الألغام الأرضية تنغص عيش السوريين في الغوطة الشرقية

الغوطة الشرقية (سوريا) - توقفت المعارك أو تراجعت حدتها في أغلب المدن والمناطق السورية، إلا أن تبعاتها لم تتوقف عن حصد أرواح المدنيين، حيث لا يزال سكان الغوطة الشرقية يواجهون خطر الألغام الأرضية.
وتعد الألغام من أشد مخلفات الحرب السورية خطورة، وتهدد حياة المدنيين وتعرقل عودة النازحين إلى منازلهم.
وتحيط الغوطة بمدينة دمشق من الشرق والغرب والجنوب وهي تتبع دمشق وريف دمشق، وهي سهل ممتد من بساتين غنّاء. أما مركز الغوطة الشرقية فيبدأ من مدينة دوما ليمتد نحو الشرق والجنوب محيطا بالعاصمة السورية ببساط أخضر وأشجار كثيفة.
وتعين على المواطن السوري أبومحمد أن يتأقلم مع أوضاع كثيرة عندما اندلعت الحرب في وطنه سوريا في العام 2011.
واضطر الرجل، الذي يعمل في الأصل نجارا في بلدة كفر بطنا في الغوطة الشرقية، إلى الفرار بشكل مؤقت إلى دمشق في عام 2014 عندما فُتح طريق إنساني لإنقاذ المدنيين من الصراع الدائر بين الجيش السوري ومقاتلي المعارضة المسلحة.
وبعد ذلك بأربع سنوات عندما تم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة ومقاتلي المعارضة أدى إلى نقل المقاتلين إلى شمال البلاد، كانت ورشته دمرت بالكامل مما اضطره إلى الجوء إلى بيع الحلويات على دراجة هوائية لكسب قوته.
حصيلة الألغام عام 2022
• 300 لغم مضاد للدبابات
• 1500 عبوة ناسفة
• 1400 صاروخ وقذيفة
وفي أثناء قيادته الدراجة من بلدة إلى أخرى، وقع أبومحمد ضحية لغم انفجر بجانبه.
وقال أبومحمد “كنت عم بيع حلويات على بسكليت وعم دور بالحارات من زملكا لعين ترما لحزة، من هون لهون، وإذ قدام المقسم تبع زملكا ما عرفت شو صار، التفتت وقتها، شي توفى، شي راح يديه، شي رجليه، وأنا دغري راحت رجلي (خسرت رجلي) اليسار”.
وبعد أن فقد ساقه، اضطر أبومحمد إلى إعادة ترتيب حياته من جديد.
فقام بتعديل شاحنة صغيرة لتتناسب مع إعاقته وأضاف ناقل حركة يدويا، وهو يعمل سائق توصيل الآن.
وذكر “المصروف ما بيرحم فمتل مانك شايف عم أشتغل عهاي الوسيلة نطالع لقمة عيشنا، ساوينا هالحركة تبع السيارة، ويوم نشتغل وعشرة أيام ما بنشتغل”.
وأبومحمد واحد من ضحايا كثيرين للذخائر المتفجرة في البلد الذي مزقته الحرب.
وقالت أم عمر (75 عاما) زوجة أحد ضحايا الألغام “الصبي عمره 12 سنة (حفيدها) واقف هنا وأبومحروس (صهرها) هنا وأنا هناك، وصهري الثاني كان يشاهد جدران المطبخ التي كانت ساقطة على الأرض ومشيو باتجاهي وما شفت إلا شي وضرب بوجهي، التفت ولقيت الدخان ولا عاد بيّن الولد ولا حد شفت دم عم ينزل من وجهي بعد ما راحت الدخنة، لقيت صهري أبومحروس هون ملحوش (واقع) وصهري علي هون والصبي هنا والدم ينفر منه”.
وتعدّ سوريا أكثر الدول تسجيلا لعدد ضحايا الألغام بالعالم، بعد رصد الأمم المتحدة وقوع حادث انفجار لغم كل 10 دقائق في الفترة من 2016 حتى 2021.
ووفقا لبيان صادر عن فريق الأمم المتحدة في سوريا، يُقدر أن واحدا من كل سوريين اثنين يعيش في مناطق ملوثة بالألغام.
وأفاد البيان أيضا بأن 12350 حادثة انفجار ذخائر وقعت في سوريا ما بين عامي 2019 وأبريل 2022، بمعدل خمس حوادث يوميا في المتوسط، نتيجة انفجار ألغام أرضية أو ذخائر غير منفجرة.
وتقول تقارير لمنظمة الصليب الأحمر الدولي إن نسبة القتلى في حوادث انفجار الألغام الأرضية بلغت 35 في المئة. وسجل الأطفال 25 في المئة من الضحايا وتضرر 50 في المئة منهم ببتر أحد أطرافهم.
وقال العميد علي قاسم، قائد مجموعة التأمين الهندسي في الغوطة الشرقية، “بناء على إخبارية من الأهالي عن وجود أكثر من عبوة في المنطقة، قدمنا مع مجموعة من النقّابين وتم الكشف عن العبوات وتم نزعها، ويتم نقلها بعد تأمينها إلى منطقة تجميع العبوات، ومن ثم يتم إتلافها بموجب محاضر إتلاف نظامية”.
وأضاف “خلال عام 2022 بالغوطة الشرقية، تم العثور على حوالي 300 لغم مضاد للدبابات و1500 عبوة ناسفة، بحدود 1400 صاروخ وقذيفة مجدبة لم تنفجر”.
وعلى الرغم من عودة الاستقرار نسبيا إلى العديد من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة داخل البلاد، فإن الذخائر المتفجرة لا تزال تشكل تهديدا للعديد من المواطنين.
وزُرعت الألغام في مناطق سكنية وحقول ومؤسسات حكومية على مدى سنوات خلال الصراع، لذلك أنشأت السلطات لجنة وطنية لتشرف على عملية تطهير المناطق والمنشآت السورية من الألغام.
ورغم أن اللجنة تعمل بجهود مكثفة لتطهير المناطق المتضررة من الحرب، حيث تمكنت من إزالة أكثر من 50 ألف عبوة ناسفة، و45 ألف لغم، و84 ألف قذيفة غير منفجرة، وتطهير نحو 55 ألف هكتار من المناطق السورية من الألغام، إلا أن مهمة نزع الألغام تحولت إلى أزمة تؤرق الدولة السورية وتهدد المجتمع، لعدم دقة المعلومات حول مناطق انتشار الألغام في سوريا، وصعوبة الكشف عنها وإزالتها في المدن التي لم تتم إعادة إعمارها بعد، إضافة إلى التكلفة الباهظة لعملية مسح مخلفات الحرب ونزعها من الأراضي والمباني المهدمة.