الإخوان ووسائل التواصل الاجتماعي: السوشيال ميديا تنشر الداء والدواء

لعبت الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي دورا رئيسيا في صعود نجم الإخوان المسلمين بعد الربيع العربي، لكنهما وبنفس الزخم قدمتا الترياق الذي فرمل هذا الصعود خاصة بعد أن كشف الإخوان عن حقيقة مخططاتهم ومشروعهم التدميري للمجتمعات العربية، وشبكتهم الأخطبوطية الممتدة في الغرب، كما علاقتهم بالتنظيمات المتشددة، وفشلوا في أول تجربة حكم لهم بعد سنوات طويلة من التخطيط والتطلع إلى تحقيق ذلك.
لندن - تنشط جماعة الإخوان المسلمين منذ عقود طويلة. ونجحت في تحقيق اختراق للمجتمعات، عربية وأوروبية. واستفادت في بعض الفترات من توجّهات سياسية لبعض الأنظمة، على غرار ما حدث مع الرئيس المصري أنور السادات، أو في فترة تواجدهم في السعودية بعد تضييق جمال عبدالناصر عليهم، كان استقرارهم في فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، لجأوا إليها بعد رفض الأنظمة في بلدانهم لمخططاتهم وأجنداتهم. لكن، أي من الفرص السابقة حققت للإخوان الانتشار والنجاح كالذي حققته لهم وسائل التواصل الاجتماعي.
يدقّق المتابعون في حيثيات التطورات الحاصلة في البلاد العربية، منذ خروج التونسيين في 21 ديسمبر 2010 على خلفية إحراق محمد البوعزيزي لنفسه، وصولا إلى إسقاط النظام في 14 يناير 2011 وما تلاه من تداعيات في تونس وعدد من دول المنطقة، إلى اليوم.
ليجدوا أن الفيسبوك، بدرجة أولى، ثم توتير، كان لهما دورا هاما في صياغة المشهد العام وتوجيه الرأي العام ودعم الإسلاميين، الذين كانوا سبّاقين في تأسيس كتائب إلكترونية، وهم يتبعون في ذلك الجماعات الجهادية التي سبقت الأنظمة والدول من حيث الاستفادة من الثورة في عالم الشبكة العنكبوتية، منذ ظهور المنتديات والمدوّنات وصولا إلى تغريدات توتير وتعليقات الفيسبوك.
لكن، مثلما كانت الإنترنت وسيلة للرفع من رصيد الإخوان واختصار سنوات من العمل لتجميع الأنصار والموالين، كانت أيضا سببا في تراجعهم بعد وصولهم إلى أول درجة في مشروعهم.
ويقول الصحافي الكندي إريك والبرغ إن جماعة الإخوان استفادت من ثورة سهّلتها وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت قادرة على تأجيج الغضب ونشره في كامل البلاد.
لكنه يرصد في دراسة نشرها على مدوّنته “إريك والبرغ دوت كوم”، وتركّز على المثال المصري كيف وصل الرئيس السابق الذي توفي حديثا حمد مرسي إلى السلطة ثم خسارته لها في ظرف سنة.
يقول والبرغ إن وسائل التواصل الاجتماعي هي التي منحت الجيش المصري الفرصة لإقالة حسني مبارك الذي سئم الجميع من طريقة حكمه. وبمجرد كسر النظام الذي كان عائقا أمامها، شاركت جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات التي دفعت بها إلى السلطة. وكانت أداتها الرئيسية وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن، وكما قال والبرغ “يعلم جلّ المُبحرين على الإنترنت أن الشبكة متقلبة”، وهو ما حصل مع مرسي، الذي أصبح هدفا رئيسيا لمواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التي تبث عبر القنوات الرقمية وتسجل أعلى نسب مشاهدة. من هذه البرامج برنامج الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف.
يتخذ والبرغ من برنامج باسم يوسف مثالا للدلالة على الدور الذي يمكن أن تلعبه اليوم وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية في تجييش الناس على رأي محدد. تحوّل الطبيب المصري باسم يوسف إلى موقع يوتيوب لإطلاق “البرنامج”.
بعد نجاح البرنامج، تعاقدت قنوات تلفزيونية خاصة مع يوسف لتقديمه، أين هاجم السياسيين بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ المصري. ففي إحدى حلقات البرنامج، سخر يوسف من استخدام مرسي المتكرر لكلمة “الحب” في خطبه، وافتتح الحلقة بأغنية عاطفية محتضنا وسادة حمراء عليها صورة الرئيس المصري السابق.
