الإسراف في دعاية المؤيدين للسيسي يحرجه قبل انتخابات الرئاسة

ما تفعله الأحزاب يحرج السيسي لأنه لا ينتظر تأييدا من كيانات ضعيفة تقوم بالترويج له بطريقة مثيرة لغضب الناس.
الأحد 2023/08/27
السيسي لا يحتاج لأحزاب ضعيفة

القاهرة - سارعت أحزاب وشخصيات سياسية عديدة ونواب في البرلمان بإعلان تأييدهم لترشيح الرئيس عبدالفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة المقبلة، استنادا إلى إنجازات اقتصادية تحققت الفترة الماضية، وهو ما شكّل حرجا للسيسي نفسه قبل إعلان ترشحه رسميا، لأن البعد الاقتصادي لا يزال يمثل هاجسا لدى شريحة من المواطنين.

وتجاوز دعم السيسي الحراك التقليدي المعروف في وسائل الإعلام، وشهدت الأيام الأخيرة دعما من أحزاب: مستقبل وطن، والمصريون الأحرار، والأحرار الاشتراكيون، والمؤتمر، والحزب الناصري، ودخل على الخط نواب في البرلمان.

وقوبلت حملات الدعم من المؤيدين بتحفظ نسبي، لأن الطريقة التي وجهت لإظهار التأييد للرئيس ومناشدته الاستمرار في الحكم لولاية جديدة أوحت بأن المواطن حصل على مكتسبات اقتصادية كبيرة بينما الظروف المعيشية لا تزال قاسية على البعض.

ويشعر المواطن العادي بأنه يتذيل اهتمامات الأحزاب ونواب البرلمان، في حين أن هؤلاء من المفترض أن يكونوا وسيطا بين الشارع والسلطة، وينقلون نبض الناس أولا إلى دوائر صناعة القرار بدلا من البحث عن مكاسب سياسية فقط.

مدحت الزاهد: المعارضة لا يحق لها الامتعاض من دعم أحزاب مؤيدة للسيسي طالما منحت لنفسها هذا الحق في تأييدها لأشخاص منافسة له
مدحت الزاهد: المعارضة لا يحق لها الامتعاض من دعم أحزاب مؤيدة للسيسي طالما منحت لنفسها هذا الحق في تأييدها لأشخاص منافسة له

وأسهم حث بعض الأحزاب والشخصيات السياسية الرئيس السيسي على خوض انتخابات الرئاسة في طمأنة شريحة من الناس تعتقد أن وجوده يعني الاستقرار الأمني وعدم الانزعاج من حملات التحريض التي تقوم بها جماعة الإخوان التي شككت مبكرا في إجراء انتخابات تنافسية.

وأبدى نحو ستة من المرشحين عزمهم على منافسة السيسي في الانتخابات المتوقع أن تجرى قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل، وهم: حازم عمر رئيس حزب الشعب، وعبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد، وأكمل قرطام رئيس حزب المحافظين، وجميلة إسماعيل رئيسة حزب الدستور، وأحمد الفضالي رئيس حزب السلام الديمقراطي، وأحمد الطنطاوي الرئيس السابق لحزب الكرامة.

وتحولت الحملة الدعائية للسيسي إلى ما يشبه إصدار “كشف إنجازات” لما نجح فيه طوال السنوات الماضية، في خضم مبررات سوّقتها أحزاب ومعها نواب مقربون من السلطة بأن استكمال النجاحات التي تحققت يصعب استمراره من دون وجود السيسي على رأس النظام مهما كانت كفاءة المرشحين المنافسين.

ولم يعلن السيسي رسميا خوض انتخابات الرئاسة ولم يتم تحديد جدول مواعيدها، بينما الهيئة العليا للانتخابات بدأت في اتخاذ الخطوات المتعلقة بالإجراءات اللوجستية.

ويسيطر على فئات في الشارع المصري إحباط جراء ارتفاع معدلات التضخم وتصاعد أسعار السلع والخدمات، وما خلفه النقص الحاد من العملات الأجنبية على الاقتصاد عموما، وهي مشكلات عجزت الحكومة عن وضع حلول جذرية لها.

وتستبعد دوائر سياسية أن يكون تأييد السيسي المبكر من الأحزاب والنواب المتناغمين مع السلطة جاء بتوجيه مباشر من السلطة، لأن غالبيتها لا يزال يتحلى بالنفاق السياسي، ورصيدها في الشارع ليس كبيرا ويصعب التعويل عليها في تجييشه.

