الأمير الحسين وجه مبتسم لجيل أردني مقطب الحاجبين

ولي العهد أمام تحديات كبرى أبرزها يتعلق بجيله من الشباب اليائس.
الأربعاء 2023/06/21
هل يحمل الملك القادم حلولا لجيله من الشباب؟

يقدم النظام الأردني الحاكمُ وليَّ العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ملكا مستقبليّا، لكنه ملك يواجه منذ الآن تحديات كبيرة في مجتمع يطغى عليه الشباب، الذين هم من جيله، ويواجهون صعوبات اقتصادية كبرى في المملكة التي تقاوم لوضع خطط إصلاح وتنمية بينما يختار عدد كبير منهم الهجرة على البقاء في البلاد.

عمان (الأردن) - لاحظ زوار الأردن هذا الشهر إضافة جديدة للصور الملكية على الطرق السريعة والمستشفيات. ويرى سائقو السيارات العالقون في حركة المرور في عمان لافتات تحمل صور ولي العهد الأمير الحسين البالغ من العمر 28 عاما وعروسه السعودية رجوى آل سيف.

الأمير الحسين ولد عام 1994. وهو الابن الأكبر للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وسمي وليا للعهد في الثاني من يوليو عام 2009، كما عيّن نائبا للملك عدة مرات. كما يظهر خلال زيارات عمل رسمية إلى دول عربية وأجنبية.

وجسّد حفل زفافهما الملكي ذروة جهود النظام الملكي الذي يحكم الأردن منذ العام 1921 لتأسيس الحسين كوجه للجيل القادم في الأردن، وملك المستقبل الذي يمكنه تحديث البلاد وإطلاق عنان مواهب الشباب، في بلد فيه ما يقرب من 10 ملايين شخص هم دون سن الثلاثين.

لبيب قمحاوي: ولي العهد يواجه تحديا من داخل الأسرة الحاكمة والقبائل
لبيب قمحاوي: ولي العهد يواجه تحديا من داخل الأسرة الحاكمة والقبائل

لكن أمل التغيير ضئيل في شوارع الأحياء الفقيرة في العاصمة عمان وفي الريف. ويبقى ما يقرب من نصف الشباب الأردني عاطلا عن العمل. ويريد الذين لهم إمكانيات العيش في الخارج. ويتذمر كثيرون ولكن القليل منهم يتحدثون بينما تسارع الحكومة إلى قمع تلميحات المعارضة.

ويعدّ الضغط الاقتصادي والقمع السياسي شائعين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومثلما يحدث في مصر والعراق وتونس، ترك القطاع العام في الأردن المتضخم للدولة القليل لتنفقه على الصحة والتعليم. وتقوّض الجهود المبذولة لإبطاء التوظيف العام وخفض الإعانات العقد الاجتماعي الذي أبقى المواطنين ممتثلين. ويلوم الكثير المسؤولين الفاسدين والحكام بشكل متزايد، على بؤسهم.

وتواجه المملكة الهاشمية فقرا متزايدا أيضا. وقال البنك الدولي إن معدل الفقر في الأردن (نسبة الذين ليس لديهم ما يكفي من المال لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والملبس والمأوى) ارتفع من 14 في المئة سنة 2010 إلى ما يقرب من 16 في المئة سنة 2019.

ورصدت الحكومة الأردنية مخصّصات لزيادة شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع قاعدة المنتفعين من صندوق المعونة الوطنية، حيث تم رصد مخصصات زيادة لصندوق المعونة الوطنية بنسبة 38 في المئة، في محاولة للتخفيف من آلام الأردنيين الاقتصادية، إلا أن هذه الخطوات تظل ترقيعية وغير قادرة على بلوغ أهدافها.

ويحاول ولي العهد تحسين أوضاع الشباب، فمند عام 2015، أسس الأمير الحسين مؤسسة ولي العهد تحت رؤية هي “شباب قادر لأردن طموح“. وأطلق من خلال هذه المؤسسة مبادرات متعدّدة، تركز على دعم الشباب وتطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات، وقطاع السياحة وعدد آخر من القطاعات الحيوية.

رغم ذلك، قال الأستاذ الأردني في العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت طارق التل “تتراجع قاعدة الدعم، وللحسين مهمة صعبة عليه تحقيقها”. وبينما حقق الزفاف الملكي الذي انعقد مطلع شهر يونيو الجاري إثارة مؤقتة في الأردن، سلّط حضور الأمير الفاخر وضيوفه الضوء على الهوة الشاسعة بين حياته المتميزة ومعاناة الأردنيين اليومية.

