الأمويون الجدد: هكذا يرى الشرع إعادة تأسيس سلطة الدولة السورية لما بعد الأسد

دمشق - يتفق جل من يعرف أحمد الشرع، الرئيس السوري، تقريبا على نقطة واحدة، فهو منشغل منذ زمن بفكرة إنشاء كيان سني. وليست هذه الفكرة جديدة. فطالما دعا السنة في العراق إلى مثل هذا الكيان على شكل إقليم فيدرالي يمكّنهم من تجنّب سيطرة الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد.
وتبنى الشرع هذه الفكرة أثناء وجوده في إدلب، حيث أعلن خلال اجتماع متلفز مع وزراء حكومة الإنقاذ في يوليو 2022 أن هدف الثورة قد تحول من مجرد إنهاء الاستبداد والقمع إلى "إنشاء كيان سني."
وتتمتع سوريا بأغلبية سنية واضحة على عكس العراق. وبالنظر إلى القمع التاريخي الملحوظ للسنة في ظل نظام الأسد بقيادة العلويين، يتردد صدى تركيز الشرع على تحويل سوريا إلى مركز للسلطة السنية في الرأي العام. لكن القائد السوري يواجه مشكلة جوهرية تتجسّد في 25 في المئة من مساحة سوريا، فهي ليست سنية ولا عربية.
ومن غير المرجح أن يقبل العلويون والأكراد والدروز والمسيحيون والتركمان والشركس والإسماعيليون التهميش في دولة تتعارض هويتها وتوجهها الاستراتيجي ومصالحها الاجتماعية والاقتصادية مع هويتهم. ويعتبر مالك العبدة، في تقرير له بموقع سيريا إن ترانزيشن (سوريا في طور الانتقال) أن الحل المحتمل الذي يطرحه الشرع قد يكون نسخة من الفيدرالية الناعمة، أي نظام لامركزي فضفاض يراعي احتياجات الأقليات ويمكّن الأغلبية السنية من تأكيد تفوقها السياسي والأيديولوجي.
الأموية
لا يزال الخطاب الرسمي حول الكيان السنّي محدودا نظرا لتداعياته السياسية الحساسة، حيث طُرح بديل أكثر قبولا لدى الرأي العام السوري ويتمثل في “الأموية.” وقد أيّد هذه الفكرة النوستالجيّة، التي روج لها المقربون من الشرع وعززها الموالون له على مواقع التواصل الاجتماعي، تراث الخلافة الأموية الإسلامية المبكرة بصفتها رمزا للنهضة الوطنية والازدهار والعظمة المتجددة.
وحكمت الأسرة الأموية، خلال 89 عاما، إمبراطورية امتدت من شمال أفريقيا إلى القوقاز وآسيا الوسطى، وكانت دمشق عاصمتها الإمبراطورية. ثم أسست لاحقا حكما في إسبانيا انطلاقا من قرطبة لمدة 275 عاما. واستلهم الأمويون، وهم سلالة دنيوية وبراغماتية، من النماذج الإدارية البيزنطية، وأظهروا عموما تسامحا تجاه اليهود والمسيحيين. إلا أن الرمزية أعمق من ذلك بكثير، حيث كان الأمويون أعداء تاريخيين للشيعة.
وكان خليفتهم الثاني مسؤولا عن مقتل الحسين، حفيد النبي، ومارست سياساتهم التمييز ضد الفرس. ويسمح إحياء الأمويين لمعسكر الشرع باستحضار المجد الإمبراطوري، مع تذكير متعمد بهيمنة السنة على بلاد فارس والإسلام الشيعي.
ونشر الإعلامي المؤيد للحكومة، موسى العمر الذي يتابعه 685 ألف شخص على منصة إكس، مقطع فيديو في 19 فبراير يُظهر الشرع على صهوة جواده على أنغام أغنية تقول كلماتها: بني أُمية أصلهم ذهب… من اسمهم كسرى ارتعب… في مدحهم تعجز الكتب. وعندما التقى الشرع بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في عمان في 26 فبراير، روّجت منصات التواصل الاجتماعي التي تديرها هيئة تحرير الشام لشعار "الأمويون يلتقون بالهاشميين."
وفي حفل افتتاح الحكومة الانتقالية في 29 مارس، اختتم وزير الثقافة والشاعر محمد ياسين صالح كلمته بأبيات من تأليفه لهذا الحدث. وقال: لقد صمنا عن الأفراح دهرا.. وأفطرنا على طبق الكرامة.. فسجّل يا زمان النصر سجّل.. دمشق لنا إلى يوم القيامة. وليس الشرع وحده من يستذكر الإرث الأموي، حيث ورد أن حافظ الأسد كان معجبا بمعاوية بن أبي سفيان (مؤسس السلالة) الذي يعتبره الحزب السوري القومي الاجتماعي العلماني بطلا سوريا.
