الإسكندراني.. مقهى أردني يأخذ زبائنه إلى أجواء من التراث

المقاهي المعاصرة متشابهة في كل المدن، فعلى الرغم من وسائل الراحة التي تحتويها تصيب زبائنها بالروتين، لذلك اختار الأردني محمد باكير بعث مقهى يحمل زواره إلى عوالم وأجواء من التراث ويعيدهم إلى زمن صاروا يحنون إليه.
السلط (الأردن) ـ مقهى “الإسكندراني”، أحد المباني التراثية ومعالم المدينة، والذي يعود تاريخ بنائه إلى 180 عاما، ومر خلال تلك الفترة بمراحل مختلفة، إلا أنه يُحافظ وبكل صلابة على شكله، دون أن تطرأ على معالمه أيّ تغييرات.
ما إن تصل إلى مدخل المقهى، حتى تستقبلك الحاجة “أم غازي” بابتسامة لا تفارق وجهها، مقدمة لزائر المكان رغيفا من خبز “الشراك” المصنوع على صاج تقف عليه ساعات طويلة، لتظهر حفاوة استقبال قلّ نظيرها، مؤكدة طابع الكرم الذي يتمتع به أهالي مدينة السلط.
كان المكان، وفق ما يروي صاحبه، محمد باكير (38 عاما)، إسطبلا للخيول، ثم تحول عام 1960 إلى مشغل للحلويات، واستمر بذلك حتى عام 1982.
السلط مدينة تتميز بتنوع معماري ساهم في إدراجها على قائمة اليونسكو تحت مسمى "مدينة التسامح والضيافة الحضرية"
ويُضيف باكير “بعد ذلك، هُجر المكان واستمر على حاله إلى عام 2016، قبل أن أقرر أنا وخالي، تحويله إلى مقهى شعبي بصورته الحالية، وأطلقنا عليه اسم الإسكندراني”.
ويتابع “المكان كما ترى، يتميز بناؤه بنظام الأقواس أو نظام العقد، وكانت محافظته على شكله الحالي دافعا لنا لإحياء تاريخ عائلي”.
ويضيف باكير “نصف المبنى أسفل الشارع، ويحتوي على مغارة نستقبل بها الزوار، والأجواء في المكان من الماضي، فبساطته بما يحتويه على بعض الطقوس مثل الشاي والموسيقى، وقائمة الطعام تعطيه لونا خاصا يميزه عن سائر الأماكن”
ولفت باكير “نحن ركن أساسي من أركان شارع الحمام بالسلط” الذي يعد أحد أهم معالم مدينة السلط في مسارها السياحي والتجاري والتراثي في الوقت ذاته.
وأشار إلى أن “السياح يأتوننا من كل مكان، إضافة إلى الزوار المحليين من مختلف محافظات المملكة، ونتيجة لشدة الإقبال عليه، فإننا نسعى لتوسعته في القريب العاجل؛ لاستيعاب أعداد أكبر”.
ويستطيع الزائر أن يكتشف الكثير من المقتنيات التراثية في المكان، التي حرص باكير على توفيرها في المقهى، والتي كان يستخدمها السكان في القرن الماضي، ويقدم شرحا للسياح والزوار عن تلك المقتنيات.
وتقول نور ملكاوي (22 عاما)، إحدى زائرات المقهى “المكان فخم ومرتب، وفيه حس تاريخي، كل شيء فيه حلو ومميز”.
فيما أشارت ياسمين عرفات (15 عاما)، من مجموعة سياحية كانت تزور المكان “كل شيء هنا قديم، وتشعر بوجوده فيه كأنك تمر بأيام زمان التي حدثنا أهلنا عنها”.
الخمسينية ختام الزعبي، قائدة مجموعة نسائية، قالت “البناء جميل، وأنا أزوره كل مرة آتِ فيها إلى السلط”.
نتاشا كول، سائحة بريطانية (38 عاما)، أوضحت، “أنا أزور الأردن للمرة الأولى، ومقهى الإسكندراني جميل جدا، وهو ذو طابع عمراني مختلف، وأعتقد بأنني سأعود إليه مرة أخرى”.
ويجد الزائرون المقهى يشع بالطاقة الإيجابية، والجلسات الممزوجة بأصوات الباعة والزبائن في سوق شارع الحمام، الأمر الذي يرى فيه الكثيرون أن الجلوس فقط والاستمتاع بالأجواء كفيل بأن يعيد الذاكرة إلى الأذهان، ويسترجع تاريخ مدينة السلط التي تحاكيها جدران المقهى بحجارته الصفراء وأسقفه المرتفعة.
محمود بني عامر، أردني كان يتناول الشاي، وصف المكان بأنه “روح السلط، فعندما تأتي إلى المدينة هناك محطات رئيسية لا بد لك من زيارتها، وهذا المقهى هو واحد من تلك المحطات، فهناك راحة غريبة عندما تجلس فيه”.
وتُعد السلط رابع أكبر مدن الأردن سكانا، وسميت قديما بـ”سالتوس” نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني وبنى فيها معبدا للإله “زيوس” بمنطقة “زي”.
وتقع السلط على بعد 30 كم من العاصمة الأردنية عمان، وتتميز المدينة بنمط معماري خاص، ساهم تنوعه في إدراجها العام الماضي على قائمة التراث العالمي، تحت مسمى “مدينة التسامح والضيافة الحضرية”.