الأمراض المرتبطة بالفطريات... خطر يزداد انتشارا

الفطريات تتكاثر عن طريق نشر الجراثيم المجهرية، وغالبا ما توجد في الهواء والتربة، ويمكن استنشاقها أو تناولها مع الطعام.
السبت 2023/09/23
الفطريات تزداد مقاومة للعلاج

باريس - لا يزال الاهتمام المعطى لمعالجة حالات العدوى الناجمة عن الفطريات في جميع أنحاء العالم أقل من المستوى المطلوب، رغم تسببها بالكثير من الوفيات… ويتنامى هذا الخطر خصوصا بفعل تزايد مقاومة هذه الفطريات للعلاجات المتوافرة حاليا.

في المركز المرجعي الوطني للفطريات الغازية ومضادات الفطريات في معهد باستور في باريس، يتم فحص الفطر بدقة شديدة.

ويجري الباحثون في المركز تحاليل لحوالي 800 عينة كل عام، تشمل سلالات الخميرة أو الفطريات الخيطية (العفن) المزروعة، خصوصا تحت المجهر، لتحديد أنواعها ومقاومتها المحتملة للعلاجات.

وتقول فاني لانترنييه، وهي أخصائية في الأمراض المعدية في مستشفى نيكر ومسؤولة في المركز المرجعي التابع لمعهد باستور، إن “الفطريات موجودة في كل مكان، سواء كانت مرئية أم لا”. ويطلق المعهد في الرابع من أكتوبر عمليته السنوية لجمع الهبات المخصصة لتمويل المشاريع البحثية.

ويعتقد علماء الفطريات بأنّ هناك ما لا يقل عن مليون نوع من الفطر على الأرض.

تتكاثر الفطريات عن طريق نشر الجراثيم المجهرية. وغالبا ما توجد هذه الجراثيم في الهواء والتربة، ويمكن استنشاقها أو تناولها مع الطعام. وتعدّ بعض الخمائر أيضا جزءا من الكائنات الحية الدقيقة، وتوجد على الجلد وفي الجهاز الهضمي.

العبء الحقيقي للأمراض الفطرية ومقاومة الأدوية المضادة للفطريات غير معروف، وبالتالي فإن الاستجابة تتعرض للتقويض

كما أن بعض الالتهابات الفطرية الشائعة تكون خفيفة وسهلة العلاج بشكل عام، مثل مرض القلاع الفموي أو الالتهابات المهبلية أو عدوى الخميرة أو عدوى الخميرة الجلدية وفروة الرأس.

على الرغم من أن غالبية الجراثيم الموجودة على الجلد أو التي يتم استنشاقها في الرئتين ليست لها أي عواقب على الأشخاص الأصحّاء، إلا أنها من المحتمل أن تسبب التهابات حادة لدى المرضى الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي.

وتقول لانترنييه “إنها ستؤثر بشكل خاص على المرضى الضعفاء، بينهم على سبيل المثال، المصابون بالسرطان، أو بعدوى فايروس نقص المناعة البشرية، أو الذين خضعوا لعمليات زرع أعضاء أو لجراحات ثقيلة”.

وتشير إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ازديادا في بعض الالتهابات الفطرية، بسبب الاستخدام المتزايد للعلاجات المثبطة للمناعة لعلاج أمراض أخرى.

وفي العام الماضي، نشرت منظمة الصحة العالمية قائمة تضم 19 نوعا من الفطريات تجب دراستها كأولوية، قائلة إنها تشكّل “تهديدا كبيرا للصحة العامة”.

ومن بين الأنواع المسببة للمشكلات بشكل خاص، بحسب منظمة الصحة العالمية، “كريبتوكوكوس نيوفورمانس” الذي يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى التهاب السحايا، أو “كانديدا أوريس” الذي يمكن أن يسبب التهابات في أعضاء مختلفة، وخصوصا الدماغ أو “أسبرجيلوس فوفيغاتيس” الذي قد يسبب أمراضا رئوية.

وترتبط هذه العدوى بمعدلات وفيات عالية جدا تصل إلى 60 في المئة لدى البعض.

علماء الفطريات يعتقدون بأنّ هناك ما لا يقل عن مليون نوع من الفطر على الأرض

كما أن انتشار الأمراض الفطرية المتوطنة ونطاقها الجغرافي الذي كان يقتصر على مناطق معينة يتوسع في جميع أنحاء العالم نتيجة للاحترار المناخي وزيادة السفر.

وفي الربيع، حذرت المراكز الصحية الأميركية (سي.دي.سي) من زيادة حالات الإصابة بفطر “كانديدا أوريس”، وهو خميرة تنتشر حول العالم، في ظل توسع تفشيها في المؤسسات الصحية في جميع أنحاء البلاد.

ولا تزال فرنسا متأثرة قليلا بهذه المشكلة. لكن لمنع توطن وانتشار هذه الخميرة في المستشفيات الفرنسية، يوصى منذ هذا الصيف بإجراء فحص لمستوى انتشار “كانديدا أوريس” على المرضى الذين يدخلون بعد العلاج في مستشفيات خارج البلاد.

