الأمم المتحدة تائهة بين دعم عبدالحميد الدبيبة وتأييد فتحي باشاغا

تضارب مواقف القوى المنخرطة في الصراع يزيد من تعقيدات المشهد الليبي.
السبت 2022/02/19
وضع معقّد

المواقف المتضاربة للأمم المتحدة بشأن الجهة التي تملك الاعتراف الدولي في ليبيا، والذي يُعد مصيريا في تحديد الطرف الأقوى في الصراع، تعود بشكل رئيسي إلى كون المنظمة لا ترغب في أن تكون منحازة إلى أيّ طرف لتحافظ على دورها كوسيط محايد، وأيضا لأنها تتعرض للضغوط من العديد من الأطراف لتنحاز إلى هذا الطرف أو ذاك.

طرابلس - يلفّ الغموض موقف المجتمع الدولي حيال المستجدات السياسية في ليبيا في علاقة بتكليف مجلس النواب لوزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة عبدالحميد الدبيبة التي لا تزال تمارس مهامها ويرفض رئيسها التنحي، مصرا على أن مهمة حكومته تنتهي بإجراء انتخابات.

وأعلنت الأمم المتحدة عقب تكليف باشاغا أنها لا تزال تدعم الدبيبة بوصفه رئيسا للوزراء في ليبيا، لكن المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز عادت لتدلي بتصريحات يكتنفها الغموض، ما يعكس المأزق الذي وقعت فيه المنظمة الدولية بعد عودة الانقسام إلى البلاد.

وتجري ويليامز لقاءات مكوكية مع أبرز الفاعلين في الملف الليبي وعلى رأسهم الدبيبة وباشاغا، بالإضافة إلى عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الموجود في طبرق، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) بهدف بلورة موقف أممي من التطورات الجديدة.

ومن المتوقع أن ينعكس استمرار الانقسام الداخلي في ليبيا على مواقف الدول المعنية بهذا الملف ما سيزيد مهمة الأمم المتحدة تعقيدا، ويُصعب على مجلس الأمن الدولي اتخاذ موقف محدد وموحد من هذه الأزمة.

والغموض الذي يسود الوضع الداخلي في ليبيا يجعل كثيرا من الدول تنتظر انجلاء الصورة قبل اتخاذ أي موقف نهائي، ويدفع الأمم المتحدة لتتحصن خلف تصريحات عامة ومبهمة، ويمكن قراءتها من أكثر من وجه وزاوية.

مواقف متضاربة

عبدالحميد الدبيبة يتمسك بحكومته مستندا في ذلك على "دعم" أممي لا يبدو محسوما لصالحه
عبدالحميد الدبيبة يتمسك بحكومته مستندا في ذلك على "دعم" أممي لا يبدو محسوما لصالحه

عندما سُئل المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك خلال مؤتمره الصحافي اليومي عما إذا كانت الأمم المتحدة لا تزال تعترف بالدبيبة رئيسا للوزراء، أجاب “نعم، باختصار، نعم”. جاء ذلك في نفس اليوم الذي عيّن فيه مجلس النواب في طبرق فتحي باشاغا رئيسا للحكومة في العاشر من فبراير الجاري.

واعتبر الدبيبة وأنصاره ذلك دليلا على شرعية حكومة الوحدة، وأن المجتمع الدولي يقف خلفها، وأن أي حكومة جديدة لن تلقى سوى مصير الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ السابقتين اللتين لم يعترف بهما المجتمع الدولي.

بعدها بيوم واحد صدر بيان منسوب إلى الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش لم يتحدث عن إدانته أو تأييده لتعيين مجلس النواب لرئيس حكومة جديد، بل دعا “جميع الأطراف والمؤسسات إلى مواصلة ضمان أن يتم اتخاذ مثل هذه القرارات الحاسمة بطريقة شفافة وتوافقية”.

وكان في ذلك تلميح إلى أن عملية تعديل مجلس النواب للإعلان الدستوري بالتشاور مع مجلس الدولة لم يكن شفافا ولا توافقيا، حيث وجهت انتقادات من داخل مجلسي النواب والدولة إلى الطريقة التي تم بها تعديل الإعلان الدستوري وتعيين رئيس حكومة جديد بعد إقصاء منافسه خالد البيباص، والادعاء بانسحابه وهو ما نفاه الأخير.

وفي الثالث عشر من فبراير أصدرت المستشارة الأممية بيانين، هما الأولان من نوعهما منذ تعيين رئيس الحكومة الجديد بعد لقائها مع كل من الدبيبة وباشاغا، حيث أكدت بعد لقائها مع الدبيبة “على أهمية أن تعمل جميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات ضمن الإطار السياسي، وأن تحافظ قبل كل شيء على الهدوء على الأرض”.

في المقابل شددت ويليامز في لقائها مع باشاغا على ضرورة “المضي قُدمًا بطريقة شفافة وتوافقية من دون أي إقصاء (…) والحفاظ على الاستقرار في طرابلس وفي جميع أنحاء البلاد، وأنه يتوجب مواصلة التركيز على إجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة وشاملة في أقرب وقت ممكن”.

وكلمة “المضي قُدما” اعتبرها أنصار باشاغا بأنها تصحيح لتصريحات دوجاريك، ودعوة إلى باشاغا لمواصلة مشاورات تشكيل حكومته. في حين أن كلمة ويليامز كانت فيها انتقادات ضمنية لطريقة تعديل الإعلان الدستوري واختيار رئيس الحكومة الجديد عندما تحدثت عن الشفافية والتوافق وعدم الإقصاء.