وترى أصوات مؤيدة للنظام أن ما تفعله هذه الأحزاب يحرج الرئيس السيسي أكثر مما يدعمه، لأنه لا ينتظر تأييدا من كيانات ضعيفة وتقوم بالترويج له بطريقة مثيرة لغضب الناس، وربما تحمل إساءة للاستحقاق الرئاسي نفسه.

وحذر سياسيون، مثل مستشار الحوار الوطني حسام بدراوي، والقيادي بحزب الوفد منير فخري عبدالنور، من مغبة حملات التأييد الدعائية، وعدم وجود منافسة حقيقية، حيث تؤثر سلبا على هيبة المنصب وقد تفرغه من أهميته الكبيرة.

وقد يكون تبرّع بعض الأحزاب بدعم السيسي بصورة مبالغ فيها خطأ سياسيا، لأن دور الكيانات الحزبية، خاصة المعارضة، ليس الدفاع عن مرشح السلطة بل دعم مرشحي المعارضة والمطالبة بأجواء وإجراءات تدعم النزاهة والشفافية.

وقال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد إن كل ما يصدر من الأحزاب عن قناعة هو مقبول سياسيا، لكن الخطر أن الدعم به نفاق واسترضاء فج للسلطة، ما يساعد على تأزيم المناخ السياسي وإضعاف شروط التنافسية.

وأضاف لـ"العرب" أن المعارضة لا يحق لها الامتعاض من دعم أحزاب مؤيدة للسيسي، طالما منحت لنفسها هذا الحق في تأييدها لأشخاص منافسة له، لكن الخطأ في الطريقة التي قد تحمل إساءة لشخص الرئيس ومقامه.

وأشار إلى أن مشكلة بعض الأحزاب المؤيدة للسلطة في أنها توحي للشارع أن الرئيس أشبه بمدير مشروعات، مع أن الدولة أكبر من اختزال مؤسساتها في شخص الحاكم، وهو ما يضرب القواعد الديمقراطية المطلوب ترسيخها.

◙ التقديرات تشير إلى أن السيسي سيخوض المنافسة ويكسبها بتفوق واضح مهما كانت قوة منافسيه وليس في حاجة إلى تكريس الولاء الحزبي والبرلماني لنظامه

ولا يزال المشهد السياسي في مصر غامضا، فهناك حملات تتزايد لدعم الرئيس السيسي، وتتبني بعض الأحزاب تأييده بصورة مبالغ فيها أحيانا وأخرى ترشح منافسين له على المنصب، ما أوحى للشارع بأن الأوضاع في حاجة إلى المزيد من الترتيب.

وقد يكون سلوك بعض الأحزاب المقربة من السلطة في دعم السيسي محاولة للحشد أو جس نبض في الشارع وقياس ردة فعل الناس حيال النسبة التي يمكن أن يحصل عليها السيسي في ظل انتخابات من المتوقع أن تتحلى بقدر من النزاهة بخلاف سابقتها التي جاءت غير متكافئة، وأظهر المرشح الوحيد (رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى) المنافس للسيسي تأييده له علنا.

وتشير كل التقديرات السياسية إلى أن السيسي سيخوض المنافسة ويكسبها بتفوق واضح مهما كانت قوة منافسيه، لكنه ليس في حاجة إلى تكريس الولاء الحزبي والبرلماني لنظامه، وإذا كان قد خسر جزءا من شعبيته بسبب الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية، فإنه لا يزال الخيار الوحيد المقبول لدى شريحة كبيرة من المواطنين.

وتظل مشكلة الكثير من الأحزاب في مصر أنها تربط بين استمرارها في المشهد وبين بقاء الرئيس الحالي في السلطة، وما يدفعها إلى إظهار أكبر قدر من الولاء السياسي عن طريق حملات دعاية واسعة، وهي طريقة لم تعد مؤثرة عمليا في توجهات الناس.

وسواء أكان هذا الدعم تقف خلفه توجيهات شبه رسمية أم يأتي تطوعا ومن قبيل النفاق السياسي فلن يغير من واقع الانتخابات المقبلة أو يزيد من إمكانية فوز السيسي، ويمكن أن يتسبب في المزيد من الغضب لدى البعض عندما يتم تبريره باستكمال مشروعات قومية كبرى منها ما هو محل تحفظ نتيجة تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية.

4