ومع ذلك، فإن الأموية تتخذ بين الإسلاميين السنة معنى أكثر إقصاء. ويجادل المنتقدون بأن هذه الفكرة تدمج بين الأفكار السلفية والقومية العربية، وهو ما يعمل على تعزيز الهوية الجماعية السنية (العصبية)، وفي نفس الوقت على تكثيف التوترات الطائفية وعرقلة الجهود الهشة بالفعل نحو المصالحة الوطنية.
ويرى المنتقدون الآن بشكل متزايد في الأموية مشروع الكيان السني. وربما يتوقع الشرع أن أفضل فرصة له للاحتفاظ بالسلطة على المدى القريب تكمن في حكم منطقة أصغر ذات أغلبية سنية بدلا من إدارة سوريا موحدة تتطلب تقاسم السلطة مع الأقليات. وبما أن تقاسم السلطة والديمقراطية لا يزالان غير مرغوب فيهما (كما كان الحال في عهد الأمويين)، فإن إنشاء منطقة سنية تمتد من دمشق إلى حمص وحماة وإدلب وأجزاء من دير الزور، يحكمها أمير، سيكون أكثر جاذبية.
وفي غضون ذلك، يمكن منح المناطق غير السنية في سوريا شكلا من أشكال الحكم الذاتي المحدود كإجراء مؤقت، إلى أن يتم دمجها في نهاية المطاف ضمن نطاق نفوذ دمشق (على الأرجح بالوسائل العسكرية). ولن تنبع هذه الإستراتيجية من نقص في الطموح، بل من تكيف عملي مع التحديات السياسية واللوجستية التي تواجهها المنطقة.
هدأت الحرب الأهلية إلى حد كبير، لكن الصراع على مستقبل سوريا لا يزال دون حل. ولا تزال القوى الأجنبية والإقليمية منشغلة بشدة بالحفاظ على مناطق نفوذها. ولا تزال الولايات المتحدة وإسرائيل ملتزمتين بالحفاظ على سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد على شمال شرق البلاد الغني بالموارد.
ويسعى الدروز في الجنوب الغربي إلى الحكم الذاتي بدعم إسرائيلي، بينما يعتمد العلويون على الساحل بشكل متزايد على الدعم الروسي. وفي نفس الوقت، تُركّز تركيا، الداعمة القوية لحكومة الشرع، قبضتها على حلب، موطن جل التركمان في سوريا. ويُدرك الشرع أنه لا يستطيع تلبية جميع المصالح المتضاربة التي توجّه هذه الأطراف وحكم سوريا موحدة في نفس الوقت. واعتمد لذلك إستراتيجية "الأقل مقابل الأكثر."
◙ إحياء الأمويين يسمح لمعسكر الشرع باستحضار المجد الإمبراطوري مع التذكير بهيمنة السنة على بلاد فارس والإسلام الشيعي
وركّز على ترسيخ قاعدته بين العرب السنة، معتمدا الأموية لتكون أيديولوجية جامعة، ومُصوّرا نفسه حاميا لا غنى عنه. وعزّز قمعه العنيف للانتفاضة الساحلية في مارس (رغم الإدانة الدولية) مكانته بين العديد من مؤيديه السنة. وسمح في نفس الوقت بظهور المساومات السياسية والأطر اللامركزية، مُشيرا إلى انفتاحه على مستقبل سوري مُجزّأ إذا ضمن ذلك استمرار سلطته.
ويتجلى هذا النهج البراغماتي بوضوح في الشمال الشرقي. ويبدو الشرع غير مبال نسبيا بإعادة دمج المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد بالكامل في الحكومة المركزية.
وقد قُدّم اتفاقه في 10 مارس مع قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، على أنه إنجاز كبير لدمشق، لكنه مثّل في الواقع مكسبا كبيرا للأكراد. وكانت هذه أول مرة تعترف فيها الدولة السورية رسميا بالحقوق الثقافية والإدارية للأكراد، وهو ما يُعدّ موافقة ضمنية على استمرار الحكم الذاتي الكردي.