تحديات الابتكار

الفقر يزيد التحديات في الأردن
الفقر يزيد التحديات في الأردن

كانت المدرسة الحكومية مخيبة للآمال بالنسبة لجاسر الحراسيس البالغ من العمر 28 عاما. لم يكن هناك ما يكفي من المدرسين. وكان الطلاب بلا هدف. وقال الحراسيس إنه كان سيصبح مثلهم لولا منحة دراسية مكنته من التدرب على الذكاء الاصطناعي.

وأدهشه أن المدارس الأردنية كانت تدرّس بالحفظ، مما يحول الأطفال الفضوليين إلى نسخ منضبطة في زمن يشهد تغيرا تكنولوجيا مذهلا. وانطلق مع بعض أصدقائه في تطوير برنامج لتعليم الروبوتات في المدارس الحكومية “الفاشلة” في الأردن.

وتدرب شركتهم المسماة “روبوتنا” الآن الآلاف من الطلاب على الصعيد الوطني. وتقدم دورات لمدارس النخبة الخاصة مقابل رسوم لتمويل فصول مجانية في المناطق الفقيرة، مما جعلها تحصل على لقب “روبوتهود”.

وقال الحراسيس من مكتب روبوتنا الواقع شرق عمان “الأردن متأخر بالفعل، وسنفوّت المزيد من الوظائف إذا لم نلحق بالركب”. وجلس موظفو الشركة حول أجهزة الكمبيوتر لتطوير منهج عالي التقنية سيعرضونه على وزارة التعليم قريبا. وأضاف الحراسيس “أريد أن تكون الأمور مختلفة لأناس مثلي، وللجيل القادم”.

لكن العقبات تقف في الطريق، حيث يمكن أن يعني الفشل عقوبة السجن إذا لم يمكن سداد الديون في بلد لا يوجد فيه قانون للإفلاس. وقال الحراسيس إن سلطات الضرائب الأردنية تعامل المؤسسات الاجتماعية كشركات كبرى، حيث تخسر روبوتنا 36 في المئة من إيراداتها بسبب الضرائب كل عام.

ويمنع المسؤولون التقليديون الحراسيس وزملاءه من دخول المدارس. وقال إنهم لا يستطيعون فهم “سبب أهمية الروبوتات، ولماذا تعدّ التكنولوجيا هي المستقبل”.

ولمواجهة تحديات الابتكار في الأردن، يدرس أقرانه اللغة الألمانية ويتقدمون إلى الجامعات هناك أو ينتقلون إلى مدينة دبي الإماراتية. لكن الحراسيس يعد بالبقاء في الأردن والاستمرار في بحثه عن الحلول. وقال “إذا كان بإمكانك إنشاء شركة في الأردن، يمكنك أن تبدأ شركة في أي مكان”.

البطالة

حفل الزفاف ذروة جهود النظام الملكي لتقديم الحسين كوجه للجيل القادم في الأردن، وملك المستقبل الذي يمكنه تحديث البلاد وإطلاق عنان مواهب الشباب
حفل الزفاف ذروة جهود النظام الملكي لتقديم الحسين كوجه للجيل القادم في الأردن، وملك المستقبل الذي يمكنه تحديث البلاد وإطلاق عنان مواهب الشباب

يبدو سيف البزعيّة البالغ من العمر 20 عاما وهو يحتسي القهوة ويرتدي سروال الجينز العادي طالبا جامعيا. لكنه رأى أبناء عمومته يقضون سنوات وينفقون ثروات في الجامعة دون أن يجدوا عملا في النهاية، فانتقل مباشرة إلى العمل بعد المدرسة الثانوية. وكان راتب والده في مصنع الصلب بالكاد يغطي تكاليف الأسرة.

وقال البزعيّة من مسقط رأسه في القطرانة، التي تبعد حوالي 95 كيلومترا جنوب عمان، “تنظر إلى كل هؤلاء الأشخاص الذين يدرسون ليصبحوا مهندسين وأطباء، لكنهم لا يجدون أي شيء في نهاية اليوم”.

وحين لم يجد عملا في قريته الصحراوية، جرب حظه في عمان، حيث يعيش 40 في المئة من الأردنيين. وأنفق رواتب دوامات 12 ساعة قضاها في محطات الوقود والمطاعم ومحلات السوبر ماركت على بضع علب من السجائر.

لم يكن حال زملائه السابقين أفضل. وقال إنهم وجدوا الأمان في الدين والتوافق الاجتماعي بدلا من حساب مشاكل البلاد والدفع نحو مستقبل أكثر إشراقا. وتابع أن “الحلم الأكبر بالنسبة للأردني العادي هو مجرد شراء سيارة، والاستقرار، والزواج. إنها الطريقة الوحيدة التي يمكن للناس أن يعيشوا بها تحت الضغط”.

