الأمهات المصريات يواجهن معاناة مزمنة مع قانون الولاية

ضغط اجتماعي وحقوقي يفرض على السلطات التحرك لتعديل القوانين بما يناسب العصر.
الجمعة 2023/07/07
أمهات لا يحق لهن التصرف في أموال أطفالهن

لا يزال قانون الولاية يثير حفيظة النساء المصريات اللواتي تجد الكثيرات منهن صعوبات في التصرف في أموال الأولاد بعد وفاة الأب أو حتى الجد من الأب، وهما الاثنان اللذان يمنحهما القانون المصري صلاحية التصرف في ممتلكات الأطفال.

القاهرة - منذ نحو شهرين، تخوض النساء مدعومات بأحزاب ومنظمات حقوقية ونسوية ومحامين، نزاعا مجتمعيا وسياسيا من أجل تعديل قانون الولاية الذي لم يعد صالحا لهذا العصر.

وبحسب قانون رقم 119 لعام 1952، يعد الأب هو الولي الطبيعي للقصر، ويشمل القانون الولاية على المال والنفس. ويحدد القانون أيضا أنه في حالة وفاة الأب، يصبح الجد للأب وليا شرعيا للقصر.

فاطمة سيد، إحدى هؤلاء النساء، حيث قررت هي وزوجها نقل أولادهما من مدرستهم الخاصة بمحافظة الجيزة المصرية إلى إحدى المدارس التجريبية، ونظرا لمرور زوجها بوعكة صحية اتجهت فاطمة إلى المدرسة لسحب الملفات التعليمية، لكن تم رفض الطلب وقيل لها إن القانون يسمح للأب فقط بسحب تلك الملفات.

تقول فاطمة “حسيت كأني محتاجة ولي أمر، المشكلة إن الولاد دول نزلوا من بطني أنا… أنا أحق بيهم وبعدين أنا مش قاصر ومش فاقدة الأهلية”.

لكن مع أولى جلسات المحور المجتمعي في الحوار الوطني المصري، وهو حوار سياسي تقول السلطات إنه يهدف إلى إثارة النقاش حول مستقبل البلاد ورفع التوصيات إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، ظهرت بوادر لإصلاح القانون الذي يعود إلى 71 عاما، والذي واجه حملة انتقادات على صفحات التواصل الاجتماعي في شهر رمضان الماضي بعد عرض مسلسل “تحت الوصاية” الذي أظهر معاناة أرملة مصرية مع القانون.

إلهام عيدروس: قانون الوصاية على الأبناء لم يعد مناسبا لهذا العصر
إلهام عيدروس: قانون الوصاية على الأبناء لم يعد مناسبا لهذا العصر

وخلال الجلسة الافتتاحية، تمت مناقشة عدد من التوصيات لتعديل قانون الوصاية على المال، وعبر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال المؤتمر الوطني للشباب الذي عقد في منتصف يونيو الماضي عن استعداده للتعاون “بكل ما يمكنه عمله” لتحقيق تلك التعديلات.

كما أشار المستشار محمود فوزي، رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، إلى الوصول إلى “توافق وشيك” لبعض القضايا، ومنها “تعديلات جوهرية” تخص قانون الوصاية على المال بدون توضيح تفاصيلها.

وقال بعض المحامين والنشطاء إن قوانين الوصاية بشكلها الحالي غير عادلة للأمهات بمختلف أوضاعهن الاجتماعية، لعدم حصول الأم على نفس الصلاحيات مثل الأب في الأمور الخاصة بتعليم وأموال وسكن وسفر الأبناء القصر.

وقالت إلهام عيدروس، وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية، وهو حزب تحت التأسيس، والتي قدمت نيابة عن الحزب عددا من التوصيات المقترحة لتعديل قانون الوصاية على المال خلال الحوار الوطني، إن الأزمة تكمن في نظرة القانون الحالي للمرأة.

وتابعت “المشكلة مشكلة أهلية قانونية للمرأة ودورها في الأسرة سواء أثناء الحياة الزوجية أو بعد انقضائها سواء بوفاة الزوج أو بالانفصال… المراكز القانونية للأب والأم غير متساوية أساسا”.

وتروي عيدروس أن القانون الحالي “لم يعد مناسبا لهذا العصر”، وأضافت أن الحزب قدم مقترحا ينص على أن تكون “الولاية مشتركة للأبوين على الطفل أثناء الحياة الزوجية بمساواة كاملة بالمراكز القانونية”، على أن يحدد القانون ما يمكن للأبوين إقراره سويا أو منفردين.

وأوضحت روثنا بيجوم، الباحثة في مجال حقوق المرأة بمنظمة هيومن رايتس ووتش، لرويترز أن انفراد الأب بالولاية الطبيعية هو الوضع السائد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واصفة تلك القوانين بأنها “تمييزية ضد المرأة”، وطالبت مصر “بضمان تمتع الوالدين بنفس الحقوق والمسؤوليات التي تراعي مصالح الطفل الفضلى كاعتبار أساسي”.

