الأفغان في إيران: موت بطيء متبل بالرعب

الأربعاء 2017/10/11
يضيع العمر بين أكداس القمامة

يزد (إيران) – لا يعرف عبدالعلي عمره بالضبط، لكنه يعتقد أنه وصل إلى الخامسة والستين قبل بضع سنوات، يقف مع حفيدته فاروخ البالغة من العمر سبع سنوات، والتي تستغل الموقف لتتناول بعض الحلوى بجوار عربة اليد التي يعمل بها.

في كل ليلة، تمتلئ شوارع مدينة يزد القديمة بالأكواب البلاستيكية وبقايا الطعام والحاويات الكرتونية التي تخلص منها أصحاب المحلات. يعمل عبدالعلي كعامل نظافة في شوارع المدينة منذ عام 1979، عندما انتقل هو وعائلته إلى إيران عقب الاحتلال السوفييتي لأفغانستان.

وبالرغم من أن الأطباء حذروه من العمل بسبب تدهور صحته، إلا أنه لا يستطيع لأن الأدوية التي يستعملها لعلاج ظهره مكلفة للغاية، والأهم من ذلك كله أن وظيفته هي مصدر دخل عائلته الوحيد بعدما أصبح ابنه أشرف الآن عاطلا عن العمل لمدة عامين، وابنه ماهر مفقود على يد الشرطة الإيرانية قبل عدة أشهر ولا يعلم مصيره حتى الآن، لذلك تقوم حفيدته الصغرى بمساعدته والعمل معه في جمع القمامة.

لم يسمع عبد العلي أي خبر عن ابنه المفقود منذ مدة، ويخشى أن يكون قد قُتل دون أن يقع إعلامه بموته.

ويقول عبدالعلي وهو يمسح عرقه عن جبينه “أُصلّي من أجله كل يوم، ولكنني مستعد لسماع الخبر الأسوأ: انفجار، اختطاف…الله وحده يعلم ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة”.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، ساعدته حفيدته فاروخ على جمع القمامة حرصا على عدم انحناء جدها في الكثير من الأحيان، ولكن مع ازدياد الألم، يخيم على عقله الخوف من الموت وترك عائلته دون مورد رزق.

وأضاف عبدالعلي لـ“ميدل ايست آي” قبل أن يلتقط عربته ويمضي في طريقه مع حفيدته “مصيرنا نحن الأفغان أن نفعل ما لا يريد الإيرانيون القيام به…حتى الموت”.

وتقع مدينة يزد في موقع صحراوي بعيد في وسط إيران، حيث يعيش الآلاف من اللاجئين الأفغان عادة بشكل غير مشروع في البلدة القديمة في منازل مهجورة مصنوعة من الطين والطوب النيء.

يعملون هناك في قطاع البناء حمالين، يستهدفهم السكان المحليون عادة بالشتائم، وتشهد على ذلك جدران وسط المدينة التي حملت احتجاجات ضد اللاجئين الأفغان موقعة بإمضاء موحد من مجموعة تسمى بـ”مواطن الحي”.

مركز تحديد الهوية في طهران يشبه المعتقل يهان فيه كبار السن ويتعرضون للضرب ويهدد الأطفال الأفغان بالترحيل

ويقول ملا من حي هزارة الأفغاني “لا يمكننا أن نقول إن جميع سكان المدينة يكرهوننا، ففي النهاية نتقاسم نفس الجذور الدينية ولدينا عادات متماثلة، لكننا نعيش في إطار التمييز والفصل الذي يسمح للمتطرفين بالقيام بكل ما يريدون ضدنا دون انتظار العقاب”.

ما يحدث في يزد لا يختلف كثيرا عما يواجهه اللاجئون الأفغان يوميا في كل المدن الإيرانية. وبعد ما يقرب من أربعة عقود من بدء النزوح الأفغاني، تؤوي إيران حوالي ثلاثة ملايين لاجئ وسط سكانها البالغ عددهم 80 مليون نسمة.

وفي مايو 2016، خلال اجتماع مع الرئيس شرف غني في طهران، أكد المرشد آية الله خامنئي أن “جمهورية إيران الإسلامية، على خلاف بعض الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، تعامل دائما الشعب الأفغاني باحترام وأخوة وحسن ضيافة”.

ويرى الأفغان أن إعلان خامنئي عن المساواة بحقهم هو مجرد إدعاء، إذ لا يمكن للأفغان الحصول على الجنسية مثلا. وبدلا من ذلك، يعانون من التمييز العنصري الذي غالبا ما يدفع جيل الشباب الأفغان إلى الهروب من الواقع والحلم بالمغادرة إلى القارة الأوروبية.

اللاجئ الافغاني في إيران لا يستطيع امتلاك سيارة أو منزل أو حساب مصرفي أو حتى شريحة هاتف جوال، إلا من خلال طرف ثالث إيراني، ولا يمكنه أيضا أن يكون صاحب عمل، حتى الأطفال الأفغان لا يمكنهم الحصول على مقعد في المدرسة إلا إذا قرر المدير ذلك بعد أن يتم تسجيل كل التلاميذ الإيرانيين.