على الرغم من المخاوف المتزايدة، فإن الالتهابات الفطرية لا تحظى إلا بالقليل جدا من الاهتمام والموارد، بحسب منظمة الصحة العالمية.

ومن الشائع على نحو متزايد أن تكون مسبّبات الأمراض أكثر مقاومة للعلاجات، مثل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

وتوضح سارة ديليير، وهي عالمة فطريات في مستشفى سانت لويس في باريس وباحثة في معهد باستور “نستخدم مضادات للفطريات (أدوية) لعلاج المرضى، ولكن أيضا في الحقول لمنع بعض الفطريات من الفتك بالمحاصيل”.

بمرور الوقت، “تصبح بعض الفطريات مثل الرشاشيات مقاومة لمضادات الفطريات، ويتبين أن علاج المرضى الذين يصابون بها يصبح أكثر تعقيدا”، وفق ديليير.

وقد برزت هذه المقاومة بشكل خاص في هولندا، حيث انتشرت كميات كبيرة من مضادات الفطريات في حقول التوليب.

Thumbnail

وفي أكتوبر 2022، نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرا يسلط الضوء على أول قائمة على الإطلاق بالممرضات الفطرية ذات الأولوية، وهي عبارة عن فهرس بأسماء الفطريات التسعة عشر التي تشكل أكبر خطر على الصحة العامة. وتعد قائمة المنظمة بالمُمرضات الفطرية ذات الأولوية أول مجهود عالمي لتحديد أولويات المُمرضات الفطرية بشكل منهجي، مع مراعاة احتياجات البحث والتطوير غير الملبّاة والأهمية المتصورة للصحة العامة. وتهدف قائمة المنظمة بالمُمرضات الفطرية ذات الأولوية إلى التركيز على البحوث وإجراء المزيد منها بغية تعزيز الاستجابة العالمية لحالات العدوى بالفطريات ومقاومة الأدوية المضادة للفطريات.

وتشكل المُمرضات الفطرية خطرا كبيرا على الصحة العامة لأنها تزداد شيوعا ومقاومة للعلاج، علما أنه لا تتاح حاليا سوى أربع فئات من الأدوية المضادة للفطريات وعدد قليل من الأدوية المرشحة قيد التطوير السريري. ولا تتوافر وسائل تشخيص سريعة وحسّاسة لمعظم المُمرضات الفطرية، كما أن تلك الموجودة لا تتاح على نطاق واسع أو بتكلفة معقولة على الصعيد العالمي.

وغالبا ما تؤثر الأشكال الغزوية للعدوى بالفطريات هذه على المرضى المصابين بأمراض وخيمة وأولئك الذين يعانون من اعتلالات كامنة خطيرة مرتبطة بالجهاز المناعي. وتشمل الفئات السكانية الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالعدوى الغزوية بالفطريات الأشخاص المصابين بالسرطان وفايروس العوز المناعي البشري (الإيدز) وأولئك الذين تُجرى عليهم عمليات زرع الأعضاء والأشخاص المصابين بأمراض تنفسية مزمنة وعدوى السل.

وتشير بيّنات مستجدة إلى أن معدل الإصابة بالأمراض الفطرية ونطاقها الجغرافي آخذان في الاتّساع على الصعيد العالمي نتيجة للاحترار العالمي وزيادة حركة السفر والتجارة الدوليين. وخلال جائحة كوفيد – 19، زاد معدل الإصابة بالعدوى الغزوية بالفطريات المبلغ عنه بشكل كبير بين المرضى في المستشفيات. وتتزايد مخاطر الإصابة بالأشكال الأكثر غزوية من العدوى بين عامة السكان مع تزايد مقاومة الفطريات التي تسبب حالات العدوى الشائعة (مثل داء المُبْيَضَّاتِ الفموي والمهبلي) للعلاج.

وقالت الدكتورة حنان بلخي، المديرة العامة المساعدة لشؤون مقاومة مضادات الميكروبات في المنظمة، “إن حالات العدوى بالفطريات، التي خرجت من ظلال جائحة مقاومة الميكروبات لمضادات الميكروبات، تتزايد يوما بعد يوم، وأصبحت أكثر مقاومة للعلاجات ومصدر قلق للصحة العامة في العالم بأسره”.

وعلى الرغم من القلق المتزايد إزاء حالات العدوى بالفطريات، إلا أنه لا يُكرَّس لها إلا قدر ضئيل جدا من الاهتمام والموارد، مما يتسبب في ندرة البيانات عالية الجودة بشأن توزيع الأمراض الفطرية وأنماط مقاومة الأدوية المضادة للفطريات. ونتيجة لذلك، فإن العبء الحقيقي للأمراض الفطرية ومقاومة الأدوية المضادة للفطريات غير معروف، وبالتالي فإن الاستجابة تتعرض للتقويض.

15