الأوضاع الاقتصادية الراهنة لا تُرضي مواطني المنطقة العربية

الدوحة - يمر العالم بأزمة اقتصادية غير مسبوقة تأججت بفعل تداعيات جائحة كورونا وتلاها الركود في أسواق الطاقة الذي تزيده حدةً الحرب المستمرة في أوكرانيا. ولا تقتصر مظاهر هذه الأزمة على الدول الغربية فقط وإنما تبدو تأثيراتها جلية وأشد قسوة على شعوب المنطقة العربية وخاصة الدول محدودة الموارد.
ويُعتبر الوضع الاقتصادي أهم تحدٍ يواجه المنطقة، وينتشر التشاؤم الاقتصادي حول أوضاع الوقت الراهن والمستقبل القريب.
وأظهر استطلاع رأي، أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الثلاثاء أنّ الأوضاع الاقتصادية لمواطني المنطقة العربية “غير مُرضية على الإطلاق”.
وأعلن المركز العربي، في مؤتمر صحفي بالعاصمة القطرية الدوحة، الثلاثاء عن نتائج المؤشر العربي للعام 2022، والذي نفّذه في 14 بلدًا عربيًا (موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وفلسطين ولبنان والأردن والعراق والسعودية والكويت وقطر) بهدف الوقوف على توجهات الرأي العام العربي حيال مجموعة من الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبينت نتائج الاستطلاع أنّ الرأي العامّ العربي متوافق وشبه مجمع (بنسبة 84 في المئة) على أن سياسات إسرائيل هي المهدد الأول لأمن المنطقة واستقرارها، وتَوافقت نسبة 78 في المئة على أن السياسات الأميركية تأتي في المرتبة الثانية بعد إسرائيل كمهدد لأمن واستقرار المنطقة .
الرأي العام متفق على أن السياسات الأميركية تأتي في المرتبة الثانية بعد إسرائيل كمهدد لاستقرار المنطقة
وجاءت إيران وروسيا في المرتبة الثالثة بنسبة 57 في المئة، وحلت فرنسا رابعة بنسبة 53 في المئة، ويعتقد 44 في المئة من العراقيين أن إيران هي مصدر التهديد الرئيسي.
ووفق المركز، ذكر 17 في المئة من مواطني منطقة الخليج العربي أن إسرائيل تمثل التهديد الأكبر لبلدانهم، بينما أشار 14 في المئة منهم إلى أن إيران تمثل التهديد الأكبر.
وتنظر أغلب الأنظمة العربية وشعوبها إلى إيران بنظامها الإسلامي المتشدد على أنها مهدد لأمن واستقرار المنطقة، فهي تتدخل لدعم حلفائها في أغلب الدول المضطربة، مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، وتحاول توسيع نفوذها في المنطقة على حساب القادة الفعليين هناك.
وليست التدخلات الخارجية أو سياسات الدول العظمى التي تقود العالم وحدها المتسبب الرئيسي في الأزمات الاقتصادية الحادة التي تمر بها الدول العربية، بل لا تخلو أغلب دول المنطقة من المشكلات المحلية الكبرى والمزمنة، ومن أهمها السياسات المحلية الخاطئة والمتعثرة، بالإضافة إلى انتشار الفساد.
وأشار حوالي 52 في المئة من العرب إلى أن الأمور في بلدانهم تسير في الاتجاه الخاطئ، مقابل 42 في المئة يقرون بأنها في الاتجاه الصحيح.
وأجمع الرأي العامّ العربي على انتشار الفساد المالي والإداري عربيا، وأفادت نسبة 87 في المئة من هذا الرأي العام بأنّ الفساد منتشر بدرجات متفاوتة، ومقابل ذلك قالت نسبة 10 في المئة إنّه غير منتشرٍ على الإطلاق.
وأظهرت نتائج المؤشر أن الرأي العام العربي شبه مُجمع على تأييد الديمقراطية بنسبة 72 في المئة مقابل 19 في المئة معارضين، ورأت نسبة 46 في المئة من هذا الرأي العام أن ثورات الربيع العربي عام 2011 كانت إيجابية مقابل 39 في المئة اعتبرتها أمرا سلبيا.
وأوضح المؤشر العربي أنّ الرأي العامّ العربي منقسمٌ بخصوص فصل الدين عن السياسة وأن أعلى النسب لتأييد فصل الدين عن السياسة في لبنان والعراق، وأكثر الرافضين في موريتانيا وقطر.
84
في المئة من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل "لطبيعتها الاستعمارية والعنصرية والتوسعية"
وترهق بعض الأنظمة العربية شعوبَها بمختلف أشكال القمع، إلى درجة أن بعضها يوظف الدين في تقييد المجتمع وتكبيل تعامله مع الأوضاع السياسية والاقتصادية، حتى صارت تلك الأنظمة تتبادل مع شعوبها العداء الذي يؤجج الإضرابات والاضطرابات ويزيد الركود الاقتصادي. ولا ينفصل العداء المتبادل، رغم خصوصيته العربية، عن العداء الموجه إلى دولة إسرائيل والاتهامات الموجهة إليها بحياكة المؤامرات ضد بعض الدول العربية.
وطبقا للاستطلاع، رفض 84 في المئة من مواطني المنطقة العربية الاعتراف بإسرائيل “لطبيعتها الاستعمارية والعنصرية والتوسعية”، لافتين إلى أنه رغم اتفاقات التطبيع التي عقدت مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان فإن نسبة الذين وافقوا على الاعتراف بإسرائيل ارتفعت في مؤشر 2022 درجتين مئويتين مقارنة بنتائج مؤشر العامين 2019 و2020.
من ناحية أخرى تشهد المنطقة العربية منذ سنوات -وتحديدا منذ الربيع العربي وتأجج الصراعات والحروب في مناطق مثل اليمن وليبيا وسوريا، وتراجع مستوى المعيشة في بلدان شمال أفريقيا- موجات هجرة كبيرة، ولا تزال عمليات النزوح والهجرة غير الشرعية مستمرة رغم ما تبذله الحكومات من جهود للحد من ذلك.
وأبدى 28 في المئة من العرب رغبتهم في الهجرة لتحسين الوضع الاقتصادي، و16 في المئة بدافع التعليم، و11 في المئة لأسباب سياسية أو أمنية.
وتجدر الإشارة إلى أن الاستطلاع، الذي انطلق عام 2011، شمل هذا العام 33 ألفا و300 شخص ضمن عيّناتٍ ممثّلة للبلدان التي ينتمون إليها، ونفِّذ في الفترة الممتدة من يونيو حتى ديسمبر2022.
ويُعدّ هذا الاستطلاع، في دورته الثامنة، أضخم مسحٍ للرأي العام في المنطقة العربية من حيث حجم العيّنة وعدد البلدان التي يغطيها ومحاوره. وقد شارك في تنفيذه 945 باحثًا وباحثة، واستغرق ذلك أكثر من 72 ألف ساعة، وقطع الباحثون الميدانيون أكثر من 890 ألف كيلومتر من أجل الوصول إلى مناطق الوطن العربي التي ظهرت في العيّنة.