ورغم أن الاتفاق ينص على دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش الوطني، إلا أن هذه العملية من المرجح أن تكون بطيئة ومتفاوضا عليها. وتواصل الإدارة الذاتية في الأثناء عملها باستقلالية عملية بحكم الأمر الواقع. وتُعدّ حلب مثالا آخر على الغموض المُدبّر. وتعاني المدينة من إهمال مُستمرّ في الخدمات العامة والبنية التحتية، مما يُؤجّج الإحباط المُتزايد بين سكانها الذين يُطالب بعضهم ببدائل للإدارة الحالية التي تقودها هيئة تحرير الشام.
ويُشير إعطاء الأولوية الواضحة لدمشق على حلب إلى أن الشرع قد لا يعتبر المدينة الشمالية عنصرا أساسيا في رؤيته المُرتكزة على الكيان السني. وقد يُوظّف حلب كأداة مساومة في تعاملاته مع تركيا، مُقايضا نفوذه فيها بقبول أنقرة الضمني لسلطته المطلقة في أماكن أخرى.
ويشير رد فعل الشرع المُتحفظ على الضربات والعمليات الإسرائيلية إلى أنه قد يعتبر جنوب سوريا غير أساسي (في الوقت الحالي على الأقل). ويشير موقفه المُتساهل تجاه أصحاب أمراء الحرب مثل أحمد العودة في درعا، أو فهيم عيسى وسيف الدين بولاد في الشمال، إلى سياسة أمنية لامركزية.
وبدلا من توحيد الفصائل المسلحة السورية المتشرذمة والمتفرقة، يبدو أن دمشق تتقبل وجود مراكز عسكرية متعددة شبه مستقلة. وقد يُرسي هذا النهج سابقة تُبرر نظاما مماثلا في الشمال الشرقي ذي الأغلبية الكردية، وفي السويداء ذات الأغلبية الدرزية في الجنوب الغربي. ويُعادل هذا في جوهره تأييدا فعليا لنظام فيدرالية ناعمة.
حنين مفيد
إذا ترسخ هذا النموذج الجديد المستوحى من الأموية، فقد ينطوي مستقبل سوريا القريب على فسيفساء من المناطق اللامركزية المرتبطة بسلطة مركزية سنية في دمشق. ويوفر هذا النموذج للشرع مزايا حكم نواة سوريا التاريخية، مدعوما بسردية أيديولوجية قوية تحظى بدعم شعبي واسع، مع تجنب المهمة المستحيلة حاليا المتمثلة في إعادة توحيد بلد مجزأ بسبب الصراع الطائفي وحكم أمراء الحرب والتدخل الأجنبي. لكن استدامة هذا النموذج على المدى الطويل تبقى غير مؤكدة.
◙ النموذج الجديد المستوحى من الأموية إذا ترسخ فقد ينطوي مستقبل سوريا على فسيفساء من المناطق اللامركزية المرتبطة بسلطة مركزية سنية في دمشق
وكلما اعتمد الشرع على الأموية لتبرير حكمه، كلما زاد خطر استبعاد المجتمعات التي تُعد مشاركتها حيوية للسلام الوطني. وتبدو هذه الإستراتيجية ناجحة في الوقت الحاضر. وتبدو الحكومات الغربية، التي تركز على أمور أخرى، غير مهتمة بالسعي إلى مزيد من التغييرات على مستوى النظام، بينما تبدو الجهات الفاعلة الإقليمية راضية عن استبعاد إيران من سوريا ونظام مناطق النفوذ الذي يضمن مصالحها الخاصة.
وفي ظلّ البيئة الراهنة، قد يُثبت نهج الشرع في المركزية الانتقائية، المُصاغ بلغة إحياء الإمبراطورية النوستالجيّة، أنه تكتيكٌ ذكي. لكن الخطر الحقيقي يكمن في خلط النجاحات التكتيكية قصيرة الأجل مع استراتيجية متماسكة طويلة المدى.
وقد تتعثر أيديولوجية حكم تستمدّ سلطتها من الفتوحات الإمبراطورية في العصور الوسطى في نهاية المطاف عند مواجهتها بمتطلبات الحكم التعددية متعددة الأوجه القائمة في القرن الحادي والعشرين. وبالنسبة لسوريا، يكمن السؤال المطروح فيما إذا سيُرسم مستقبلها من خلال التسوية الديمقراطية أم الغزو التدريجي.
وبالنظر إلى تاريخ الشرع، يبدو مسار الغزو التدريجي أكثر ترجيحا. إن اعتماده على القوة المدروسة، والحشد الأيديولوجي، والغموض الإستراتيجي، والنهج المنهجي طويل الأمد، يوحي بقائد أكثر تركيزا على ترسيخ السلطة تدريجيا بدلا من تقاسمها وتوزيعها.