الأنظمة الإيكولوجية المحيطية تنتج نصف الأكسجين

الأمم المتحدة تسعى للتوصل إلى معاهدة لحماية أعالي البحار.
السبت 2023/02/18
البحث عن النفايات

تسعى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في لقائها الاثنين لتحقيق التوصل إلى اتفاق يحمي البحار والمحيطات لتحسين الإشراف البيئي على المنطقة الشاسعة التي تمتص أكثر من 90 في المئة من حرارة الكوكب لكنها تواجه تحديات متزايدة وتفتقر إلى القواعد التنظيمية.

نيويورك - تلتقي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الاثنين المقبل في نيويورك سعيًا للتوصل إلى معاهدة بشأن أعالي البحار طال انتظارها، ما يشكل خطوة مهمة لتحقيق هدف حماية 30 في المئة من الكوكب بحلول عام 2030.

وأشارت دراسة حديثة نشرت مؤخرا في مجلة “التقدمات في علوم الغلاف الجوي” إلى أن العالم واصل مشاهدة وصول حرارة المحيطات إلى أرقام قياسية جديدة، حيث كان عام 2022 هو الأكثر دفئا في تاريخ البشرية المسجل.

وتعد حرارة المحيطات مؤشرا رئيسيا لقياس تغير المناخ لأن المحيطات تمتص أكثر من 90 في المئة من حرارة الكوكب. وبحسب الدراسة فإن زيادة حرارة المحيطات هي دليل آخر على ظاهرة الاحترار العالمي.

حرارة المحيطات تُعدّ مؤشرا رئيسيا لقياس تغير المناخ لأنها تمتص أكثر من 90 في المئة من حرارة الكوكب

وبعد أكثر من 15 عامًا من المحادثات غير الرسمية ثمّ الرسمية، يجتمع المفاوضون للمرة الثالثة خلال أقلّ من عام في جلسة يُفترض أن تكون الأخيرة، لكن هذه المرة ومع اقتراب موعد المناقشات التي تستمرّ أسبوعين، يسيطر تفاؤل حذر على الأجواء.

وتقول ليز كاران من منظمة “بيو تشاريتابل تراستس” غير الحكومية “منذ أن فشل التوصل إلى اتفاق في الصيف الماضي أُجريت الكثير من المناقشات بين الوفود لمحاولة التوصل إلى تسوية بشأن المشكلات الشائكة التي لم يتمّ حلّها في أغسطس، على مستوى لم نرَ مثله من قبل”.

وتضيف “بالتالي فإن ذلك يعطي الكثير من الأمل بأن (…) يكون هذا الاجتماع الأخير”.

مختبرات لصحة المحيطات
مختبرات لصحة المحيطات

ويعزز هذا الأمل انضمام الولايات المتحدة في يناير إلى هذا التحالف من أجل بلوغ المعاهدة “الطموح العالي” الذي يقوده الاتحاد الأوروبي.

وأشار المفوّض الأوروبي للبيئة فيرغينيوس سينكافيتشوس إلى أن التحالف المؤلف من 51 دولة يتشارك “هدف توفير حماية عاجلة للمحيطات”، معتبرًا الاجتماع الجديد “حاسمًا”.

وتبدأ منطقة أعالي البحار من النقطة التي تنتهي فيها المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، على بعد 200 ميل بحري (370 كيلومترا) كحدّ أقصى عن الساحل. وهي لا تخضع لأي ولاية قضائية وطنية من الدول.

وتشكّل منطقة أعالي البحار أكثر من 60 في المئة من المحيطات وحوالي نصف الكوكب ومع ذلك لم تحظ باهتمام كبير لفترة طويلة، مع تركّز الانتباه خصوصًا على المناطق الساحلية وبعض الأنواع المعروفة.

وتوضح ناتالي راي من “هاي سيز ألاينس” (تحالف أعالي البحار) الذي يضمّ نحو أربعين منظمة غير حكومية، أنه “ليس هناك سوى محيط واحد، ومحيط بصحة جيّدة يعني أن الكوكب بصحة جيّدة”.

