الأوقاف تضم المساجد الأهلية بمصر لإنهاء مراكز القوى في دور العبادة

أثار قرار لوزارة الأوقاف المصرية يتعلق بضم جميع المساجد دعويا وإداريا وإلغاء ما يسمى بالمساجد الأهلية أو مساجد الجمعيات، جدلا واسعا بعد أن أضحت الحكومة تسيطر على جميع المساجد بشكل يزيد من عبء الوزارة المادي ويفرض المزيد من السطوة الحكومية. ويرى مراقبون أن القرار يقوض محاولات دعاة السلفيين والراغبين في تشكيل مراكز قوى وجماهيرية شعبية في المساجد.
القاهرة – لا يوجد حصر دقيق لعدد المساجد الأهلية في مصر، لكن الإجمالي العام لها يقترب من 30 ألف مسجد، بجانب الآلاف من الزوايا (مساجد صغيرة) المقامة أسفل الكثير من العقارات السكنية. وطبقا للقرار الحكومي الجديد، أضحت جميع المساجد تخضع دعويا لإشراف وزارة الأوقاف. وتمنح الضبطية القضائية لمفتشيها الحق في متابعة جميع الفعاليات الدينية وفرز مكتبات المساجد وتوقيع الجزاءات، وقد تصل لمنع خطباء المساجد الأهلية من صعود المنابر.
كشفت مصادر حكومية لـ”العرب” أن القرار يمهد لغلق الآلاف من الزوايا في خطبة الجمعة، وتستند وزارة الأوقاف في ذلك لبعض الآراء الفقهية، التي تجيز عدم إقامة صلاة الجمعة، إلا في المساجد الجامعة، وغلق الزوايا المجاورة للمساجد الكبرى.
وأوضحت المصادر أن النظام الجديد يشمل الإشراف الدعوي ومعاقبة الخطباء المخالفين لتعليمات الأوقاف، في ما يخص موضوع الالتزام بالخطبة الموحدة، ومنع تشغيل مكبرات الصوت.
ورغم الحسم الذي بدا عليه مسؤولو وزارة الأوقاف فور الإعلان عن القرار الجديد، لكن يبدو دخوله حيز التنفيذ مسألة معقدة، مع وجود عجز في عدد الأئمة بالمقارنة بأعداد المساجد، علاوة على تواجد المئات من المساجد في القرى والنجوع غير المشهرة رسميا، والتي يصعب الوصول إليها ومراقبتها باستمرار.
ويبلغ عدد المساجد الحكومية التابعة للأوقاف 130 ألف مسجد، يقوم بأداء الخطبة والدروس الدينية فيها 58 ألف إمام وخطيب معينين بالوزارة، وتتم الاستعانة بعدة آلاف من خريجي جامعة الأزهر لأداء خطبة الجمعة بمكافأة مالية شهريا، الأمر الذي يوضح صعوبة الضم الكلي للمساجد.
ويقول خبراء إن القرار يحمل دلالات سياسية ورسائل للتيار السلفي وعدد من الدعاة المشاهير، بأن الحكومة لن تسمح لهم بالحشد، وتواجدهم في الساحة الدعوية مرهون بقرار إداري، وأي محاولة للخروج عن التوجهات الرسمية أو محاولة تحقيق مكاسب شخصية، تواجه بالمنع من الخطابة، باعتبار أن الأوقاف صاحبة الولاية على جميع المساجد الآن.
ويتوازى القرار الحكومي الأخير مع واقعة منع الداعية السلفي الشهير محمد سعيد رسلان من الخطابة الأسبوع الماضي، بعد مخالفته لموضوع الخطبة المقررة من الأوقاف. ورغم تراجع الوزارة عن قرارها أخيرا بعد تعهد رسلان بالالتزام بالقواعد الموضوعة، إلا أن تجميد عمل الداعية صاحب الظهير الشعبي الكبير في محافظة المنوفية (شمال القاهرة) فتح الباب لطرح سياسة الحكومة الجديدة، والتي لن تسمح بتكوين جبهات سلفية وكتل من المتابعين والمريدين يعيدون دعاة التيار الإسلامي إلى سابق دورهم كمراكز قوى ضاغطة على الحكومة.
