الإسرائيليون يروعون اللبنانيين.. اللبنانيون يروعون الخدم الأفارقة.. أين المفر

بيروت - استيقظت إيساتا باه من قيلولتها في ملجأ مزدحم في ضواحي بيروت، وكانت تحتضن ابنتها بليسينغ.
وتنتظر المرأة البالغة من العمر 24 عاما والقادمة من سيراليون تأشيرة خروج يمكن أن توجهها مع طفلتها البالغة من العمر عاما واحدا نحو طائرة عائدة إلى الدولة الواقعة في غرب أفريقيا. وتحلم بلم شملها مع عائلتها بعد ما وصفته بظروف العمل الاستغلالية والعنف الجنسي، إضافة إلى أهوال الحرب الأخيرة التي شهدها لبنان. وصرّحت “لم تكن تجربتي في لبنان جيدة. إنني متعبة جدا. وأريد العودة إلى بلادي.”
وينتظر مئات العمال المهاجرين في لبنان فرصة تمكنهم من الرجوع إلى بلدانهم بعد أن دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الشهر الماضي وأنهى الحرب المستمرة منذ 14 شهرا بين حزب الله اللبناني وإسرائيل.
وكان لبنان بلدا يجذب العمال المهاجرين الذين يحلمون ببناء حياة أفضل لعائلاتهم. وتغريهم الوعود بوظائف مستقرة وأجور لائقة. وهم يصلون لبنان عبر مكاتب التوظيف في ظل نظام الكفالة ويجدون أنفسهم في الكثير من الأحيان محاصرين بسبب مصادرة جوازات سفرهم، ويعملون ساعات طويلة دون تلقي أجورهم. وتشمل بعض الحالات سوء المعاملة.
ولاقى نظام الكفالة انتقادات جماعات حقوق الإنسان. لكن الحكومة نادرا ما تفاعلت معها. ولم تكن باه تدرك هذا الأمر حين وصلت إلى لبنان في 2022. وقالت إنها وُعدت بوظيفة في مركز تجاري براتب شهري قدره 200 دولار. لكنها كُلّفت برعاية امرأة مسنة بمجرد وصولها.
نظام الكفالة لاقى انتقادات جماعات حقوق الإنسان. لكن الحكومة نادرا ما تفاعلت معها
ومرض ابنها البالغ من العمر 3 سنوات في وطنها وتوفي في غضون شهر من وصولها. وأكدت أنها لم تُمنح الوقت الكافي للحزن وهربت من منزل الشخص الذي وظفها. لكن صاحب العمل كان يحتفظ بجواز سفرها ووثائق أخرى. وقالت باه إنها اضطرت إلى تركها لديه. ثم اتخذت تجربتها في لبنان منعطفا حالكا أكثر.
وامتطت سيارة أجرة مع خمسة نساء كن يعشن معها. لكن السائق أوصلهن إلى وجهة مختلفة عن منزلهن. ولما حاولن العثور على سيارة أجرة أخرى طاردهن عدد من الرجال واغتصبوهن.
وقالت باه، التي وافقت على الكشف عن اسمها، “ضربونا واغتصبونا.” واستغرق تعافيها حوالي أسبوعين قبل استئنافها العمل في فندقين. ويمكن أن يتردد المهاجرون الذين جُرّدوا من وثائقهم في الذهاب إلى الشرطة.
واكتشفت هي وصديقتها بعد شهرين أنهما حاملان. وروت باه التجربة وهي تراقب خطى طفلتها غير الثابتة.
وأصبحت حياتها أكثر خطورة حين اندلعت الحرب. ووفرت باه مع طفلتها وأصدقائها سيرا على الأقدام من ضواحي بيروت الجنوبية في سبتمبر عندما كثفت إسرائيل قصفها للمنطقة.
ولم ينجح كل العاملين الوافدين في الفرار من الهجمات. وقالت جويل مهنا من المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إن حوالي 37 شخصا قتلوا وأصيب 150 آخرون منذ أكتوبر 2023.
الحكومة اللبنانية لم تعالج مباشرة قضية رفض قبول العمال المهاجرين في الملاجئ التي تديرها الحكومة
وكانت الخيارات المتاحة لهم محدودة. وقالت الناشطة ضياء الحاج شاهين إن جل الملاجئ التي تديرها الحكومة لم تقم باستقبال النازحين غير اللبنانيين. وتدخلت مرة أخرى مع متطوعين آخرين بعد دعم النساء المهاجرات خلال الأزمات السابقة في لبنان.