كما ركزت على الاستقرار في طرابلس والبلاد، بالنظر إلى احتمالات مواجهات مسلحة بين الكتائب الموالية للدبيبة والقوات الداعمة لباشاغا. وتناولت أيضا إجراء انتخابات نزيهة في أقرب وقت ممكن، بينما أجلت خارطة الطريق التي اعتمدها مجلس النواب الانتخابات 14 شهرا دون تحديد موعد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وفي لقائها مع عقيلة صالح قالت ويليامز “أحاطني رئيس مجلس النواب علماً بالآلية التي سيتبعها المجلس لمنح الثقة للحكومة الجديدة تماشياً مع الإجراءات التي تم تطبيقها في تصويت منح الثقة في مارس 2021”. ولم تدل ويليامز بموقف واضح بشأن الإحاطة التي قدمها لها عقيلة صالح في محاولة للحفاظ على المسافات بين مختلف الأطراف.

وما تزال ويليامز في مرحلة استيضاح الوضع لتقديم تقريرها لمجلس الأمن، دون أن يمنعها ذلك من تجديد الدعوة إلى الأطراف السياسية لتجنب استعمال العنف حتى لا تنهار العملية السياسية، والتذكير بضرورة إجراء الانتخابات في أقرب فرصة، ما يجعل خطة الدبيبة لتنظيم استفتاء على الدستور وانتخابات في يونيو المقبل الأقرب إلى الرؤية الأممية.

الجميع يضغط

مصر أول دولة تعلن موقفها المؤيد لتعيين باشاغا رئيسا للحكومة الجديدة
مصر أول دولة تعلن موقفها المؤيد لتعيين باشاغا رئيسا للحكومة الجديدة

غموض الأمم المتحدة بشأن الجهة التي تملك الاعتراف الدولي في ليبيا راجع بشكل رئيسي إلى كونها لا ترغب في أن تكون منحازة إلى أي طرف لتحافظ على دورها كوسيط محايد، وأيضا لأنها تتعرض لضغوط من أطراف عدة لتنحاز إلى هذا الطرف أو ذاك.

وكانت مصر أول دولة تعلن موقفها المؤيد لتعيين باشاغا رئيسا للحكومة الجديدة، فيما تريثت روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن عدة أيام قبل أن تؤكد هي الأخرى دعم التوافق بين مجلسي النواب والدولة.

ومن المرتقب أن تنضم فرنسا العضو الدائم أيضا في مجلس الأمن إلى روسيا ومصر، خاصة وأنها أبرز دولة غربية داعمة لقائد الجيش المشير خليفة حفتر كما تملك علاقات طيبة مع باشاغا.

وأبدت تركيا التي تعد طرفا محوريا في الصراع الدائر في ليبيا موقفا محايدا إزاء تكليف باشاغا بتشكيل حكومة جديدة ما يعطي وزير الداخلية السابق ضوءا أخضر تركيا، خاصة وأن أنقرة سبق أن أعلنت في نهاية ديسمبر الماضي عن رفضها لتشكيل “حكومة موازية”.

وقال الرئيس رجب طيب أردوغان للصحافيين خلال رحلة عودته مساء الثلاثاء من زيارة إلى الإمارات العربية المتحدة "علاقاتنا مع فتحي باشاغا جيدة. من ناحية أخرى العلاقات طيبة أيضا مع الدبيبة"، مضيفا "المهم هو من يختاره الشعب الليبي وكيف".

وإزاء القوى التي تبدي ميلا لدعم باشاغا، لم تعلن الولايات المتحدة موقفا واضحا بعد، وإن سبق أن حذرت على لسان مبعوثها إلى ليبيا وسفيرها ريتشارد نورلاند نهاية يناير الماضي من “تشتيت الانتباه عن العملية الانتخابية” جراء محاولة تشكيل حكومة جديدة، لأن الأمر قد ينتهي إلى خلق “حكومة موازية”.

وتتوافق الرؤية البريطانية على نحو كبير مع الموقف الأميركي، حيث شددت السفارة البريطانية في طرابلس على أنها ستواصل الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية كسلطة مكلفة بقيادة ليبيا إلى الانتخابات، وأنها لا تؤيد “إنشاء حكومات أو مؤسسات موازية”.

في المقابل انتقدت إيطاليا ضمنيا تمديد مجلس النواب الليبي لموعد الانتخابات 14 شهرا، وقالت نائبة وزير الخارجية الإيطالية مارينا سيريني “هناك حاجة ماسة إلى الاتفاق مع الليبيين على مسار واضح وشفاف، وغير طويل للغاية نحو الانتخابات”.

وهذه المواقف الدولية المتباينة فضلا عن الانقسامات التي برزت مؤخرا بين مجلسي النواب والدولة الذي تراجع عن إبداء دعمه لباشاغا، من شأنها أن تضفي مزيدا من التعقيدات على حل الأزمة الليبية.

وتمارس روسيا ضغطا آخر على الأمين العام للأمم المتحدة ومستشارته الخاصة إلى ليبيا، حيث تطالب بتعيين مبعوث أممي بدل ترك المنصب شاغرا، ولو أن ويليامز تتولاه فعليا.

وإصرار روسيا على تعيين مبعوث أممي جديد من شأنه إضعاف دور ويليامز في ليبيا، خاصة أن منصبها كمستشارة أقل نفوذا من منصب مبعوث أممي، الأمر الذي يدفعها إلى اتخاذ مواقف أكثر تحفظا وأقل وضوحا.

7