استمر إنتاج البرنامج من 2011 إلى 2013. وشبّهه البعض ببرنامج “ذا دايلي شو” الساخر للمذيع الكوميدي الأميركي جون ستيوارت. وعندما توجّه باسم يوسف إلى مكتب النائب العام، للتحقيق معه في تهمة ازدراء الدين الإسلامي وإهانة الرئيس، اختار ارتداء القبعة الشهيرة التي ظهر بها في إحدى حلقاته للسخرية من القبعة التي ارتداها مرسي أثناء حصوله على الدكتوراه الفخرية في الفلسفة من باكستان، إذ حققت تلك الحلقة نسبة مشاهدة عالية.
سجل يوسف نسبة مشاهدة مرتفعة على كل من التلفزيون والإنترنت، مع 40 مليون متابع على التلفزيون وأكثر من 184 مليون مشاهدة لبرنامجه على يوتيوب.
وأصبح قوة سياسية أنشأتها وسائل التواصل الاجتماعي، وأكبر نجم مصري في الغرب منذ الممثل المصري الذي حقق شهرة عالمية عمر الشريف.
واختارت مجلة “تايم” الأميركية باسم يوسف ضمن أكثر 100 شخصية تأثيرا في العالم سنة 2013. وفي شهر نوفمبر من نفس السنة، تحصّل الإعلامي على جائزة الصحافة الحرة التي قدمتها له لجنة حماية الصحافيين. وأصبح محور مواضيعه الساخرة، مرسي، في انتظار الإعدام إلى جانب عدد من قادة الإخوان المسلمين الآخرين.
وساعد برنامج يوسف، وإن بشكل غبر مباشر، في تهيئة الطريق للإطاحة بحكم الإخوان. لكن، بعد سقوط الإخوان اختار باسم يوسف مغادرة مصر والعيش في الولايات المتحدة، لكن إلى الآن مازال البعض يستحضر برنامجه ويستعيد حلقاته، مستحضرا قوة الإعلام في إدارة الأزمات وتحويل وجهات النظر.
ويقدّم والبرغ في هذا السياق شهادته قائلا “كصحافي، شاهدت يوسف على التلفاز قبل أن أهرب من كابوس القاهرة سنة 2012. لكنني لم ألاحظ حينها تلاعب الإعلامي المصري بجمهوره دون هدف واضح.
إن الكوميديا صعبة، استغلها الكوميدي الغاضب ليستهزئ بالسياسة أين هاجم نقاط ضعفها وعيوبها، محوّلا اهتمام المستمع عن القضايا السياسية الخطيرة. في هذه الأثناء، انحدرت مصر إلى حالة من الفوضى وشهدت انهيارا عصبيا جماعيا”.
ويضيف “كانت هذه الفكاهة على الطريقة الأميركية سامة في مجتمع إسلامي مضطرب يفتقر إلى الأسس الديمقراطية. استخدم الدكتور يوسف مهاراته الطبية لحقن مصر بالسم الأميركي الثقافي”. ويؤيد متابعون ما يذهب إليه والبرغ، لكنهم في نفس الوقت يشيرون إلى أن الجرعة الزائدة كانت ضرورية لوقف الداء الذي كان الإخوان بصدد حقنه في المجتمعات المصرية والمجتمعات العربية وحتى الغربية.
ويقدّم هؤلاء كأحدث مثال الجدل الذي أثير منذ أيام حول تطبيق “يورو فتوى” الذي سمحت شركة أبل بعرضه. مثال الجدل أن هذا التطبيق خاص بفتاوى يوسف القرضاوي، أحد القيادات التاريخية لجماعة الإخوان، وصاحب الفتاوى المثيرة للجدل سواء ما تعلّق بالتفجيرات الانتحارية، أو جواز “الجهاد” في سوريا الذي شجع على التحاق مجموعات من الشباب العربي بجماعات مصنفة إرهابية في سوريا.
ورأت صحيفة التايمز البريطانية تطبيق “يورو فتوى” بأنه يساعد في الترويج لأفكار متشددة لمفتي جماعة الإخوان المسلمين المدرجة بقوائم الإرهاب في دول عربية، والتي تثار شكوك قوية في الغرب بشأن دورها في إنتاج الأفكار التي يتبناها الإرهابيون في دول مثل العراق وسوريا وليبيا.
وقالت الصحيفة إن متجر أبل “آب ستور” يحتوي على تطبيق للفتوى مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين على الرغم من مخاوف الخبراء من أنه يعتبر أداة للتطرف. وذهبت وكالة الأمن الداخلي الألمانية في ذات التحذير مشيرة في تصريحات نقلتها صحيفة ذا ناشيونال، إلى أن التطبيق يعتبر “لبنة في بناء عملية التطرف. ويحرّض على العنف والكراهية”.