الأمن الغذائي العالمي قاوم كورونا ليصطدم بأزمة الأسمدة

العالم على أبواب ارتفاع في أسعار الغذاء جرّاء زيادة تكاليف المخصّبات.
الجمعة 2021/12/10
الأسمدة لا تكفي لكل المحاصيل

يهدد شحّ إمدادات الأسمدة الأمن الغذائي العالمي، ويحذر خبراء في الزراعة من إمكانية تفاقم الأزمة أكثر خلال العام القادم مدفوعة بالاضطرابات في أسعار الطاقة نتيجة متحورات وباء كورونا، وتغيير المزارعين لنوعية المحاصيل بناء على أسعار المخصبات وتوفرها في السوق. وإذا كان المزارعون قد تمكنوا خلال العام الجاري من إنجاح محاصيلهم، فإن الخبراء يؤكدون أنه ما من محصول تقريبا سينجو من الأزمة في العام القادم.

لندن - تزامنا مع انتشار وباء كورونا المستجدّ تفشى انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، لينذر بأزمة عالمية فاقمتها القيود التي فرضت على التنقل وانخفاض الدخل والبطالة والتي أدت إلى زيادة فقر المستهلكين.

ولتجاوز حدة الوضع، لجأت بعض الدول إلى الإفراط في تخزين المواد الغذائية كإجراء احترازي، ضدّ تزايد أسعار المواد الغذائية نتيجة الضغوط التي فرضها كوفيد - 19.

لكن الأمن الغذائي العالمي بات اليوم مهددا بفعل أزمة أخرى قد لا تقدر الدول على مواجهتها بسرعة وسهولة ألا وهي أزمة الأسمدة والمخصبات.

ورغم أن بعض الخبراء يقولون إننا ننتج ما يكفي من الغذاء لإطعام الكوكب، لكن ليس في البلدان التي هي في أمسّ الحاجة إلى ذلك. ويعتقد هؤلاء أنه من الضروري تحريك الأغذية أكثر فأكثر لتقريب العرض والطلب من بعضهما البعض، والتعاون لمواجهة المشكلات الطارئة.

وتواجه محاصيل رئيسية من الذرة البرازيلية إلى الدوريان الماليزي الخطر بعد أن دفعت قلة الإمدادات من المخصبات وارتفاع أسعارها المزارعين إلى الاقتصاد في استعمال مواد حيوية مغذية للمحاصيل مما يعمل على تزايد المخاوف على الأمن الغذائي العالمي وتضخم أسعار الغذاء.

فقد ارتفعت أسعار الأسمدة هذا العام وسط تزايد الطلب وانخفاض المعروض إذ أدى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والفحم لمستويات قياسية إلى خفض الإنتاج في قطاع الأسمدة الذي يستهلك كميات كبيرة من الطاقة.

وزاد سعر اليوريا أكثر من 200 في المئة هذا العام بينما ارتفع سعر فوسفات الأمونيا إلى مثليه تقريبا.

وقال فريدريك نيومان الرئيس المشارك للبحوث الاقتصادية الآسيوية في بنك إتش.إس.بي.سي إنه مع ارتفاع أسعار الغذاء العالمية لأعلى مستوى منذ أكثر من عشر سنوات، فإن زيادة أسعار الأسمدة ستزيد الضغوط على القدرات الشرائية للغذاء لاسيما في الدول المعتمدة على الاستيراد في حين أن الضغوط على الميزانيات لا تتيح مجالا لدعم الحكومات للأسعار.

وأضاف “في وقت دمر فيه وباء كوفيد - 19 بالفعل أرزاق ملايين لا حصر لهم فإن تأثير ارتفاع أسعار الغذاء على الفقراء بصفة خاصة شديد. وهذا يثير خطر وصول أثر ارتفاع تكاليف الأسمدة إلى المستهلكين من خلال زيادة أسعار الغذاء”.

أزمة ستشتدّ

فريدريك نيومان: زيادة أسعار الأسمدة تضغط على القدرات الشرائية للغذاء

مع ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” إلى أعلى مستوياته منذ 2011 عندما ساعدت أسعار المواد الغذائية في قيام انتفاضات “الربيع العربي”، يتعرض المزارعون في أنحاء العالم بالفعل لضغوط لزيادة الإمدادات الغذائية.

غير أن المحللين يقولون إن شح إمدادات الأسمدة سيزداد سوءا في العام المقبل. وسيحتاج المزارعون في أوروبا وأميركا الشمالية وشمال آسيا لزيادة مشترياتهم قبل موسم الربيع في الوقت الذي عمد فيه المنتجان الرئيسيان الصين ومصر إلى تقليص الصادرات لضمان توفر الإمدادات محليا.

وقال جوش لينفيل مدير الأسمدة لدى مجموعة ستون إكس “تم تأمين أغلب مخزون اليوريا وهو ما يعني أن المنتجين العالميين لن يكون لديهم ما يباع حتى أول يناير. ويبدأ المنتجون العام الجديد بكميات منخفضة من الإنتاج غير المباع وسيواجهون طلبا عالميا كبيرا في الربع الأول مع إقبال الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وأوروبا وآسيا على الشراء”.

