الإخوان القطريون.. حل الجماعة في الداخل وتوظيفها في الخارج

هل يرجع قرار حل تنظيم الإخوان إلى قناعة فكرية بعدم جدوى التنظيم في ظل محافظة المجتمع الدينية والوفرة المادية وغياب السياسة بمعناها التنافسي والصراعي، وبالتالي يصبح وجود التنظيم في هذه الحالة نوعا من تحميل الواقع ما لا يحتمل، وتقمص أدوار إخوانية ليس لها محل أو إمكانية للعيش والاستمرار في مثل المجتمع القطري، الذي لم يعرف الحزبية ولا يشهد دواعي إقامتها.
استنساخ التجربة الإخوانية التنظيمية المصرية في مجتمع مثل المجتمع القطري يصبح أمرا غير ذي جدوى؛ فمجتمع الجزيرة العربية يعاني من خمول المجتمع المدني وهو ما يشجع على فكرة التحول إلى تيار يقدم الخدمات المختلفة للجماهير دون أي لافتة تنظيمية واضحة أو مستترة.
إن أكثر ما يميز التجربة القطرية الإخوانية، التي انتهت سنة 1999، أنها كانت تجربة عادية تلقائية لم تتحكم فيها العاطفة الإسلامية أو اليوتوبيا السياسية، ولم تتحكم بها لوائح تنفيذية أو قوانين أو رسميات، فالقطريون يرون أن اللوائح والقوانين والرسميات تعيق النمو الطبيعي العفوي للجماعات.
ربما كانت حالة جماعة الإخوان في مصر أحد المداخل ليعيد الإخوان في قطر التفكير في وجود التنظيم واستمراره ثم حله عام 1999
تحتاج قضية التنظيم داخل الحركة الإسلامية إلى قدر من النقاش، فطبيعة الدولة الخليجية الحديثة التكوين والتقليدية تعاني من محدودية دور السياسة فيها، وهو ما يجعل قضية حل تنظيم جماعة الإخوان في قطر قضية ثانوية لا يجوز تعميم نتائجها لاعتبارات موضوعية، لكن هذا لا يمنع أن جاسم سلطان، القطري الذي درس في القاهرة إبان عقد السبعينات من القرن الماضي وعاصر المجموعات الاخوانية وقتها وعاد إلى الدوحة بعدها ليكون من قادة الإخوان المسلمين، قبل حل التنظيم في قطر، طرح فكرة مهمة تحتاج إلى قدر من النقاش والتحرير، وهي مسألة علاقة أي تنظيم حركي بفكرة ما.
ويبدو أن ما طرحه يؤكد أن أي صيغة تنظيمية لها مبررات أوجدتها، وأدوار ووظائف لابد أن تلعبها، وجدوى من وجودها، فإذا لم توجد المبررات وغاب الدور وانتفت الجدوى يصبح التنظيم أو تلك المؤسسة فاقدة للصلاحية في الحياة والاستمرار ولا بد من إعلان وفاتها.
تأطير الدعوة
أصبحت قضية تأطير الدعوة الإسلامية في شكل منظم بطريقة ما تلقى قدرا من الانتقاد والتشكيك في جدواها وما جلبته من مصالح ومنافع للحركة الإسلامية، يقابلها، في الوقت ذاته، قدر من الدفاع الشرس عن الهياكل المتوارثة داخل الحركة الإسلامية، حتى وإن فقدت صلاحيتها.
وما بين الحدين يمكن فهم ما انتهجه جاسم سلطان ودوره في حل الوجود المنظم للإخوان في قطر، وما يطرحه في مشروعه عن النهضة، وهو مسألة الجدوى من أي فعل منظم داخل الدعوة باعتباره فعلا غير مقدس وقابلا للنقد والمساءلة والمحاسبة، لأن التجارب لا تأخذ شرعيتها من السماء ولكن من قدرتها على الإنجاز في الأرض، فالقدر ليس الشماعة التي يعلق عليها الناس أخطاءهم وقصورهم وتراخي أدوارهم.
كانت رؤية جاسم سلطان أن تفكيك التلاحم الذي حدث في فترات معينة جاء نتيجة لضغوط معينة بين تجربة الحركة الإسلامية والهياكل التي أنشأتها والأدوات التي استخدمتها في الدعوة والأفكار التي طرحتها على جماهيرها وعلى الناس، وبين حقيقة النص الديني المقدس المنزه، فلا تقديس لتجربة إنسانية.
