الأوروبيون يتخلصون من ثيابهم الشتوية في صحراء دبي

رحلات تختلط فيها المغامرة بالهدوء والسكينة، ونصف السياح يأتون إلى الإمارة لزيارة الصحراء وممارسة هواياتهم منها القيادة في الطرقات الوعرة والتزلج على الرمال والتخييم.
الأحد 2019/03/03
الدفء في الشتاء

اعتاد الأوربيون أن يقضوا عطلهم في الفنادق الفاخرة على الشواطئ خلاف فصل الصيف، لكن برد الشتاء في بلادهم دفع الكثير منهم إلى تغيير فترة إجازته للشتاء بعد أن اكتشفوا دفء الصحراء في العديد من الدول العربية، ومنها الإمارات، فدبي نجحت في تسخير الصحراء وجعلها متعة وإثارة وتشويق أكثر من الرحلات البحرية.

دبي - “لا نملك صحراء، لذلك لا نعرف معنى الشتاء الدافئ في أوروبا”، هكذا يستهل البريطاني توماس حديثه، وهو جالس في وضعية اليوغا، عن مزايا صحراء دبي في فصل الشتاء وبداية الربيع، قائلا، “الصحراء تشيع الشعور بالاتساع والرحابة، فضلا عن الهدوء والسكينة، فعند الغروب تحلّق النفس بعيدة عن الضغوطات اليومية وتمتد الرؤية إلى أفق غير محدود، في الصحراء لا توجد حيطان تزعج العين، ولا طرقات وإشارات مرورية تعطل التفكير والخيال”.

توماس منذ أن قدم للإمارات لضرورات العمل أول مرة منذ سنوات، صار ينظم عطلة شتوية كل سنة مع عائلته أو مع أصدقائه في الصحراء، يقضّى الأيام والليالي مفتونا بالغروب والنجوم في الليل، ليستيقظ فجرا لرحلة على ظهر جمل أو حصان.

وتشهد دبي في فصل الشتاء، قدوم أفواج من السياح العرب والأجانب الذين يعشقون الصحراء بهدوئها ومغامراتها، حيث يجد السياح فيها كل وسائل الترفيه والمخيّمات.

يقول العاملون بقطاع السياحة في الأمارات إن سياحة الصحراء في دبي ليست موسمية تقتصر على الشتاء والربيع بل هي على مدار العام، ومع كل عام تزداد أفواج السياح خاصة من أوروبا وروسيا الباردتين.

صحيح أن أفضل الأوقات لزيارة دبي يكون بين شهري أكتوبر وأبريل حيث يكون الطقس معتدلا فيها، بينما يكون موسم الذروة في يناير وفبراير، لكن السائح معتاد على درجات الحرارة، فدبي رائعة في كل الفصول.

أغلب السياح يودون أخذ صور تذكارية بالملابس الإماراتية التقليدية، كما تقوم النساء بالتزين بنقوش الحنة

واستقبلت دبي 15.92 مليون زائر في العام 2018، بزيادة قدرها 0.8 بالمئة عن العام الذي قبله، وتطمح الإمارة أن تستقبل 20 مليون زائر العام المقبل مع استضافتها معرض “اكسبو”، الأكبر في العالم.

واحتلت الهند المرتبة الأولى في أعداد الزوار (أكثر من مليوني زائر)، بينما حلّت السعودية ثانية (1.6 مليون زائر) وبريطانيا ثالثة (1.2 مليون زائر)، ولم تغب الجنسيات الأوروبية الأخرى عن دبي، لكن بأعداد يُتوقّع أن تزداد في المستقبل.

ويقول الخبراء السياحة الصحراوية، إن العطلة في دبي تلقى رواجا متزايدا بين الأوروبيين الذي لم يألفوا أجواء وطبيعة الصحراء، مؤكدين أن برامج الرحلات الصحراوية يشجع المكاتب السياحية على جلب أعداد أكبر من السياح، فأكثر من نصف السياح الذين يأتون إلى الإمارة، يطلبون القيام بزيارة الصحراء لممارسة هواياتهم المفضلة وهي متعددة منها ركوب والجبال والقيادة في الطرقات الوعرة، والتزلج على الرمال والتخييم.

ودبي التي تشهد حركة نشطة في مجال السياحة الصحراوية، تتميز أيضا بوجود منتجعات وفنادق صحراوية مريحة، تقدّم برامج ونشاطات تتنوع بين المغامرة في النهار والسهر في الليل على أنغام الموسيقى الشرقية.