وتمكن المتطوعون من إعادة توظيف مساحة مهجورة تملكها عائلتها لإيواء أكثر من 200 امرأة من سيراليون كانت باه من بينهن. وتحوّلت وكالة السيارات السابقة إلى قاعة للحفلات ثم إلى ملجأ.
وكان المطبخ يعج بالحياة حيث كانت النساء يطبخن، وبعضهن يرقصن على أنغام الموسيقى النيجيرية. وفي جزء آخر من المبنى، كانت المراتب الرقيقة ملقاة تحت إنارة الضوء الخافت المتسلل من النوافذ المكسورة. وأقامت النساء شجرة عيد الميلاد المصنوعة من العصي رغم الظروف.
وتحدثت تقارير المنظمة الدولية للهجرة عن إجلاء البعض ومنع آخرين من الوصول إلى بعض الملاجئ التي تديرها الحكومة.
وقالت جويل مهنا إن بعض المهاجرين يترددون في التوجه إلى الملاجئ الحكومية خوفا من الاحتجاز أو الترحيل. وتستضيفهم لذلك السفارات والمنظمات غير الحكومية والمنظمات المجتمعية، كما تستقبلهم الكنائس والأديرة والجماعات الدينية الأخرى.
ولم تعالج الحكومة اللبنانية مباشرة قضية رفض قبول العمال المهاجرين في الملاجئ التي تديرها الحكومة، رغم دعوات المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة المتكررة للتحرك.
ولاقى عدد من المهاجرين مثل باه تحديا آخر مع بقاء جوازات سفرهم ووثائقهم الأخرى في يد موظفيهم السابقين.
وقالت الناشطة شاهين، التي نسقت عودة 120 امرأة وأطفالهن الشهر الماضي بدعم من المنظمة الدولية للهجرة التي استأجرت الرحلات، “كان علينا تأمين تصاريح خروج وتصاريح هجرة وحتى وثائق سفر للأطفال الخمسة في هذه المجموعة.”

وأكدت المنظمة الدولية للهجرة أنها تلقت طلبات من نحو عشرة آلاف مهاجر يسعون إلى الرجوع إلى أوطانهم. ويشكّل هذا جزءا صغيرا من أكثر من 175 ألفا موجودين في لبنان.
ودعمت المنظمة الدولية للهجرة اعتبارا من 26 نوفمبر أكثر من 400 مهاجر للعودة إلى ديارهم. وشمل ذلك رحلتين مستأجرتين لأشخاص من بنغلاديش وسيراليون. ولم يتضح بعد عدد الرحلات الأخرى المخطط لها ووجهاتها.
وتعالى الضحك وانتشرت معالم البهجة في مطار بيروت رفيق الحريري الدولي في 19 نوفمبر. ووصلت النساء من سيراليون في مجموعات، وهن يسحبن حقائبهن ويتعانقن. ورقصت بعضهن احتفالا برحلتهن التي طال انتظارها.
وقالت أمانتا ثولا إن “الأمر لم يكن سهلا في لبنان. أنا سعيدة بالعودة إلى بلدي بعد أربع سنوات”.
وقالت مريم سيساي، التي وصفت نفسها برئيسة جالية سيراليون في لبنان، إن الأشهر الأخيرة شهدت “الكثير من الضيق والصدمات.”
ولم تكن باه من بين الذين غادروا. لكنها قالت إنها والآخرين في الملجأ كانوا سعداء برؤية الأصدقاء يعودون إلى أرض الوطن. وتنتظر الآن دورها إلى جانب أكثر من 50 آخرين.
وقيل لها في البداية إنها بحاجة إلى وثائق رسمية لطفلها وموافقة الأب على السفر. لكن شاهين قالت إن المحامي تنازل عن الشرط بسبب ظروفها.
وقالت باه “أتمنى العودة إلى وطني لمواصلة تعليمي. كنت أرغب منذ أن كنت طفلة في أن أكون طالبة متخصصة في علوم الكمبيوتر لأنني أجيد التعامل مع الجهاز.” ثم نظرت إلى ابنتها بليسينغ وقالت “لديّ الآن من أعتني به. أشعر بالسعادة عندما أشاهدها تمشي أو تضحك.”