ووصفت دعاء، وهي أم مصرية مطلقة، القانون الحالي بكونه “قمة في الظلم” وأنه يشكل “ضررا على مصالح الأطفال” بعد رفض طلبها في أحد البنوك بمدينة الإسكندرية المصرية بسحب مبلغ مالي من حساب ابنها القاصر في ديسمبر الماضي، مطالبا بإمضاء من الأب على المعاملة البنكية، رغم قيامها هي بفتح الحساب وإيداع أموالها الخاصة لصالح ابنها به.

وأضافت “صعبت عليا نفسي جدا إن أنا أكون اللي متحملة كل حاجة ماديا ومعنويا ومسؤولية الولاد كلها من الألف للياء وفي الآخر أقل حق ليا أتمنع منه ويقولولي لازم الأب”.

وقالت انتصار السعيد، المحامية ورئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، إن انفراد الأب والجد بتلك الحقوق كثيرا ما يتسبب في صعوبات تواجهها الأمهات وبالأخص في حالات الانفصال أو الطلاق بغرض مضايقة الأم، مثل قيام بعض الآباء بنقل الأطفال إلى مدارس بعيدة عن محل سكن الأم أو نقل الأطفال من مدارس خاصة إلى مدارس حكومية.

المرأة المصرية ضحية قوانين بالية
المرأة المصرية ضحية قوانين بالية

وأضافت “إحنا محتاجين قانون جديد ينصف النساء ويراعي المصلحة الفضلى للنساء، محتاجين إن ده يُتضمن في قانون الأحوال الشخصية الجديد، يعمل توازن ما بين فكرة الحفاظ على أموال الأطفال وحقوقهم وفي نفس الوقت الحفاظ على كرامة النساء”.

وأكدت إيمان، إحدى الأمهات المصريات اللائي تحدثن مع رويترز وطلبن جميعا ذكر اسمهن الأول فقط، تعرضها لمضايقات مثل التي وصفتها السعيد من زوجها السابق فور انفصالهما وقبل وقوع الطلاق بشكل رسمي، إذ رفض طلبها بأن يلحق ابنتهما بإحدى رياض الأطفال.

وتحكي “قالي أنا مش عايزهم يدخلوا حضانات ولا يتعلموا”، وقامت إيمان برفع دعوة قضائية لنقل الولاية التعليمية لها واستغرقت الإجراءات القانونية ما يقرب من شهر ونصف الشهر حتى حصلت عليها.

وتمتد المعاناة في حالة الأرامل إلى مواجهة المجالس الحسبية والمعروفة أيضا بالنيابة الحسبية، وهي إحدى الهيئات القضائية التابعة لمحكمة الأسرة وتختص بالإشراف على أموال القصر وفاقدي الأهلية، إذ إنه بحسب قانون رقم 119 لعام 1952 “في حالة وفاة الجد تنتقل الوصاية على القصر إلى الأم”.

وتقول آية حيدر، وهي محامية أحوال شخصية، إن “دور المجالس الحسبية هو الحفاظ على أموال القصر”، ولذلك يتوجب على من بحوزته الوصاية سواء كانت الأم أو الجد أو شخصا آخر الحصول على موافقة المجلس قبل أي إجراءات تخص أموال وممتلكات القصر مثل المعاملات البنكية أو البيع والشراء.

قوانين الوصاية بشكلها الحالي غير عادلة للأمهات بمختلف أوضاعهن الاجتماعية، لعدم حصول الأم على نفس الصلاحيات مثل الأب

وتعددت شكاوى النساء من طول أمد الإجراءات إذ يتوجب عليهن تقديم طلب ثم يتحدد موعد لجلسة أمام أحد معاوني النيابة الحسبية، ثم يحال الطلب إلى المجلس الحسبي الذي يترأسه أحد القضاة.

وفي الكثير من الأحيان تستغرق إجراءات طلبات سحب الأموال ما يقرب من ثلاثة أشهر حتى تحصل الأم على الموافقة، أما في حالة الطلبات الخاصة بالبيع والشراء، فذكرت بعض النساء أن الإجراءات قد تستغرق أكثر من عام.

وكانت هذه تجربة نهى التي “اصطدمت بالواقع” بعد أن توفي زوجها عام 2019 وأصبحت هي الوصي القانوني على ابنها الوحيد نظرا لوفاة الجد للأب.

قوبل طلب نهى بسحب مبلغ 10 آلاف جنيه مصري لصيانة سيارة القاصر – والتي تعد هي المسؤولة عنها أمام القانون – بالرفض، وكان سبب الرفض هو قيامها بسحب مبلغ لدفع المصروفات الدراسية في شهر مارس الماضي وأبلغها القاضي بأن عليها الانتظار لشهر يوليو لتتقدم بأي طلبات جديدة.

وفي جلسة أخرى، أبدى القاضي اعتراضه على تكلفة الدروس الخصوصية بالمنزل متسائلا “وليه تديله درس خاص في البيت؟ ده راجل عنده 14 سنة ما ينزل ياخد هو الدرس برا وليه تاكسي مخصوص يوصله؟”.

وتصف نهى شعورها “بالذل والمهانة” في إحدى الجلسات بعد أن قال لها القاضي “دي آخر مرة تاخدي فيها فلوس وآخر مرة هصرفلك”.

تقول “حسيت إني بتعامل معاملة المتهمة وإني بيتحقق معايا، مش واحدة شايلة المسؤولية”.

7