الإطالة في الخطبة، وعدم الالتزام بموضوعها، وكأنهم يبعثون برسائل للناس بأن هذه المساجد لا تخضع لسلطة الأوقاف
ويساهم القرار بدور معتبر في ترجيح كفة الأوقاف مع تناحرها مع الأزهر، بعد أن فرض القرار الجديد سيطرته على الآلاف من واعظي الأزهر الذين يؤدون الخطبة بالمساجد الحكومية، ويتبعون إداريا لمؤسسة الأزهر، وهو ما قطع الطريق أمام مطالبات دعت إلى ضم المساجد إداريا للأزهر، باعتبار أن أغلب العاملين يتبعونها في الأساس، ما يقصي الأوقاف من أغلب سلطاتها ويجعل نفوذها مقتصرا على الأمور المالية فقط.
ويقول عمر حمروش عضو اللجنة الدينية بمجلس النواب، إن القرار جاء في الوقت المناسب، لأن بعض التيارات تحاول استغلال السماح لها بالخطابة، وتوظيف المنابر في الحشد، من خلال الإطالة في الخطبة، وعدم الالتزام بموضوعها، كأنهم يبعثون برسائل للناس، بأن هذه المساجد لا تخضع لسلطة الأوقاف.
ويضيف لـ”العرب” أن القرار “يقطع الطريق أمام العودة لفوضى المنابر أو خروجها على المنهج الوسطي، والسماح بتوظيفها سياسيا أو أيديولوجيا أو طائفيا أو مذهبيا، لصالح شخص أو حزب أو جماعة تحت أي ظرف أو ذريعة، وتلك أيام قد ولت ولن تعود، ولا مجال اليوم لمصطلح المسجد الأهلي”.
وأكد مسؤول رفيع بوزارة الأوقاف، رفض ذكر اسمه، لـ”العرب” أن الوزارة لديها خطة معدة لتغطية جميع المساجد، من خلال الأئمة المعينين فقط، وعندما تضطر لذلك سوف تطبقها، وتقوم على غلق الزوايا في خطبة الجمعة، والتوسع في منح رخص خطابة بالمكافأة الشهرية لخريجي الدفعات الحديثة من جامعة الأزهر، مع وعود بأولوية التعيين في المسابقات.
ويرى شكري الجندي عضو اللجنة الدينية بمجلس النواب، أن القانون منح الأوقاف الولاية على جميع المساجد، والوزارة لها الحق في تنظيم الشؤون الدعوية لكافة المساجد، وهذا حق مكفول بقوة القانون.
ويشير لـ”العرب” إلى أن “الضبطية القضائية الممنوحة لمفتشي الأوقاف تمكنهم من مراجعة وفرز الكتب في المساجد التي كانت تابعة للجمعيات، لأن الدعاة التابعين لجماعة الإخوان فرضوا قبل ثورة 30 يونيو عام 2013 كتبا معينة تخدم أيديولوجيتهم الفكرية وقدموها للشباب والناشئة المترددين علي المساجد، وكانت عناصر الجماعة تتولى مسؤولية الدعوة والدروس الدينية، لكن قرار الأوقاف صحح الأوضاع التي كانت ضمن معوقات تجديد الخطاب الديني”.
واستبدلت الأوقاف، في سابقة أولى، لافتات كبيرة على مداخل المساجد التابعة للجمعية الشرعية السلفية، بأخرى تحمل اسم “وزارة الأوقاف” قبل اسم المسجد، وتمت إزالة اسم الجمعية الشرعية من مداخل المساجد، التي كانت معاقل للجمعيات السلفية المتشددة.