الأفغانيات يعدن إلى "الكفن" الأزرق

بات الأفغانيون ممن لا يستطيعون العيش تحت سلطة طالبان في حالة قلق وفزع دائمين، وتزداد المخاوف لدى النساء والفتيات اللاتي سيتعرضن لأنواع من الظلم والقهر من قبل مقاتلين لا يعرفون حقوق المرأة وحرياتها، وبدأوا بإغلاق مدارس وطرد الموظفات في خطوة تنذر بحقبة حكم مظلمة.
كابول - بعد أن سيطرت حركة طالبان على معظم أراضي أفغانستان ودخلت العاصمة كابول، بل والقصر الرئاسي، بدت ملامح الحياة التي كانت تتشكل على مدار العقدين الماضيين عقب تنحية الحركة عن المشهد تتبخر وتتبخر معها أحلام الكثير من الأفغان لاسيما النساء.
تقول الصحافية روث بولارد، المتخصصة في تغطية الصراعات بالشرق الأوسط، في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إنه مع دخول طالبان كابول الأحد جمع المحاضرون في الجامعات طالباتهم في طقوس أشبه بالوداع النهائي. وقال المحاضرون للشابات المصدومات “قد لا نلتقي مرة أخرى”.
وقد تم إجلاء جميع المحاضرين، كما أُغلقت الجامعات إلى جانب المدارس والمكاتب والمحلات التجارية.
وتضيف بولارد أنها تحدثت عبر الهاتف مع عائشة خورام، إحدى الطالبات اللواتي تبدد حلمها بالدراسة الأكاديمية، ومثلها الآلاف.
الملابس الزرقاء السميكة التي تغطي جسد المرأة من الرأس إلى أخمص القدمين هي الملبس الحتمي غالي الثمن
وكانت عائشة -الطالبة البالغة من العمر 22 عاما- تدرس في الفصل الدراسي الأخير من تخصصها في العلاقات الدولية بجامعة كابول. وبقي شهران فقط يفصلانها عن تخرجها المفترض، لكن بعد الأحداث الأخيرة شعرت بالإحباط حيث تقول “الآن يبدو أنني لن أتخرّج أبدا”.
وكان موضوع البحث الذي تعكف عليه عائشة خورام يحوم حول إصلاحات مجلس الأمن الدولي وكيف ستؤثر تلك الإصلاحات على المهام الخاصة في بلدان مثل أفغانستان.
سرين سلطاني مديرة مدرسة ثانوية للبنات في كابول، حاربت على مدى سنوات من أجل حقوق الفتيات الأفغانيات، أما الآن فهي تعيش “في خوف دائم على سلامة طلابها” وفق تصريحاتها لموقع شبكة “أ بي سي” الأميركية.
وتقول “أنا حزينة جدّا. عندما أرى كل هؤلاء الفتيات أشعر بالضيق الشديد. لم نتمكن من ضمان خروج النساء من هذا الوضع البائس”.
وتضيف سلطاني أن شعورها بالحزن تفاقم بعد خروج الرئيس أشرف غني وسيطرة طالبان على مجريات الأمور.
وفي هيرات -ثالثة كبرى مدن البلاد، وسقطت في أيدي طالبان الخميس الماضي- طُلب من الفتيات اللواتي كن في جامعاتهن العودة إلى منازلهن، بحسب خورام التي علقت قائلة “نظام التعليم ينهار”.
وتقول بولارد “مع ذلك هناك عمل واحد يزدهر؛ ففي الولايات يُعاد فتح محلات بيع البرقع، وأصبحت الملابس الزرقاء السميكة التي تغطي جسد المرأة من الرأس إلى أخمص القدمين (الرمز القمعي لحكم طالبان السابق) هي الملبس الحتمي غالي الثمن، ولكن ليس للجميع”.
وتقول خورام -التي كانت ممثلة للشباب الأفغاني لدى الأمم المتحدة في عام 2019- “أرى الكثير من النساء اللواتي لم يعاصرن فترة طالبان السابقة يقلن: لن نلتزم بهذا اللباس القمعي”.
وتضيف “لا أعرف ماذا سيحدث للجيل الشاب من النساء الأفغانيات. لقد كنّ رائعات جدا، والآن يجلسن جميعا في المنازل ويتساءلن عما سيحدث. لقد شكل هذا الجيل أفغانستان الحديثة”.