قدم الزفاف الملكي هذا الشهر للبلاد راحة قصيرة من هذا الضغط. لكن بعد أسبوع، وصف البزعيّة وآخرون في القطرانة الشعور بالتخلف عن ركب حياة القصر. وقال “من الواضح أن في الأردن فئتين، تلك المغمورة بالمال وتلك التي لا تملك منه شيئا”.

وعُلّقت في غرفة جلوس أحد زعماء القبائل في ضواحي المدينة صورة للأمير حمزة المثير للجدل، وهو الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني. وكانت على الحائط بجانب صور أفراد العائلة المالكة.

ولا يزال حمزة، ولي العهد السابق الذي وُضع رهن الإقامة الجبرية في 2021 بعد أن ذكر وجود فساد على مستوى عال، يتمتع بدعم قوي من القبائل الأردنية الغاضبة. وكثف النظام الملكي جهوده لتلميع صورة الحسين العامة وترسيخ دوره باعتباره الوريث الشرعي منذ أزمة القصر. وقال المحلل السياسي لبيب القمحاوي “يأتي التحدي الذي يواجه مستقبل ولي العهد كملك من داخل الأسرة والقبائل الأردنية”.

التعليم

أمل التغيير ضئيل في شوارع الأحياء الفقيرة في العاصمة عمان وفي الريف. ويبقى ما يقرب من نصف الشباب الأردني عاطلا عن العمل

حدق مدرس اللغة العربية البالغ من العمر 27 عاما عبر الوادي من شرفته الأمامية في شمال الأردن نحو مبنى من الخرسانة والفولاذ. وكان هذا المنظر تذكيرا قاتما بالتهديدات الموجهة إليه هو وزملائه الذين قبع بعضهم هناك، في السجن المحلي، خلال الأشهر الأخيرة.

وقال المعلم الذي تحدث إلينا شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام “كانت للتدريس مكانة محترمة في السابق ولكنه أصبح الآن مرعبا”.

وقمعت الحكومة الأردنية احتجاجات المعلمين الراغبين في الحصول على رواتب أفضل، وهو اتجاه يتعارض بشكل متزايد مع صورة النظام الملكي المتبني للقيم الغربية الليبرالية.

وحلّت السلطات نقابة المعلمين في 2020، وحكمت على نشطاء بارزين بالسجن. ولا يجرؤ أحد الآن على الشكوى. ويعرف الجميع أن الكلمة الخطأ في الفصل الدراسي أو على فيسبوك يمكن أن تدمر حياتهم.

ويقال إن نقابة المعلمين التي تأسست حديثا والمتحالفة مع الحكومة تراقب أعضاءها وتحرم المعلمين الصريحين من الترقيات وتدفع أصحاب الأفكار السياسية إلى التقاعد المبكر.

في الأثناء، قال المعلم إن الاقتصاد المتعثر تسبب في خسائر فادحة، وقال إن راتبه البالغ 400 دينار (564 دولارا) شهريا لا يمكّنه من مواكبة ارتفاع الأسعار، مما يجبره على العمل في وظائف مختلفة لتغطية نفقاته.

وتساءل “كيف يمكن للقادة بثّ هذه الشعارات حول التقدم والازدهار بينما لا يستطيع المعلمون في البلاد التعبير عن آرائهم؟”.

رغبة في الهجرة

pp

تجلس مريم هديب البالغة من العمر 29 عاما في المقاهي في حي عبدون الراقي في عمان، وتعمل على حاسوبها المحمول وتجمع البيانات عن اللاجئين السوريين.

وتعتبر نفسها “محظوظة” لشغل وظيفة أحلامها في منظمة إغاثة دولية. ويتسابق زملاؤها من خريجي الأدب الإنجليزي على مناصب تدريسية منخفضة الأجر، أو يطلبون خدمات في الشركات التي تديرها الدولة أو يتنافسون على فرص عمل نادرة في القطاع الخاص الأردني.

لكن المسار لم يكن سهلا حيث تتطلب المنظمات الأجنبية إتقان اللغة الإنجليزية ومهارات بحثية عالية. ولا يستطيع معظم الأردنيين نيل هذه الوظائف. وتبدو الطالبة هديب المنتمية إلى حي وعائلة ميسورين مثالا

لقصة نجاح أردنية. لكنها لا تستطيع رؤية مستقبل في وطنها. وتدهورت المدارس والمستشفيات العامة التي كانت تذهب إليها عندما كانت طفلة. ولا تجد راحة من الإحباطات اليومية التي تشمل ارتفاع الأسعار والضرائب وتدني الرواتب ومستوى المعيشة.

ليست هديب وحدها، حيث حدد الباروميتر العربي أن ما يقرب من نصف الشباب الأردني يريدون المغادرة، مما يثير مخاوف من أن المملكة قد تدفع الأشخاص الذين هي في أمس الحاجة إليهم بعيدا. وقالت هديب “أحب الأردن… لكنني رأيت ما يكفي”.

7