ويعتبر السائح الايطالي جيوفاني ميلو، أن دبي التي تمتلك الصحراء والبحر مثل أغلب دول الخليج نجحت في تسخير الصحراء وجعلها متعة وإثارة وتشويق أكثر من الرحلات البحرية، مؤكدا أن الرحلات البرية إلى وسط طبيعة صحراوية، خلاّبة، تبعد ضغوط العمل وتبعث الراحة النفسية للإنسان.

سفاري الكثبان

تشهد أنشطة السفاري في صحراء دبي، إقبالا متزايدا من قبل السياح الأجانب، حيث أصبحت قبلتهم مع المقيمين في ظل المناخ المعتدل الذي تشهده الإمارة في هذه الفترة، يقول الخبراء إن البرامج الصحراوية تأتي في المركز الأول في حجم الطلب بعد جولة المدينة خلال فصل الشتاء، وتعدّ رحلة السفاري مطلب أغلب السياح الأجانب، بالإضافة إلى أنها باتت مطلب السياح المحليين والمقيمين أيضا خلال أيام العطل الرسمية.

يقول عصام كاظم، المدير التنفيذي لمؤسسة دبي للتسويق السياحي، إن دبي تحرص على توفير تجارب متنوّعة لزوّارها من مختلف الجنسيات والأعمار، وتلبّي تطلّعاتهم وأذواقهم، كما أنها متجدّدة دائما نتيجة مقوّماتها وعروضها السياحية المتعدّدة، وهو ما يساهم في تحفيز الزوّار على الإقامة مدّة أطول في المدينة للاستمتاع وممارسة العديد من الأنشطة والبرامج، بما فيها رحلات السفاري في الصحراء التي تجذب شريحة واسعة منهم مع تزايد الاهتمام بسياحة المغامرات.

وتنظم الشركات المتخصصة رحلات السفاري لاكتشاف جمال الصحراء أثناء الغروب والليل مع العديد من الأنشطة والفعاليات منها، ركوب الهجن والخيل بوتيرة بطيئة في رحلة قصيرة تفضلها العائلات الأوروبية، خاصة أثناء فترة الصباح الباكر أو مع غروب الشمس.

تقول السائحة الروسية سيفتيا زيياييف عن رحلتها على ظهر الجمل، “كانت لحظات جميلة وأنا أستمتع بهذا الصعود والنزول عبر الكثبان الرملية، في لحظات كنت أشعر بالخوف، ولكن بعد ذلك يتلاشى هذا الخوف ويحلّ محلّه الشعور بالسعادة”.

المخيمات السياحية الصحراوية وجهة مفضلة للسياح الأجانب
المخيمات السياحية الصحراوية وجهة مفضلة للسياح الأجانب

وتتم مختلف الأنشطة الصحراوية تحت إشراف مرشدين سياحيين عارفين بخفايا الصحراء، يقول الدليل السياحي حسين أسعد، “نقوم بمرافقة السياح، أولا لخبرتنا ومعرفة المواقع في الصحراء، وفي نفس الوقت لنقدّم صورة جميلة عن دبي وسحر الصحراء، ونحرص على تقديم الراحة والحفاظ على سلامتهم”.

وعن جمال الكثبان الذهبية تقول السائحة الإيطالية روزالبا بينو من روما، “لم أر مثل هذه الرمال وهذه الكثبان الجميلة الرائعة، فعلا كانت صور مدهشة وغاية في الجمال، صحيح أصابني الرعب في بداية الأمر وأنا على ظهر الفرس، لكن سرعان ما تبدّد هذا الخوف، عندما شاهدت صديقاتي وهن فرحات وسعيدات بزيارتهن للصحراء أول مرة”. تجدر الإشارة إلى أنّ ركوب الهجن لا يُسمح للنساء الحوامل أو الذين يعانون من آلام الظهر؛ كما لا يُسمح للأولاد دون عمر السادسة ركوب الهجن وينبغي أن يرافقهم أهلهم أو الأدلاء السياحيين

وتعقّب صديقتها باربارا ليسيليو، ”السياحة الصحراوي قمة الروعة لأنها تجمع بين الرهبة والاستمتاع، وبين الخوف والفرح، لكن في الأخير نحصل على المتعة”.