وصل مصطفى، وهو تقني مقاطع فيديو يبلغ من العمر 23 عاما، إلى أوروبا عن طريق البحر عندما كان يبلغ من العمر 17 عاما ولديه الآن إقامة دنماركية. ويقول “كونك طفلا أفغانيا في إيران، هو أكبر تحد بالعالم. لا يمكنك الذهاب لممارسة السباحة في الأماكن العامة؛ سيقولون لك إن الأفغان قذرون ويلوثون المياه. أما في المدرسة، إذا كنت محظوظا بما يكفي للحصول على مكان للدراسة، فسيشجع المعلمون الطلاب الآخرين على الاجتهاد ليصبحوا أفضل من الطالب الأفغاني، حيث أنه من غير المقبول أن يحصل الأفغاني على درجات أعلى”.

وأضاف مصطفى “ولن تتغير الأمور كثيرا إذا ذهبت إلى الجامعة. يمكنك فقط اختيار ما تود دراسته من بين مجموعة صغيرة من الكليات المعتمدة، ثم يجب عليك تحضير جميع الوثائق المطلوبة من أفغانستان بالطبع، على الرغم من أن العودة إلى أفغانستان قد تكون خطيرة للغاية. وفي النهاية، إذا كنت محظوظا جدا للإفلات من يد طالبان وداعش وأمراء الحرب والضباط الفاسدين، يمكنك حينها الحصول على تأشيرة والعودة إلى إيران وبدء حياتك الأكاديمية”.

وإذا ما تم توقيف أفغاني لا يحمل وثائق أو تصاريح إقامة، فإنه يعتقل ويرحل إلى مناطق بعينها في أفغانستان معروفة بتواجد تنظيم داعش فيها بشكل كبير.

ويروي جعفر، البالغ من العمر 43 عاما، قصته منذ أن انتقل للعيش بأصفهان من أفغانستان عندما كان صبيا صغيرا، ويعمل الآن بنّاء، “نحن الآن مثل الأجانب والغرباء بالنسبة للإيرانيين، نعيش دائما في قلق وخوف من الترحيل أو الاعتقال أو الضرب في الشوارع لمجرد أن بعض رجال الشرطة لا تروق لهم رؤيتنا. لهذا السبب نفضل المخاطرة بالموت ومحاولة الوصول إلى أوروبا”.

وفي يوليو عاد مصطفى إلى إيران لرؤية أمه، وعلى الرغم من حصوله على تأشيرة وبطاقة هوية دنماركية، فقد أُلقي القبض عليه في طهران على أيدي خمسة من ضباط الشرطة ونقلوه إلى مركز تحديد الهوية والترحيل.

ويقول مصطفى “يمكنك تسمية هذا المكان معسكر اعتقال، رأيت الجنود يضربون كبار السن الذين كانت جريمتهم الوحيدة هي أصلهم العرقي. سال الدم في كل مكان، كانوا يهددون الأطفال بترحيلهم إلى أفغانستان إذا لم ينضموا إلى الجيش للقتال في سوريا، ومن حسن الحظ أنهم قرروا في النهاية عدم ترحيلي بسبب وثائقي الأوروبية، لذلك أطلقوا سراحي، لكنني لا أستطيع التوقف عن التفكير في ما رأيته هناك”.

إذا ما تم توقيف أفغاني لا يحمل وثائق أو تصاريح إقامة، فإنه يعتقل ويرحل إلى مناطق بعينها في أفغانستان معروفة بتواجد تنظيم داعش فيها بشكل كبير

ويصعب على الأفغان العثور على المهرب المناسب للخروج من إيران، ولا يسمح لهم بالانتقال من مدينة إلى أخرى دون تصاريح خاصة صادرة من السلطات المحلية.

قصة سردار، اللاجئ الشاب الذي اختار المهرب الخطأ تروي معاناة الأفغان أثناء محاولتهم الهروب من الجحيم الإيراني.

عندما غادر سردار شيراز لبدء رحلته باتجاه أوروبا، لم يكن من المتوقع أن تنتهي الرحلة داخل كهف في قرية كردية قريبة من أورومية، آخر مدينة كبيرة قبل الحدود التركية.

هناك تم بيعه لعصابة طلبت فدية من والده، وعندما لم يستجب في الوقت المناسب، قطع الخاطفون اثنين من أصابع سردار من يده اليسرى وأرسلوا للوالد صورة له وهو ينزف.

نجا سردار من المعذبين فقط لأن أسرته استطاعت جمع ما يكفي من المال بمساعدة جيرانها الأفغان في مدينتها، وهو يعيش الآن في أستراليا وأتيحت له الفرصة لتبني اثنين من الأطفال الأيتام الأفغان.

ويقول مصطفى أثناء القيام بإجراءات عودته لأوروبا مرة أخرى “على الرغم من أن الجميع يدركون المخاطر الكبيرة لعبور الحدود، إلا أنهم سيواصلون الهرب. والسبب بسيط جدا: هنا يعيش الجميع في خوف”.

12