الإرادة السياسية وحدها لا تكفي لتحجيم الفساد في مصر

القاهرة – رغم حرص الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كل المناسبات الجماهيرية على تأكيد محاربته للفساد المستشري في مصر وتحويل عدد من كبار المسؤولين في الدولة إلى النيابة بتهم تتعلق بالفساد، إلا أنه مع كل هذه الخطوات لا تلوح في الأفق بوادر حقيقية لاجتثاث شجرة الفساد التي ضربت بجذورها في عمق بعض مؤسسات الدولة.
لكن، الإرادة السياسية وحدها ليست كافية لردع الفساد، ربما تكون أحد مكونات مكافحته، لكن من الواجب أن تصاحبها خطط وسياسات وإجراءت عملية، خاصة أن هذه القضية أصبحت أحد المحكات المهمة لنوايا النظام المصري، للتعامل مع طبقة نهبت الكثير من الأموال.
وقالت المستشارة تهاني الجبالي، النائب السابق لرئيس المحكمة الدستورية لـ“العرب”، “إن تحجيم الفساد وتقليصه يحتاج إلى منظومة متكاملة، وليس إلى مجرد إرادة فردية”. وأضافت أن القضية أكبر من مجرد إرادة سياسية تطلق يد الأجهزة الرقابية وتمنحها حرية الحركة، فالفساد نجح في تكوين شبكات مصالح وجماعات ضغط وأصحاب نفوذ، استغلوا مواقعهم لتحقيق مصالحهم بالمخالفة للقانون، الأمر الذي يحمّل الاقتصاد المصري فاتورة كبيرة أمام الجهات الدولية، فضلا عن الطبقات الاجتماعية التي لم تجن الثمار التي تتمناها من الحكومة.
وشدّدت الجبالي على أن مواجهة الفساد تتطلب مجموعة من الإجراءات منها إعادة صياغة البنية التشريعية ووضع ضوابط ملزمة بتنفيذ القوانين، وتقديم خطط شاملة تكفل الفحص الشامل للمسؤولين والقيادات الإدارية وعدم السماح لمن تتعارض مصالحه مع مسؤولياته بتولي مناصب رسمية.
وقد أخذت تأكيدات الرئيس المصري المتكررة على محاربة الفساد بعدا عمليا في بعض الأحيان آخرها ضبط مستشار وزير الصحة الحالي متلبسا بتلقي رشوة ممثلة في شيكات بقيمة 6 ملايين جنيه (حوالي 680 ألف دولار) من شركة لتوريد المستلزمات الطبية نظير منحها عطاءات توريد مستلزمات طبية للمستشفيات الحكومية.
كذلك في السابع من سبتمبر من العام الماضي، فوجئ صلاح هلال، وزير الزراعة السابق، بقوات الشرطة تلقي القبض عليه في ميدان التحرير بالقاهرة، بعد إجباره على تقديم استقالته، لاكتشاف تورطه في تلقي رشوة مع 3 من مساعديه، في قضية عوقب عليها بالسجن المشدد 10 سنوات.
يرى اللواء رضا يعقوب، المدير السابق لإدارة مكافحة الإرهاب الدولي، أن الفساد أخطر على الأمن القومي من الإرهاب، وضرب مثلا بتفشي ظاهرة الغش في الثانوية العامة، باعتباره نوعا من الفساد الذي يهدد مستقبل الوطن. وفسر ذلك بالقول “الغش يسمح بمرور محدودي القدرات الذهنية إلى كليات القمة على حساب أصحاب القدرات الأعلى تحصيلا، بما يسمح بتولي قيادات مستقبلية تنتهج الغش والتدليس أسلوبا للاستيلاء على حقوق الغير”.
وقال عادل عامر، خبير مكافحة الفساد والشفافية والحوكمة لـ“العرب”، إن توفر الإرادة السياسية خطوة تحتاج إلى إجراءات تطبقها الأجهزة الرقابية على الأرض لتحويل الإرادة إلى واقع، إلى جانب تفعيل التشريعات القانونية وعلاج ما بها من ثغرات. وأكد عامر أن مكافحة الفساد أكبر من أن تتم بقرارات فوقية، كونه تحول في مصر إلى ثقافة مجتمعية، تتطلب توعية ومكافحة مجتمعية طويلة الأجل، إلى جانب تشكيل لجنة لمكافحة الفساد بالبرلمان المصري تتولى التنسيق مع الأجهزة الرقابية المعنية لتحقيق الهدف.
وطالب بتشديد الرقابة على عناصر الأجهزة الرقابية نفسها وعلى نواب البرلمان، فهناك نوع خطير من الفساد يؤديه المطلعون على خطط الدولة، يتمثل في تسريب المعلومات الاقتصادية التي تمكن من يحصل عليها من اتخاذ قرارات وإبرام صفقات تدر عليه أرباحا خيالية.
وأشار إلى أن تقوية الإعلام ومنحه حرية العمل وفق القواعد المهنية يوفران سلطة رقابة شعبية.