وعندما تذكر رحلات السفاري يتبادر إلى ذهن السائح القيادة السريعة على التلال الرملية، فهذه المتعة المرتقبة تحتلّ حصة الأسد في الصحراء، وتكون بوساطة سيارات رباعية الدفع، وشرطها الأول التأكد من ربط حزام الأمان، والشرط الثاني الثقة بالقيادة الآمنة، وعيش المغامرة بجنونها من لحظة الانطلاق حتى العودة.

الصحراء تجمع بين الرهبة والمتعة
الصحراء تجمع بين الرهبة والمتعة

يقول كريم الذي يعمل دليلا سياحيا وسائق سيارات الدفع الرباعي بعد أن تلقّى دورات تدريبية لفن قيادة السيارة في الصحراء، إن رحلة السفاري إلى الصحراء تضمن متعة المغامرة بقيادة السيارات

الدفع الرباعي، مضيفا أن هذه الرحلات في أجواء الطبيعة ذات الكثبان المثيرة تجذب جميع السياح، إلا أن الأوروبيين يعتبرون من أوائل السياح الذين يتمتعون بهذه الرحلة، ثم يأتي بعدهم اليابانيون. وتختصر القيادة على الكثبان الرملية كل التشويق والإثارة، حيث تسير المركبات بسلاسة وروعة فوق الكثبان الرملية، وغالبا ما توصف بأنها أفعوانية الصحراء. ويتمثل أروع جزء من تجربة القيادة على الطرق الوعرة بالتوقف وسط الصحراء لتأمل أجمل المعالم الطبيعية.

وتتحدث البريطانية سوزان عن مشاعر التشويق التي رافقتها عند خوض تجربة الانزلاق من داخل السيارة رباعية الدفع، وتقول، إنها لم تكن تتوقع جمال المغامرة التي عاشتها، وبالرغم من أنها كانت خائفة في البداية، غير أنها وبمجرد الهبوط مرة ومرتين وثلاثا صارت تستمتع بما تفعله، وأكثر ما تفاخر فيه تلك الصور التذكارية التي كلما نظرت إليها استعادت معها لحظات من الإثارة والاستمتاع.

ومن ضمن النشاطات الأخرى التي يمكنك ممارستها في رحلة سفاري الصحراء هو ركوب الدراجات الرباعية، والتزحلق على الرمال والمنطاد.

يقول الإيطالي سيلفيو، أنه لم يترك نوعا من أنواع الرياضات إلا وخاضها، بدءا من الركوب على الجمال لمسافات بعيدة، إلى الرماية وركوب سيارات الدفع والطلب من السائق بالقيادة بأقصى سرعة.

الليل في حضن الصحراء

ليلة زاهية
ليلة زاهية

الصحراء تجمع بين الرهبة والمتعة، هكذا يقول أغلب السياح الأجانب عن تجربتهم خاصة بعد أن قضّوا الليالي يتأمّلون النجوم، حيث تتوفر مخيمات ذات طابع تقليدي تجسّد البيئة الإماراتية القديمة لكنّها مجهّزة بكافة المتطلّبات.

في الليل توقد النار ليتناول السياح وجبة العشاء وهم يسترخون على السجاد متكئين وسائد تقليدية، وحين يلبس أغلب السياح الأزياء التقليدية يعود بهم الزمن إلى أجواء ألف ليلة وليلة، كما يقول الألماني سام ميروي الذي يرى في أصدقائه بجانبه في العباءة والعقال وكأنهم شيوخ قبائل اجتمعوا على ليلة فرح، يقول سام، “بعد تخميرة على الموسيقى الصوفية تزداد الأجواء سحرا حين تنطفئ كل الأضواء في المخيم، أحمل حقيبتي نومي لأجلس بعيدا عن
المخيم قليلا مع المرشد أتأمل معه النجوم، شارحا لي كيف كانت تُستخدَم لمعرفة الاتجاه والوقت، بعد ذلك أتمدد في حضن الصحراء وهدوئها أعدّ النجوم إلى أن يأخذني النوم حتى الصباح”.

وتقدّم أغلب المخيمات أجواء شرقية وأكلات شعبية وخبز التنور وموسيقى تراثية وملابس تقليدية من الكندورة والغترة والعقال والعباءة والشيلة، حيث يودّ أغلب السياح أخذ صوراً تذكارية بالملابس الإماراتية، كما تقوم النساء بالتزيّن بنقوش الحنة.

16