واستجابة لكل ذلك يعمد المزارعون في أنحاء العالم إما لتأجيل الشراء أو تقليل استخدام الأسمدة لتوفير المال.

وفي نوفمبر الماضي عمدت الهند ومصر، وهما بلدان يعتمدان اعتمادا كبيرا على الزراعة، إلى زيادة الدعم الحكومي. وعززت وزارة الأسمدة الهندية الإمدادات للأقاليم التي توجد بها مخزونات منخفضة لضمان توفر الكميات للمحاصيل الشتوية.

وحتى الآن عمل ارتفاع أسعار المحاصيل على حماية الكثير من المزارعين من الصدمة ويمكن لبعضهم زراعة فول الصويا في الموسم القادم بدلا من القمح والذرة اللذين يحتاجان للنيتروجين، لكن المصادر تقول إنه ما من محصول تقريبا سينجو من الأزمة في العام القادم.

وفي ألمانيا قال برنارد كروسكن المدير العام لرابطة الزراعة الألمانية إنه من المرجح أن يقلل المزارعون الذين تضرروا من ارتفاع الأسعار استخدام الأسمدة وهو ما قد يقلل حجم المحاصيل.

وتوفر البرازيل أكبر منتج في العالم لفول الصويا وثالث أكبر منتج للذرة الغذاء لعشرة في المئة من سكان العالم. وقد حذرت من أنه من المتوقع أن يؤدي نقص الأسمدة في العام المقبل إلى إبطاء التوسع في زراعة فول الصويا والذرة والقطن.

وحتى في أميركا الشمالية التي يوجد فيها البعض من أغنى المزارعين في العالم أرجأ المزارعون مشترياتهم التي يدبرونها عادة قبل موسم الربيع على أمل انخفاض الأسعار.

وفي البلدان المضطربة أمنيا والتي تشهد حروبا ونزاعات، تشكل ندرة الأسمدة أبرز التحديات التي تقف أمام الحكومات لتنمية القطاع الزراعي الذي تضرر من الجفاف وتداعيات الحرب التي دمرت المصانع وهجرت المزارعين صغارا كانوا أو كبارا.

معاناة المزارعين الصغار

المزارعون في أنحاء العالم يعمدون إما لتأجيل الشراء أو تقليل استخدام الأسمدة لتوفير المال
المزارعون في أنحاء العالم يعمدون إما لتأجيل الشراء أو تقليل استخدام الأسمدة لتوفير المال

رغم أن الظروف الجوية والأمراض والآفات وإمدادات المياه عوامل حاسمة في تحديد تطور المحاصيل، فإن الأسمدة من بين أهم عناصر الإنتاج التي تخضع لسيطرة المزارعين.

غير أن كثيرين من المزارعين لاسيما الملايين من أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة الذين ينتجون ثلث الغذاء العالمي لن يكون أمامهم خيار يذكر سوى تقليل استخدام الأسمدة في 2022.

وفي منطقة جنوب شرق آسيا التي تنتج معظم إنتاج العالم من زيت النخيل يتأهب المزارعون لارتفاع تكاليف الإنتاج، بل إن العاملين في هذا المجال بدأوا يشهدون اضطرابات في شراء الأسمدة وانخفاض الواردات.

وقال تيو تي سينج العضو المنتدب لشركة بين ماير أجريكير للكيمياويات الزراعية في ماليزيا إن “ماليزيا تستورد 95 في المئة من إمداداتها من المخصبات. وسيتضرر إنتاج الفاكهة والخضر بما في ذلك الدوريان أكثر من زيت النخيل لأنه يحتاج أسمدة أعلى جودة”.

وأفاد تقرير لمنظمة الزراعة والأغذية في نوفمبر بأن الانخفاضات الأخيرة في أسعار النفط قد تخفف من حدة المشكلة لمنتجي الأسمدة، لكن أي صدمات مستقبلية في أسعار الطاقة تنجم عن موجات برد غير متوقعة ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء.

وأوضح التقرير أن أسعار الغذاء شهدت ارتفاعا خلال الأشهر الأربعة الماضية لتظل عند أعلى مستوياتها في عشر سنوات متأثرة بالطلب القوي على القمح ومنتجات الألبان.

ويعد القمح أحد العناصر الأساسية الحيوية في العالم، وأوروبا هي مورد رئيسي له إلى أجزاء من أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تفكر الحكومات بالفعل في رفع تكاليف الخبز المدعوم.

وارتفعت أسعار القمح بفعل مخاوف بشأن أمطار في غير موسمها في أستراليا وعدم التيقن بشأن تغييرات محتملة في إجراءات التصدير في روسيا.

ويقول خبراء زراعيون إنه بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الأسمدة فإن إنتاج محاصيل العام المقبل قد يتأثر في ظل معاناة بعض المزارعين من جفاف الطقس وقت الزراعة.

6