الإرهاب… و"فائض القيمة التاريخي"

بينما تتزايد وتيرة الإرهاب في المنطقة العربية، وينتشر وباؤه من الماء إلى الماء، يصر الغرب على النظر إلى أمور المنطقة من الزاوية نفسها التي كان ينظر منها منذ عقود عدة، أي الاستمرار في تأبيد نفس السياسات التقليدية إزاء المصالح العربية والإسلامية، والاكتفاء بجلد الآخرين وتحميلهم المسؤولية عما يحصل من قلاقل في المنطقة، دون النظر في التركة الثقيلة التي خلفتها السياسات الغربية في المنطقة، ومن غير إحداث تحول في هذه السياسات وإجراء نوع من النقد الذاتي.
يتعامل الغرب مع أزمات المنطقة العربية، منذ الستينات على الأقل، من منطلق أنها تعكس حالة انعدام الاستقرار فيها، وغياب الثقافة الديمقراطية، واستعصاء آلية انتقال السلطة في بلدانها؛ وهي توصيفات لها بعض المسؤولية في التوتر القائم وفي جنوح بعض الجماعات إلى العنف.
كان المفكر المصري الراحل أنور عبدالملك يطلق على المخلفات السياسية للغرب في العالم العربي ـ الإسلامي تسمية “فائض القيمة التاريخي”، مستعيرا التعبير الماركسي في توصيف وضعية التأخر والتأزم التي يعيشها العرب والمسلمون، من جراء تلك المخلفات، على أساس أن المنطقة العربية لم تسترجع تلك القيمة منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية.
يتطلب القضاء على الإرهاب والتطرف اليوم سياسات تشاركية تأخذ بعين الاعتبار تغيير المواقف التقليدية
ذلك أن السياسات الغربية تحولت إلى عنصر مغذ للعنف داخل المجتمعات العربية، وساهمت في تعزيز وإحياء مختلف المفاهيم الفقهية التي كانت معطلة لزمن طويل، منذ أن تم إنشاؤها في فترات المواجهة بين المسلمين والإفرنج في القرون الماضية نتيجة الظروف التي كانت قائمة وقتذاك، بحيث عملت جماعات التشدد على سحب تلك المفاهيم على المرحلة المعاصرة، نتيجة تلك السياسات الغربية التي ظلت تتعامل مع أزمات المنطقة باعتبارها قابلة في كل مرة للتأجيل، والتغطية على الحلول بالأساليب الدبلوماسية التي كشفت ـ مع مر العقود ـ أنها ليست سوى مراهم لإسكات الألم إلى حين.
بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 تعهدت الإدارة الأميركية، في عهد جورج بوش، بحل المشكلة الفلسطينية، وأثير نقاش واسع في الدوائر الغربية حول أزمات المنطقة العربية وضرورة تغيير أسلوب التعامل معها، وأهمية إنهاء المشكلات القائمة في منطقة الشرق الأوسط.
إسرائيل سعت إلى استثمار الأوضاع ورخاوة المواقف الغربية من أجل المزيد من التنكيل بالفلسطينيين، مطمئنة إلى الدعم أو السكوت الغربي
ويمكن القول بأن إسرائيل سعت إلى استثمار الأوضاع ورخاوة المواقف الغربية من أجل المزيد من التنكيل بالفلسطينيين، مطمئنة إلى الدعم أو السكوت الغربي، حسب الحالات؛ بل الأكثر من ذلك أنها حاولت توظيف ورقة الإرهاب من أجل إقناع الغرب بسلوكاتها تجاه الفلسطينيين.
يتطلب القضاء على الإرهاب والتطرف اليوم سياسات تشاركية بالنسبة إلى البلدان الغربية وأوروبا، تأخذ بعين الاعتبار ضرورة تغيير المواقف الغربية التقليدية إزاء قضايا المنطقة ومشكلاتها، والأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر البلدان العربية إلى هذه القضايا.
فإذا كان التطرف الديني ناتجا عن تصورات خاطئة عن الإسلام، وعن انحراف في الثقافة الدينية، ويقتضي مواجهته ـ من هذه الناحية ـ بإجراء إصلاحات دينية وتشذيب المناهج التربوية من مفاهيم العنف والتكفير، فإنه أيضا نتيجة سياسات غربية عمياء وأنانية تمنح المتطرفين مشروعية ما ينادون به، لكي يعلنوا الكراهية والحقد في وجه الجميع، بينما تظل المنطقة العربية هي الطرف الذي يدفع ثمن العنف الأعمى الناتج عن السياسات العمياء.