الأفندي الذي علمنا الصبر

في ثلاثينيات القرن العشرين، غنت المطربة العراقية صديقة الملاية "الأفندي الأفندي عيوني الأفندي/ الله يخلي صبري صندوق أمين البصرة". وصبري أفندي شخصية حقيقية، وليست من اختراع مؤلف الأغنية التي بسببها ذاع صيت صبري الذي كان يعمل مديرا ماليا لولاية البصرة في العهد العثماني.
"صبري" اسم مشتق من الصبر، لذلك فمَن يقع عليه ذلك الاسم يكون نصيبه من الحياة أن يصبر على الشدائد والمصاعب. ومَن يصبر، لابد أن يتحلى بالشجاعة والصلابة والقدرة على تحمل المشاق. وفي ذلك يقول قيس بن الملوح "سأصبر حتى يعلم الناس أنني/ على نائبات الدهر أقوى من الصخر".
ولأن التجربة الواقعية تؤكد أن المرأة هي أكثر صبرا من الرجل الذي سريعا ما يعطب ويبحث عمَن يحمله أسباب شعوره بالإحباط، يكون علينا أن نفكر بـ"ليلى" التي عذبها بن الملوح بجنونه.
المرأة لا تبوح بأسرارها الدفينة، ولا تمد يدها باحثة عمَن يعينها، ولا تصرخ كما فعل عبدالحليم حافظ “ومنين نجيب الصبر يا أهل الله يداوينا/ اللي انكوى بالحب قبلينا يقول لينا”. يفضل الرجل أن لا يصل إلى مرحلة يكون فيها مضطرا على الصبر، وهو ما لا يقوى عليه.
غير أن أم كلثوم وجدت الحل “متصبرنيش بوعود/ وكلام معسول وعهود/ أنا ياما صبرت زمان/ على نار وعذاب وهوان/ وهي غلطة ومش حتعود/ ولو أن الشوق موجود/ وحنيني إليك موجود/ إنما للصبر حدود”.
وفي ذلك خروج من دائرة “صبر أيوب” الذي يُفترض ألا يكون له حدود. غير أن الحياة الحقيقية لا تشبه الأسطورة، وإن كانت تسعى إلى التشبه بها. فالإنسان كائن يعيش حياته كما لو أنها لحظة. والامتثال لقوة الصبر قد تسلب من وجهة نظره تلك اللحظة الكثير من مفاجآتها السارة.
ولأن الصبر مفتاح الفرج، تصر ميادة الحناوي على أن تكون أيوبية التوجه. تقول "صبرنا ولا صبر أيوب في زمانو يا بشر/ جرحنا بعثو لنا قبل أوانه القدر"، بعكس العراقي رضا علي الذي يحمل قلبه مسؤولية ما يعاني "من قلبي ما لا قيت غير الأذية/ كلما أنصحه يقول اصبر شوية".
ومن الظريف، أن العرب يكنون الحمار بـ"أبي صابر" لقدرته على التحمل. وليست تلك هي صفته الوحيدة، فواحدة من أهم صفاته الأخرى، كما يقول علماء الحيوان، إنه واحد من أذكى الحيوانات. يكفي أن يمشي على طريق مرة واحدة ليحفظها طوال حياته.
ليس أبوصابر غبيا، كما جرى القول على ألسنة الكثير من البشر. وإذا ما عدنا إلى القاموس الكلثومي نقول "وصفولي الصبر/ لقيتو خيال/ وكلام في الحب/ يدوب يتقال".