وتؤدي المحيطات الأكثر دفئا إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وطقس أكثر تطرفا في شكل عواصف وأعاصير قوية. كما أنها تصبح أقل كفاءة في امتصاص الكربون، ما يتسبب في بقاء المزيد من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الإنسان في الغلاف الجوي ليؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحترار العالمي.

وقد أثبتت الدراسات العلمية أهمية حماية الأنظمة الإيكولوجية المحيطية بالكامل، فهي تنتج نصف الأكسجين الذي نستنشقه وتحدّ من الاحترار المناخي من خلال تخزين جزء كبير من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الأنشطة الصناعية.

كنز من الهواء والغذاء
كنز من الهواء والغذاء

غير أن الخدمات التي توفّرها للبشرية باتت عرضة للخطر نتيجة الاحترار وتحمّض المياه والتلوّث على أنواعه والصيد الجائر.

وتؤكد راي أنه “لا يمكننا أن نضمن الصحة الجيّدة للمحيط، عبر تجاهل ثلثيه”، معتبرةً بذلك أن الفشل في التوصل إلى معاهدة سيشكل “كارثة”.

وترى أن المعاهدة التي ينبغي التوصل إليها “ستمثل مرحلة أساسية لتحقيق هدف حماية 30 في المئة من الكوكب بحلول 2030”.

وفي اتفاق تاريخي في ديسمبر، تعهّدت دول العالم بحماية 30 في المئة من مجمل الأراضي والمحيطات بحلول عام 2030. ولا يمكن رفع هذا التحدي بدون تضمين أعالي البحار التي لا تتمّ حماية سوى 1 في المئة منها حاليًا.

وتتمثل إحدى الركائز الأساسية للمعاهدة حول “الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري واستخدامه بشكل مستدام خارج نطاق السلطات الوطنية”، في إنشاء مناطق بحرية محمية في المياه الدولية.

Thumbnail

وهذا المبدأ مدرج في مهمة المفاوضات التي صوّتت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017، لكنّ الوفود لا تزال منقسمة حول آلية إنشاء هذه المحميات، وكذلك حول طرق تطبيق الالتزام بتقييم تأثير الأنشطة المقرر إجراؤها في أعالي البحار على البيئة.

ومن المسائل الحسّاسة الأخرى، توزيع العائدات التي قد تتأتّى من استغلال الموارد الجينية في أعالي البحار التي تأمل الشركات الصيدلانية والكيميائية وتلك المطوّرة للمستحضرات التجميلية الاستفادة منها.

وتبقى الأبحاث المنفّذة في أعالي البحار والمكلفة جدًّا حكرًا على البلدان الأكثر ثراءً راهنًا، غير أن البلدان النامية لا تريد بدورها أن تفوّت عليها الإيرادات التي قد تدرّها الموارد البحرية التي ليست ملكًا لأحد.

وخلال جلسة المفاوضات الأخيرة في أغسطس، اتّهم مراقبون الدول الغنية ولاسيما الاتحاد الأوروبي بالانتظار حتى اللحظة الأخيرة للتصرّف.

ومع هذه المعاهدة المعقّدة والواسعة التي ينبغي أيضًا أن تُطبّق بالتنسيق مع منظمات أخرى تسيطر حاليًا على أجزاء من المحيطات والصيد والتعدين في قاع البحار، يكمن الشيطان في التفاصيل، وفق مدافعين عن المحيطات.

ويعتبر الباحث غلين رايت من معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية أن فشلًا جديدًا في التوصل إلى اتفاق سيشكل “خيبة أمل كبرى” غير أنه “في نهاية المطاف، سيكون من الأفضل أخد وقت أكبر لضمان التوصل إلى اتفاق متين له زخم سياسي، بدلًا من التسرّع في تبني اتفاق أقلّ جودة”.

16