الأمير عبدالقادر الجزائري في مرسيليا

ما يزال الأمير عبدالقادر الجزائري في ذاكرة الجزائريين كبطل قاوم الاستعمار من أجل تحرير شعبه فيما اعتبره الفرنسيون بطلا أيضا لكن فرنسا هزمته، واليوم ينظم متحف حضارات أوروبا والبحر المتوسط معرضا للأمير في محاولة لتقريب الذاكرتين الجزائرية والفرنسية.
مرسيليا (فرنسا) - يشكّل معرض في مرسيليا عن الأمير عبدالقادر الجزائري (1808 - 1883) حدثاً يندرج في إطار السعي إلى التقريب بين الذاكرتين الجزائرية والفرنسية، إذ يمثّل هذا المفكر للجزائريين بطلاً قومياً، فيما كان يُنظر إليه طويلاً في فرنسا على أنه مقاتل هزمته الإمبراطورية الاستعمارية.
وذكّرت كامي فوكور، وهي من القيّمين على المعرض الذي انطلق الأربعاء ويستمر حتى أغسطس في متحف حضارات أوروبا والبحر الأبيض المتوسط في مرسيليا (جنوب شرق فرنسا) بأن الأمير عبدالقادر “هو بالنسبة إلى الجانب الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية الأولى ومقاتل ومقاوم، أما بالنسبة إلى الفرنسيين فكان يُصوّر في مطلع القرن العشرين في الكتب المدرسية على أنه ألدّ أعداء فرنسا. ويمكننا القول اليوم إن ثمة قدراً كبيراً من عدم المعرفة به”.
أما المنسقة الأخرى للمعرض فلورانس هودوفيتش فقالت “حاولنا أن نظهر كل غنى شخصية الأمير وتشابكها، من خلال العودة إلى معظم جوانب حياته، من مرحلة المقاومة التي أثبت نفسه فيها كرجل تخطيط عسكري، إلى دوره كرائد في حقوق الأسرى، وكذلك إلى مرحلة اعتقاله في فرنسا، وعلاقته بالروحانية والحداثة وقدرته على الحوار”.
و فوكور وهودوفيتش لا تخفيان طموحهما إلى التقريب بين الذاكرتين الفرنسية والجزائرية في شأن الأمير عبدالقادر، انطلاقاً من هدف المتحف المتمثل في التعريف بثقافات البحر الأبيض المتوسط بشكل أفضل. وهما تأملان أيضا في إقامة هذا المعرض في الجزائر، وتقولان “لقد أبدينا هذه الرغبة، وإذا كان تحقيق هذا المشروع معقداً، فإن المتحف منفتح على أي اقتراح”.
ولد مشروع المعرض من لقاء عام 2019 بين رئيس المتحف جان فرنسوا شونييه والكاهن السابق لرعية حي مانغيت الشعبي في ضواحي مدينة ليون الأب كريستيان ديلورم الذي يؤدي دوراً فاعلاً في الحوار بين الأديان.
ومع أن الأمير عبدالقادر كان ينطلق من العقيدة الإسلامية وتقاليدها، ويستمد سلطته من الشريعة، كان يحرص دائماً على الحوار مع ممثلي الديانات الأخرى. وفي العام 1860، لجأ إلى دمشق، وأنقذ مسيحيين خلال أعمال شغب كانت تستهدفهم ما أكسبه مكانة دولية وأوسمة، من بينها وسام “جوقة الشرف”.
وأيّد الأمير عبدالقادر الذي كان منفتحاً على الحداثة مشروع قناة السويس، وكان يرى أنه يفتح الطريق أمام حوار بين الشرق والغرب.
ووصف الأب كريستيان ديلورم الأمير عبدالقادر بأنه “شخصية محرِرة عظيمة. وكما مانديلا بعد قرن، كان مناضلاً من أجل العدالة ولم يتخل يوماً عن إمكان حصول مصالحة مستقبلاً”.
ولاحظ ديلورم أن صورة عبدالقادر تمثّل “كرامة الجزائر وكرمها” معتبراً أنه كان بمثابة “معلَم” و”شخصية وسيطة من أجل التوحيد”. ومنذ عام 2007، دأب ديلورم على جمع أشياء ذات صلة بالأمير عبدالقادر، من صحف ونقوش وكتب وصور ورسائل، أعطاها لمتحف مرسيليا.
ويضم المعرض ما مجموعه 250 عملاً ووثيقة مقسمة إلى خمسة أقسام توضح حياة الأمير عبدالقادر، حصل عليها من مجموعات فرنسية ومتوسطية عامة وخاصة، وبينها قسم كبير لم يُعرض أو ينشر من قبل.
ومن أبرز هذه المعروضات “معاهدة تافنة” التي وقعها قائد القوات الفرنسية الجنرال بوجو والأمير عبدالقادر عام 1837 والتي أعطت الأخير السلطة على جزء كبير من الجزائر.
وفي المعرض أيضاً نص تعهده الرسمي في الثلاثين من أكتوبر 1852 للوي نابليون بونابرت عدم ممارسة أيّ سلطة سياسية أو عسكرية وعدم العودة إلى الجزائر، في مقابل إطلاق سراحه بعد خمس سنوات من الأسر.
كذلك يعرض للمرة الأولى “كتاب المواقف في التصوف والوعظ والإرشاد”، وهو مجموعة من الأفكار والتجارب التي كرّس لها الأمير عبدالقادر جانباً من حياته.
ويشمل المعرض أيضاً عدداً من صور الأمير، من بينها أول صورة التقطها المصور غوستاف لو غراي في أمبواز عام 1851، بالإضافة إلى متعلقات شخصية ومنها قفطان أبيض.