وتشير تقارير إعلامية إلى أنه عندما ذهب مقاتلو طالبان إلى فروع بنك عزيزي في قندهار الواقعة جنوب أفغانستان أمروا تسع نساء ممن يعملن هناك بمغادرة المكان.
واصطحب رجال مسلحون هؤلاء النساء إلى منازلهن وأمروهن بعدم العودة إلى وظائفهن، وأخبروهن بأن الأقارب الذكور يمكن أن يحلوا محلهن.
وكل ما يمكن لمواطني أفغانستان القيام به هو الانتظار والشعور بالقلق. وترددت أنباء الأحد عن إقلاع عشرات الرحلات الجوية بالمروحيات فوق كابول حيث هرعت عدة دول -وعلى رأسها الولايات المتحدة- إلى إجلاء مواطنيها تاركة الأفغان لمصيرهم.
وتسيطر طالبان الآن على كل أفغانستان تقريبا، من الولايات إلى عواصمها والمعابر الحدودية مع معظم الدول الست المجاورة، والآن صارت تسيطر على العاصمة، وقد طلبت من مقاتليها البقاء على أبواب كابول حتى إشعار آخر.
لكن هذا أمر عديم الجدوى للأفغان، بما في ذلك آلاف النازحين الذين تدفقوا إلى العاصمة هربا من حكم طالبان شديد القسوة، حيث تتسرب التقارير التي تفيد بتنفيذ عمليات القتل الانتقامية القبيحة وبأن النساء يطلب منهن مغادرة أماكن عملهن والعودة إلى منازلهن كما يطلب من الرجال إطلاق اللحى ومن الفتيات عدم الذهاب إلى المدارس. وبات حلم الأفغان بمستقبل أفضل يتبخر الآن ليعودوا مباشرة إلى عهد التسعينات من القرن الماضي.
وخلال السنوات العشرين الأخيرة انتعش المجتمع المدني في أفغانستان بشكل كبير، وتولت النساء مناصب عامة في كابول والمدن الصغيرة، وانتشرت الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، وصارت الإنترنت موجودة في كل مكان تقريبا.
تقول فوزية كوفي -الناشطة في مجال حقوق المرأة- إن مستقبل المرأة في أفغانستان يبدو قاتما.
وتضيف كوفي أن “النساء في أفغانستان هن الأكثر عرضة للخطر”، موضحة أن “المجرمين” الذين حررتهم الحركة من السجون لتعزيز صفوفها “يشكلون الآن أيضا تهديدا، إلى جانب الرافضين لتمكين المرأة في السنوات العشرين الماضية”.
وأعربت نساء في رسالة شاركها مكتب روغول خيرزاد، نائب ولاية نمروز، عن مخاوفهن من مستقبل “بلا حق في التعليم، ولا حق في التدريس، ولا حق في العمل”. وجاء في الرسالة “لقد أظهرت حركة طالبان خلال النظام السابق أنها لن تسمح للمرأة أبدا بالدراسة والعمل”.
ودعت الرسالة “المجتمع الدولي” إلى التدخل قائلة “أرجوكم أوقفوا طالبان. احترموا النساء والفتيات”.
وتضمنت الرسالة مخاوف من احتمال إجبار النساء والفتيات على الزواج من مسلحي طالبان.
وقالت كوفي والمسؤول الإقليمي إنهما تلقيا تقارير تفيد بإجبار النساء على “الزواج بالقوة”. وفي حين أن كوفي لا تعتقد أن هذه الممارسة منتشرة على نطاق واسع، إلا أن هذا لا يعني أن سوء السلوك لم يحدث، وأن من المرجح أن المكتب السياسي لطالبان “منفصل عن المقاتلين العسكريين”.
وعلى الرغم من المخاطر الحقيقية لا يزال العديد من الأفغان يتحدثون بصراحة، حيث يتعامل بعضهم مباشرة مع المتحدثين باسم طالبان على تويتر، مثل موسكا داستاجير المحاضر في الجامعة الأميركية في أفغانستان ومقرها كابول. وغرد داستاجير لسهيل شاهين عضو لجنة التفاوض في الحركة قائلا “لقد سئم الأفغان من كونهم ضحايا. لن تختبئ النساء الأفغانيات. ولن نخاف”.
وأضاف أن ” تركيز العالم بأسره ينصب على أفغانستان وكابول ومقاتلي طالبان وما يفعلونه”.