خصوصا في المرحلة الحالية بكل ما تحمله من مصاعب سياسية واقتصادية.
وأعلن اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية بالكويت مقاطعة المنتجات الفرنسية بسبب ما اعتبره إساءة فرنسية للنبي محمد بالاستمرار في نشر رسوم مسيئة له وتصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون عن “النزعة الانفصالية الإسلامية”.
وقال سياسي كويتي طلب عدم ذكر هويته إنّ مثل تلك الدعوات مصدرها الإسلاميون المتضامنون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤكّدا سطوة هؤلاء الإسلاميين على الجمعيات الأهلية في الكويت.
واستطرد موضّحا أنّ سلطات البلاد في وضع محرج بسبب تعلّق القضية بشأن ديني حسّاس، ما يفسّر محاولتها مسك العصا من وسطها وذلك بإدانة عملية عرض صور مسيئة للنبي محمّد من قبل مدرّس فرنسي، وفي نفس الوقت نعت مقتل المدرّس على يد متشدّد روسي بالعمل الإرهابي وإدانته بعبارات صريحة.
وجاء التجاوب السريع مع دعوة مطاقعة البضائع الفرنسية ليظهر مجدّدا مدى سطوة الإسلاميين وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين على المشهد الكويتي وقدرتهم على تسليط الضغوط على السلطة ذات الارتباطات الوثيقة بقوى دولية.
وقال رئيس الاتحاد فهد الكشتي لوكالة رويترز إن الاتحاد طلب من كافة الجمعيات التعاونية بالكويت مقاطعة المنتجات الفرنسية في هذه الجمعيات “انتصارا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم”. وأضاف “تم رفع جميع المنتجات الفرنسية من جميع الجمعيات”.
وخلت أرفف جمعيات تعاونية مساء السبت وصباح الأحد من المنتجات الفرنسية. وتم تعليق لافتات مكتوب عليها “مقاطعة المنتجات الفرنسية” أو “إلا رسول الله. بناء على دعم الرسومات المسيئة لنبينا الحبيب محمد.. قررنا رفع جميع المنتجات الفرنسية من السوق والأفرع حتى إشعار آخر وذلك نصرة لنبينا محمد“.
وتوجد بالكويت 75 جمعية تعاونية على الأقل لها مئات الأفرع في مختلف مناطق البلاد، وتشكل المنفذ الرئيسي لبيع المواد الاستهلاكية اليومية لاسيما الغذائية منها.
وهذه الجمعيات مملوكة للمواطنين وتديرها مجالس إدارة منتخبة وتشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية.
وقال الكشتي إن هذه “ردة فعل على الإساءة المتكررة للرسول صلى الله عليه وسلم. والشعب الكويتي شعب محب للجميع وليست لديه خلافات مع أي شعب. وهذه رسالة من الشعب الكويتي. ونحن ممثلون للشعب الكويتي لأننا منتخبون في مناطق عديدة في الجمعيات التعاونية التي تضم نحو مليون ونصف المليون مساهم”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر تعهد ماكرون بمحاربة ما أسماه “النزعة الانفصالية الإسلامية”، وقال إن مشروع قانون سيُحال إلى البرلمان للتصدي لهذه النزعة في أوائل العام المقبل.
وأصدرت وزارة الخارجية الكويتية في وقت سابق بيانا قالت فيه إنّ “دولة الكويت قد تابعت باستياء بالغ استمرار نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم”.
وحذرت الوزارة “من مغبة دعم تلك الإساءات واستمرارها سواء للأديان السماوية كافة أو الرسل عليهم السلام من قبل بعض الخطابات السياسية الرسمية والتي تشعل روح الكراهية والعداء والعنف وتقوض الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لوأدها وإشاعة ثقافة التسامح والسلام بين شعوب العالم”.
وأكد وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح موقف الكويت “الرافض للإرهاب بكل أشكاله وصوره، كما أكد على ضرورة وقف الإساءات للأديان السماوية كافة والأنبياء عليهم السلام في بعض الخطابات الرسمية والسياسية”.
جاء ذلك في بيان على موقع وزارة الخارجية خلال لقاء الوزير الكويتي بالسفيرة الفرنسية لدى الكويت آن كلير لوجيندر.
وقال البيان “تم خلال اللقاء بحث تداعيات الجريمة النكراء التي راح ضحيتها أستاذ التاريخ في إحدى المدارس الفرنسية والتي سبق وأن أدانتها دولة الكويت في حينها، حيث أكد معالي الوزير على موقف دولة الكويت الرافض للإرهاب بكل أشكاله وصوره”.
ولم تتمكن وكالة رويترز من الحصول على تعليق حكومي حول حملة مقاطعة البضائع الفرنسية.
وعن موقف الحكومة الكويتية من دعوة الاتحاد إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية قال الكشتي “نحن لم نتواصل مع الجهات الحكومية. والقرار طلع من عندنا لأننا نحن منتخبون ولسنا معينين”.
وأكد أنّه “في حال استمرار الإساءة لمقام رسول الله سيكون هناك منع لدخول هذه المنتجات نهائيا للجمعيات. واليوم هذه رسالة. وفي الأيام القادمة، حتى الاستيراد من فرنسا للجمعيات التعاونية سوف نوقفه”.
وتساءلت صحيفة القبس الكويتية التي تعبر غالبا عن مجتمع رجال الأعمال في مقال لها “هل مقاطعة البضائع الفرنسية رسالة ناجحة؟”.
وأضافت “إن هذه المقاطعة، التي يكرر الكثيرون تنفيذها في كل أزمة، أثبتت عدم جدواها في كثير من المناسبات السابقة”.
وبلغت الواردات الكويتية من فرنسا 834.70 مليون دولار في 2019، طبقا لبيانات الإدارة المركزية للإحصاء في الكويت. وقال الكشتي إنّ “المنتجات الفرنسية كثيرة في الجمعيات التعاونية بالكويت لكن لها بدائل موجودة بالفعل ومتوفرة في السوق”.