الأوروبيون يعرفون محمية وادي الجمال أكثر من المصريين

القاهرة - قد يكون الذهاب إلى محمية وادي الجمال، الواقعة على ساحل البحر الأحمر، أمرا شاقا، لكن بمجرد الوصول إليها ينسى الزائر أتعاب السفر، من شدة الانبهار بالمناظر الطبيعية الساحرة والخلابة، حيث تتناغم الجبال مع ساحل البحر الأحمر مكونة تناسقا في الألوان بين الأزرق للمياه، والأخضر للنباتات والأصفر للجبال والرمال، في صورة تبعث راحة وسكينة يعج بهما المكان.
السير في الليل داخل الوادي ليس أمرا مزعجا، فهناك النجوم التي تضيء المنطقة، والقمر الذي يبدو وكأنه لا يغيب عن سمائها، لكن ما يطمئن الزائر هو الخيام المنتشرة في ربوع المحمية، وبعض النيران التي تستخدم في التدفئة، خاصة عندما يخيم البرد على المكان، كما يمكن لأي شخص أن يصطحب خيمته ويجلس وسط الصحراء، ويعيش في عالم آخر من الهدوء.
لا يعيش في الوادي سوى قبيلتي العبابدة والبشارية، اللتين ترجع أصولهما إلى أقدم الشعوب التي عاشت بين البحر الأحمر ونهر النيل، تتركز أنشطتهما على الرعي واستغلال الأنواع النباتية في الغذاء والتجارة، وتسكنان في أكواخ تسمى “خيشة”، وهي عبارة عن هيكل بسيط مكون من جذوع النخيل، أو غيرها من عناصر الطبيعة المحيطة، مغطاة بأنواع مختلفة من القماش السميك.
بالترحاب والكرم، يستقبل أفراد القبيلتين زائري الوادي وبابتسامة تكسو بشرتهم السوداء، وفنجان من قهوة “الحينة”، أو عيش الجابوري المخبوز في الرمال، وبعد انتهاء الزائر من جولته يتجه إلى تفقد متحف كل قبيلة، لشراء الأعمال اليدوية لنسائها.
مع ظهور قيمة الوادي على المستوى الدولي، تحول شباب القبيلتين من مجرد رعاة وتجار، إلى مرشدين سياحيين لزوار المنطقة، أو منظمي رحلات السفاري، بالتعاون مع شركات السياحة، بينما تقوم نساؤهن بطهي وتجهيز الطعام البدوي وتقديمه للسائحين، بأسعار زهيدة.
محمية وادي الجمال لا تخلو من التراث الحضاري وآثار ما قبل التاريخ التي تتكون من رسومات صخرية تسجل أنشطة الإنسان
ترجع تسمية المكان الساحر بوادي الجمال إلى وجود نباتات بتلك المنطقة مستساغة للجمال التي تنتشر في المكان، وتتجمع في نهاية اليوم حول آبار المياه التي تحيط بها الوديان بأحجارها ذات الألوان المتنوعة، كأنها تحفة فنية رسمتها الطبيعة.
وتوجد في المكان أيضا عدة محميات، تتقدمها جزيرة وادي الجمال، وهي ثاني أكبر تجمع لطائر صقر الغروب، إضافة إلى محمية منطقة حنكوراب التي تتميز بالشواطئ والشعاب المرجانية٬ ومحمية منطقة القلعان، وتمتاز بوجود مساحات شاسعة من نبات المانجروف والعديد من أنواع الطيور المستوطنة والمهاجرة، ثم محمية جزر حماطة التي تتميز بأماكن لممارسة أنشطة السباحة والغوص.
أحمد راضي، باحث بيئي بالمنطقة، قال لـ”العرب” إن المحمية تمثل مزارا للأوروبيين أكثر من المصريين، لما تمثله من قيمة تاريخية وبيئية وإنسانية وأثرية، ويظل فصل الربيع أكثر فصول العام التي تشهد خلاله المحمية زيارات متعددة.
ويمكن للزائر التجول وسط الأشجار والنباتات النادرة التي يبلغ عددها 140 نوعا من النباتات، منها 125 نوعا ذات أهمية رعوية، و32 نوعا تستخدم في الطب التقليدي، 40 نوعا مستساغة للطعام أو كمشروبات، و11 نوعا كمصدر للوقود، إضافة إلى 8 أنواع تستخدم في صناعة المعدات والأثاث.
وتشكل الشعاب المرجانية على طول شاطئ المحمية جزرا مغمورة في وسط البحر، وتضم البيئة البحرية بعضا من أهم مراعي الحشائش البحرية في البحر الأحمر، وهي ذات قيمة خاصة لبعض الكائنات النادرة ولتكاثر الأسماك.
المحمية توفر أماكن للغوص ورؤية الشعاب المرجانية وبعض الجزر المتميزة التي تتجمع بها الطيور والسلاحف البحرية
منذ إعلان وادي الجمال، محمية طبيعية في العام 2003، بدأت الحكومة المصرية الاهتمام بالمنطقة، وجرى إنشاء رصيف للسفن بطول 40 مترا، تأخذ الزائرين بين أشجار المانجروف الشهيرة هناك، لمشاهدة الكائنات البحرية، وفصائل الأسماك الصغيرة، والطيور المستقرة حول المكان.
قال الباحث البيئي أحمد راضي، إن قيمة المحمية تكمن في ما تزخر به من ثروات طبيعية وموارد اقتصادية هائلة، فضلا عن المعالم الأثرية الدالة علي تعاقب الحضارات البشرية بالمنطقة، والعادات الثقافية والتراثية لسكانها، وتنوعها البيولوجي من حيوانات وزواحف وطيور ونباتات برية تنتشر بأوديتها، ومناظرها الطبيعية الخلابة وجبالها شاهقة الارتفاع والمظاهر والتكوينات الجيولوجية النادرة وعيون المياه ومصادرها الأرضية. إلى جانب ذلك، تضم المحمية زواحف وثدييات، تستمد قوتها من تنوع فصائلها وليس عددها، كما أن وادي الجمال يعتبر أكبر تجمع لصقر الغروب في العالم، وفي البحر ينتشر قرش “ويل شارك”، وسمكة “عروس البحر”.
ما بين الوادي، يعيش 24 نوعا من الثدييات البرية، حيث يأتي الغزال المصري في المقدمة، فيما تندر الحيوانات المفترسة في الوادي، الذي يغلب عليه انتشار الجمال في كل مكان، وتعيش بحرية مطلقة في بيئة توفر الغذاء والماء، إضافة إلى أن الوادي هو الموطن الأصلي للحمار النوبي ومنطقة تكاثر أساسية للدرفيل على ساحل الوادي.
توفر المحمية أماكن للغوص ورؤية الشعاب المرجانية وبعض الجزر المتميزة التي تتجمع بها الطيور والسلاحف البحرية.
لا تخلو محمية وادي الجمال من التراث الحضاري وآثار ما قبل التاريخ التي تتكون من رسومات صخرية تسجل أنشطة الإنسان في تلك الحقبة التاريخية. ويعتبر هذا التراث جزءا أصيلا من تكوينها البيئي والبيولوجي، كما أنها تضم تحت ثراها رفات العارف بالله أبي الحسن الشاذلي الذي أصبح مزارا سياحيا للمصريين والعرب والأجانب.