التجربة خاضعة للتقييم والنقد والتطوير والإضافة والحذف والإلغاء والتجاوز لأن ارتباطها الأساسي يكون بجدواها ومدى قدرتها على الإنتاج وهو ما يحرر العقلية الإٍسلامية والحركية من تقديس ميراث الآباء المؤسسين، ويكون التمسك الرئيسي بمنهجيتهم في التعامل مع مشكلاتهم وقضاياهم وفقا للنصوص المقدسة.
مسلمات واهية
قضية تأطير الدعوة الإسلامية أصبحت في شكل منظم بطريقة ما تلقى قدرا من الانتقاد والتشكيك في جدواها وما جلبته من مصالح ومنافع للحركة الإسلامية، يقابلها، في الوقت ذاته، قدر من الدفاع الشرس عن الهياكل المتوارثة داخل الحركة الإسلامية
أطلقت الحالة الإسلامية مشروعها وفي ذهنها مسلمات معينة وبالتالي كان عليها أن تعيد إنشاء البناء المصغر للخلافة في بنيتها وتشكيلاتها؛ ولذا أخذت تنشئ المنظمات الشاملة. وهذا المنطق كان مقبولا في حينه لأن مسلمته الثانية أن هناك فراغا أو إمكانية إحداث فراغ حتى يحتله هذا المشروع الإسلامي ثم يبسط أجنحته على الحياة، فتعود الدولة الإسلامية ابتداء، ثم دولة توحيد الخلافة لاحقا.
رأى جاسم سلطان أن هذه الأفكار اصطدمت بفكرة أن الواقع ليس فيه فراغ لا على المستوى المحلي ولا على المستوى الإقليمي ولا على المستوى العالمي، فهناك دولة مركزية، وأينما وُجدت الدولة المركزية ستصطدم بهذه البنى الموجودة، وهذا الذي حدث، فهذه البنى بتشكيلاتها التي أنشأتها وبأدبياتها التي سطرتها لإسعاف هذه المنظومة اصطدمت بواقع صلب جعلتها تدفع تكاليف ضخمة جدا، فتم استنزافها في هذا الصراع، وبعد ذلك تم تفريغ طاقاتها، ثم دُفعت في مساحات العنف حتى تستهلك بقية طاقاتها، ثم على مساحة الأرض التي تعمل فيها أصبحت محاصرة، هذا النوع من التفكير يحتاج إلى مراجعة المسلَّمات التي انطلق منها هذا المشروع.
رأى جاسم أن انتقال مشروع الحركة إلى مناطق العالم الإسلامي انتقلت معه هذه المسلَّمات والأشكال التي أوجدتها. فهذه المسلمات إذا لم تكن صلبة بما يكفي وتتم مراجعتها ستنتج لنا نفس المشاكل التي أنتجتها في الفترات السابقة، فهناك خبرة عملية، تدفع إلى إعادة التفكير في مسألة التنظيم بعد تلك الصدامات المكلفة وأن المراجعات يجب ألا تتوقف عند حدود الأفكار بل تتعداها إلى الأشكال التنظيمية وهذا ما تم في الحالة القطرية. ربما كانت حالة جماعة الإخوان في مصر أحد المداخل، ليعيد الإخوان في قطر التفكير في وجود التنظيم واستمراره في قطر ثم حله عام 1999.
فالبعض ممن أجرى الدراسة عن جماعة الإخوان في قطر أشار إلى أن الإخوان في مصر تحوّلوا إلى إسفنجة تمتص كل الطاقات وتجمّدها، وأنهم ساهموا في تجميد الأوضاع داخل البلد بما يخدم النظام المصري، وأن الإخوان في مصر فقدوا البوصلة وأنهم انشغلوا بالفعل اليومي والصراع على النقابات والأندية والاتحادات الطلابية والسيطرة على المساجد ونسوا أهدافهم الاستراتيجية “في النهوض بالأمة”، وإذا كان القلب قد أصابته تلك الأمراض فلا بد أن ينعكس ذلك على الأطراف.
* خلاصة بحث مصطفى عاشور “الإخوان المسلمون في قطر”، ضمن الكتاب 43 (يونيو 2010) “الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي.