الأمم المتحدة في سوريا.. سنوات من الإخفاقات

بيروت - وصل مبعوث الأمم المتحدة الرابع إلى سوريا غير بيدرسون الثلاثاء إلى دمشق، في أول زيارة له منذ تعيينه في منصبه، لإجراء مباحثات مع مسؤولين عله ينجح في ما فشل آخرون في تحقيقه، فمنذ بدء النزاع في سوريا في العام 2011، فشلت الأمم المتحدة في التوصل إلى حل ينهي النزاع أو يوقف القتل برغم العديد من المبادرات وجولات المفاوضات بين الأطراف المتنازعة.
نقض وانقسامات: في أبريل العام 2011، بعد ستة أسابيع من بدء حركة الاحتجاجات ضد النظام في سوريا، عرقلت روسيا والصين صدور بيان من الأمم المتحدة اقترحته الدول الغربية ويدين قمع دمشق للتظاهرات. ومنذ ذلك الحين، استخدمت روسيا، حليفة دمشق الأبرز، حق النقض “الفيتو” 12 مرة في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرارات تدين دمشق. وكان آخرها في أبريل العام 2018 حين منعت روسيا تبني الأمم المتحدة لقرار اقترحته الولايات المتحدة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
مبعوثون أمميون: في 23 فبراير 2012، تمّ تعيين الأمين العام السابق للأمم المتّحدة الراحل كوفي أنان مبعوثا مشتركا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا.
لم يستمر أنان في منصبه سوى أشهر قليلة، إذ أعلن في أغسطس العام 2012 استقالته منددا بعدم دعم القوى المعنية لمهمته. واعتبر أن “العسكرة المتزايدة على الأرض والافتقار الواضح للوحدة داخل مجلس الأمن غيّرا بشكل جذري ظروف ممارسة” مهامه.
وكان أنان اقترح خطة سلام من ست نقاط تنص على وقف القتال وعملية انتقال سياسي، إلا أنها لم تخرج إلى الضوء. وفي أغسطس 2012 جرى تعيين وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي خلفا لأنان.
ونظم الإبراهيمي في بداية العام 2014 أول مفاوضات بين الحكومة والمعارضة السوريتين في جنيف. لكن المفاوضات فشلت في إحداث أي خرق، واستقال الإبراهيمي من منصبه في مايو من العام نفسه.
تسع جولات جديدة: في العام 2016، أطلق المبعوث الأممي الثالث ستافان دي ميستورا مفاوضات جديدة بين الحكومة والمعارضة في جنيف. وجرت ثلاث جولات متتالية من المباحثات المباشرة في بداية العام 2016. وبين مارس ويوليو 2017 نظمت أربع جولات أخرى من المحادثات غير المباشرة التي لم تثمر نتيجة.
وفي 14 ديسمبر 2017، وبعد الجولة الثامنة اتهم دي ميستورا دمشق بالتسبب في فشل المفاوضات لرفضها الحوار الحقيقي مع المعارضة، واعتبرها “فرصة ذهبية ضاعت”. وفي 26 يناير 2018، انتهت الجولة التاسعة بخيبة.
الميدان والسياسة: في أكتوبر العام 2016 حذّر دي ميستورا من أن مدينة حلب، التي كانت الفصائل المعارضة تسيطر على أحيائها الشرقية، ستسوى بالأرض في حال فشلت الأمم المتحدة في وقف الحرب. وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون في مؤتمره الصحافي الأخير في 16 ديسمبر 2016 “حلب الآن مرادف للجحيم”.
وراقبت الأمم المتحدة بعجز التطورات الميدانية والمعارك وسقوط القتلى وسياسة الحصار التي اتبعتها بشكل أساسي قوات النظام من حلب إلى الغوطة الشرقية قرب دمشق.
وفي فبراير العام 2018، وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الوضع في الغوطة الشرقية بـ”الجحيم على الأرض”، أثناء تعرضها لهجوم عنيف انتهى بسيطرة قوات النظام عليها.
وفي العاشر من أبريل، شهد مجلس الأمن الدولي انقساما حادا بعد هجوم بالأسلحة الكيميائية اتهمت الدول الغربية دمشق بتنفيذه في الغوطة الشرقية، حيث جرى التصويت على ثلاثة مشاريع قرارات، منها اثنان اقترحتهما روسيا ولم يحظيا بالتأييد، وثالث تقدمت به الولايات المتحدة وأسقطته روسيا.

أستانة بديل عن جنيف: منذ إطلاقها في بداية العام 2017، تحولت محادثات أستانة بين روسيا وإيران، أبرز حلفاء دمشق وتركيا الداعمة للمعارضة، إلى مصدر المبادرات الأبرز في النزاع.
أجريت عدة جولات من محادثات أستانة، كان أبرزها تلك التي جرت في الرابع من مايو العام 2017 وتم فيها الإعلان عن إقامة أربع مناطق لخفض التوتر في سوريا: في إدلب (شمال غرب) ومناطق محاذية لها في محافظات حماة وحلب واللاذقية، وشمال حمص (وسط)، والغوطة الشرقية قرب دمشق، وجنوب البلاد.
شهدت تلك المناطق فعليا تراجعا في حدة العنف قبل أن تستعيد قوات النظام ثلاث منها لاحقا على وقع عمليات عسكرية واتفاقات تسوية. وتعد محافظة إدلب في شمال غرب البلاد آخر مناطق خفض التوتر. وظهرت تلك المحادثات، التي ألقت الضوء على التقارب الروسي التركي بعد اختلاف طويل حول سوريا، كبديل قوي لمفاوضات جنيف.
الاستقالة الأخيرة: في أكتوبر العام 2018، أعلن دي ميستورا استقالته من منصبه “لأسباب شخصية”. وفي الشهر ذاته، أعلن رئيس مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية في سوريا يان إيغلاند استقالته متحدثا عن عمل “شاق جدا”.
وتمحورت جهود دي ميستورا في العام الأخير حول تشكيل اللجنة الدستورية، التي انبثقت فكرتها في يناير 2018 خلال قمة للدول الثلاث الضامنة لعملية السلام، وهي روسيا وإيران وتركيا.
إلا أن دي ميستورا فشل في مساعي تشكيل اللجنة التي من المفترض أن تضم 150 عضوا. وقال الدبلوماسي الإيطالي-السويدي لمجلس الأمن في 20 ديسمبر “آسف بشدة لعدم إنجاز العمل”.
وبعد فشل المبعوثين الثلاثة السابقين، تسلم غير بيدرسون مهامه الشهر الحالي. وقد وصل إلى دمشق الثلاثاء في أول زيارة له منذ تعيينه. والتقى بيدرسون وزير الخارجية السوري وليد المعلم حيث بحثا جهود تحقيق تقدم في عملية السلام.
وبيدرسون الذي تسلم مهامه في السابع من يناير، دبلوماسي مخضرم، شارك في 1993 ضمن الفريق النرويجي في المفاوضات السريّة التي أفضت إلى التوقيع على اتفاقيّات أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين. وأمضى سنوات عديدة ممثلا لبلاده لدى السلطة الفلسطينية. وشغل منصب سفير النرويج لدى الصين وسبق أن كان سفيرا لبلاده لدى الأمم المتحدة.
ويتولى المبعوث الأممي الجديد مهامه بعدما تمكنت القوات الحكومية من استعادة السيطرة على أكثر من ستين في المئة من مساحة البلاد، بينما تخوض دمشق مفاوضات مع الأكراد، ثاني قوة عسكرية في سوريا، أفضت في مرحلة أولى إلى انتشار الجيش السوري في محيط مدينة منبج في محافظة حلب شمالا.
كما تأتي مع مؤشرات بدء انفتاح عربي تجاه دمشق، تمثل الشهر الماضي بافتتاح كل من الإمارات والبحرين سفارتيهما في دمشق بعد إقفالهما منذ العام 2012، فيما تهدد تركيا بشنّ هجوم جديد ضد الوحدات الكردية في شمال شرق سوريا بعدما أخرجتها العام الماضي من منطقة عفرين.