الأفغان العائدون من باكستان في رحلة صعبة للاستقرار

المهاجرون الأفغان غير الشرعيين عاشوا حياة محفوفة بالمخاطر في باكستان وهم يعودون اليوم مطرودين إلى بلادهم.
السبت 2023/11/18
من جحيم إلى جحيم

تورخام (أفغانستان) - منذ أعلنت باكستان أنّ المهاجرين غير الشرعيين غير مرغوب فيهم على أراضيها، مرّ ما لا يقل عن 210 آلاف أفغاني عبر تورخام في الشهرين الماضيين.

وفي مخيم تورخام الحدودي الشاسع، أُفرغت العديد من الخيام المصطفّة عند سفوح الجبال من قاطنيها. وفي إحدى الخيم، كانت امرأة تهزّ رضيعها بانتظار مغادرة العائلة التي طُردت أخيراً من باكستان، لإعادة بناء حياتها في أفغانستان.

وفي الأثناء، كانت الشاحنات المحمّلة بعائلات تحمل معها بطانيات ملوّنة وأدوات مطبخ تستعدّ للانطلاق على الطريق باتجاه مقاطعات أفغانية مختلفة. وكانت كلّ عائلة تحمل في جيوبها 15 ألف أفغاني (190 يورو)، وهو ما يكفي لإعالة أسرة لمدة شهر. ويقول شير آغا (43 عاماً) وهو أب لتسعة أطفال كان يعمل حارساً أمنياً في باكستان “ليس لدينا مكان نذهب إليه، ليس لدينا منزل ولا أرض وليس لدي عمل”.

وكان ينتظر أن تنقله الشاحنة مع عائلته إلى مسقط رأسه في مقاطعة قندوز شمالاً. غير أنّ شير آغا غادر أفغانستان عندما كان في الخامسة من عمره، ولم يحتفظ بأيّ ذكرى عنها. ويضيف “لم يعد لديّ أي عائلة في قندوز (…) أطفالي يسألونني: ولكن إلى أيّ بلد سنذهب؟”. وعاش المهاجرون غير الشرعيين حياة محفوفة بالمخاطر في باكستان، ومن لم يتمكّن من بيع ممتلكاته، قام بذلك أثناء رحلة العودة.

وفي بداية نوفمبر، تدفّقت أكثر من 2500 أسرة إلى تورخام يومياً، بعدما دفعتها إسلام آباد إلى المغادرة، ثمّ انخفض العدد إلى حوالي 400 أسرة في الأيام الأخيرة، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.

عع

وتحت خيمتها التي تحمل عبارة “مساعدات الصين”، تُخفي أمينة (40 عاماً) وجهها بغطاء أحمر. وتتوجّه المرأة مع أولادها العشرة إلى جلال آباد عاصمة ولاية ننغرهار حيث تقع مدينة تورخام أيضاً. وتقول إنّ لديها “العديد من الإخوة وأبناء الإخوة” هناك. لكنّها تضيف بحزن “طلبت من عائلتي أن يجدوا لنا منزلاً لنستأجره لكنهم يقولون لا يوجد منزل، ولم يأتِ أحد لرؤيتنا”.

وتتابع أمينة “إذا لم يعمل الفتيان، فلن نتمكّن من الصمود”، في حين أنّ الاقتصاد الأفغاني منهك ونسبة البطالة مرتفعة. وتشير إلى أنّهم “في باكستان، كانوا يعملون في الأسواق، ويحضرون ما يكفي من المال”، متسائلة “كيف سنفعل ذلك هنا؟”.

وتحت خيمة زرقاء أخرى، يتجمّع أفراد عائلة غول باري الستة عشر معاً. كانوا ينامون على قطع من الكرتون من دون بطانيات، رغم أنّ الحرارة تنخفض إلى أقل من 15 درجة في الليل.

وكانت أبواق الشاحنات التي تأتي لتوصيل المياه التي طال انتظارها، تحجب صوت المرأة الأفغانية التي تبلغ من العمر 46 عاماً.

وكان سوء التغذية بادياً على حفيدها، وتشرح قائلة إنّهم سيغادرون في غضون خمسة أيام إلى قندوز لبدء حياة جديدة في أفغانستان التي لم ترها منذ أربعين عاماً.

وتضيف “ليس لدينا شيء. ونخشى الموت من الجوع. ولكن إذا وجدنا عملاً، سنكون بخير. وسنكون سعداء في وطننا. لقد تعرّضنا لمضايقات في باكستان”.

ويوضح العديد من اللاجئين الذين فرّوا من أفغانستان التي مزّقتها الحرب منذ 40 عاماً، أنّ تحسّن الوضع الأمني منذ عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021 دفعهم أيضاً إلى العودة.

وفي مقاطعة لغمان المجاورة انتهى الأمر بأمان الله وعائلته من دون أي شيء يستندون إليه أو يعيلهم بعد “الوحشية” الباكستانية.

فف

ووسط العشرات من الخيام التابعة للهلال الأحمر، يصف الرجل البالغ من العمر 43 عاماً عاش منها 35 في باكستان حيث كان يعمل في مواقع البناء، قسوة الحياة في المخيّم بالنسبة إليه ولزوجته ولأطفاله الستة. ويبدأ بالقول “لا توجد مراحيض، وتعاني النساء من صعوبة كبيرة” لأنّه يتعيّن عليهن الانتظار حتى حلول الليل للخروج.

ويشير إلى أنّ الكهرباء تتوفّر لمدة ساعتين فقط يومياً لشحن الهواتف المحمولة. ويقول رافعاً مصباحاً يدويا صغيراً “يدخل الظلام إلى كلّ الخيام” بعد حلول الليل. ويتابع أمان الله “لدينا أطفال صغار، لذلك لدينا الكثير من المشاكل”، مضيفاً “إذا بقينا هنا لمدة خمسة أيام، أو شهر، أو سنة، يمكن أن يكون الأمر على ما يرام. لكننا نحتاج إلى عمل، ومنزل. يجب أن نبدأ كلّ شيء من الصفر”.

وفي مكان أبعد، تميل الشاحنة المفتوحة التي تتكدس فيها شازيا مع 20 امرأة وطفلاً آخرين، بشكل خطير على منعطفات الطريق المؤدّي إلى جلال آباد. وبعد عودتها من باكستان، تبدو شازيا محظوظة أكثر من الأخريات، فقد غادر زوجها قبل يومين ووجد منزلاً مكوّناً من أربع غرف في جلال آباد لأربع عائلات.

وتقول الشابة البالغة من العمر 22 عاماً، وهي أم لثلاثة أطفال آخرهم يبلغ من العمر شهرين “الإيجار باهظ الثمن. لكن الليلة سنتمكن من النوم”. وتضيف “سنكون قادرين على الاغتسال. لقد مرّت عشرة أيام منذ أن استحممنا”.

16