الأعمال الناشئة: القنب لإصلاح اقتصاد لبنان المتعثر

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يعلن أن المجلس النيابي بصدد التحضير لإقرار القوانين اللازمة لتشريع زراعة القنب المحظورة في إطار جهود رسمية للنهوض بالاقتصاد المتردي في البلاد
الجمعة 2018/07/20
القنب لإنعاش الاقتصاد اللبناني

بيروت – تمثل بلدة بريتال، في سهل البقاع اللبناني، واجهة للتناقض بين الفقر المدقع والثراء الفاحش. تنطلق السيارات القديمة المحطّمة على الطرق المليئة بالحفر بجانب سيارات بنتلي ورانج روفر اللامعة خالية من لوحات أرقام ومزودة بنوافذ مظللة. وفيما تنتشر البطالة بشكل كبير، تنتشر أيضا قصور ضخمة مسوّرة.

ويتحكم في معظم إنتاج القنب في لبنان مجموعة من العشائر القوية في البقاع. وتتم الزراعة بشكل علني تقريبا، رغم أن القانون اللبناني يعاقب كل من يتاجر بالحشيش. لكن، تشي تطورات بأن هذا الحظر قد يرفع، وأن تحولا كبيرا قد تشهده المنطقة إذا ما تم الاتفاق على تقنين زراعة القنب.

وأعلن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مؤخرا أن المجلس النيابي بصدد التحضير لإقرار القوانين اللازمة لتشريع زراعة القنب في إطار جهود رسمية للنهوض بالاقتصاد المتردي في البلاد. ويشير ريتشادر هال، الصحافي في جريدة الغارديان البريطانية، الذي قام بجولة في بريتال، رصد خلالها الوضع في معقل زراعة القنب في لبنان، إلى أن الخطة جزء من حزمة الإصلاحات المقترحة من قبل شركة ماكينزي الشهيرة، وهي شركة استشارية عالمية تمت الاستعانة بها من أجل التوصل إلى خطة خمسية لإنقاذ الاقتصاد المتدهور.

وجاء قرار اللجوء إلى ماكينزي بعد تنبؤات متزايدة بشأن تداعيات الأزمة المالية التي تشهدها البلاد، إذ يعد لبنان ثالث أكثر البلدان مديونية في العالم. وبلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 153 بالمئة، كما زادت الحرب الأهلية في سوريا المجاورة الوضع سوءا حيث تراجع النمو الاقتصادي من 9 بالمئة قبل الحرب إلى حوالي 2 بالمئة اليوم.

وأجريت في لبنان أول انتخابات منذ تسع سنوات في شهر مايو الفائت، ولكن لم تشكّل فيه حكومة بعد. ويتطلب صنع القرار في لبنان، لا سيما جهود الإصلاح الكبيرة، توافقا في الآراء بين الطوائف المتنافسة في البلاد، وهو أمر نادر الحدوث.

ويقول نسيب غبريل، كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس في لبنان “إذا نظرت إلى تاريخ محاولات الإصلاح في لبنان، سيتضح لك أن كلها كان ينظر إليها من زاوية سياسية بحتة. إذا تم تنفيذ الإصلاح وحصل جانب واحد على الفضل في ذلك، فسيتم اعتباره خسارة لخصومه. إنها لعبة محصلتها صفر”. وعندما كان يتم الاتفاق على الأمور، يميل الفساد المستشري إلى الحد من فعاليتها. ويحتل لبنان المرتبة الـ143 عالميا في مؤشر الشفافية العالمي حول الفساد.

نبيه بري: البرلمان  اللبناني بصدد التحضير لإقرار تشريع زراعة القنب
نبيه بري: البرلمان  اللبناني بصدد التحضير لإقرار تشريع زراعة القنب

زراعة القنب أفضل

تسلم الرئيس اللبناني ميشال عون، في هذا الشهر، تقريرا من ألف صفحة أوصى خلاله فريق خبراء شركة ماكينزي بتعزيز السياحة وإنشاء مركز مصرفي والاستثمار في إنتاج الأفوكادو. لكن، جذب اقتراح إضفاء الشرعية على زراعة القنب أكبر قدر من الاهتمام. وأعطيت الفكرة المزيد من الثقل عندما صادق رائد خوري، وزير الاقتصاد المؤقت، على الخطة.

وقال خوري في تصريح لوكالة بلومبرغ إن “نوعية القنب التي نمتلكها تعد واحدا من أفضل الأنواع في العالم”، مضيفا أن هذه الصناعة قد تدر مليار دولار إلى لبنان. ولا يبدو مستغربا أن يلقى مثل هذا الطرح تأييدا كبيرا من أهالي بريتال.

وينقل ريتشارد هال عن قاسم طليس، أحد سكان بريتال الذي يعمل كممثل لعشائر البقاع القوية المعروفة بزراعة الحشيش، قوله “إنها خطوة جادة نحو إصلاح الاقتصاد اللبناني”. ويضيف طليس، وهو غير متورط في إنتاج القنب بنفسه، “إن الحكومة تهمل المنطقة منذ عقود، مما يترك الناس دون خيار سوى البحث عن عمل في تجارة المخدرات”.

ويرأس طليس لجنة شكلتها عشائر البقاع للدعوة إلى عفو عام عن أبناء المنطقة المسجونين. ويشير إلى أن “هذا أحد الأسباب التي تجعل المنطقة فقيرة للغاية. لا أحد يستطيع العمل لأن هناك الكثير من أوامر الاعتقال ضدنا. كل من يشك في أي شيء لا يستطيع العثور على وظيفة”.

وزرع القنب في وادي البقاع منذ العصور العثمانية على الأقل، وبلغت الصناعة ذروتها خلال فوضى الحرب الأهلية في البلاد بين عامي 1975 و1990 عندما كان يغادر الموانئ غير الشرعية على الساحل ما يقدر بنحو ألفي طن سنويا من القنب.

وتتم زراعة الحشيش في فصل الربيع وحصاده في سبتمبر، ويجري بعد ذلك تجفيفه تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أيام، قبل أن يبرد، ثم يتم “دقه” أو طحنه. وتساهم الحرب السورية في ازدهار هذه التجارة.

ويقول المزارعون إن تجارتهم نمت بنسبة 50 بالمئة منذ عام 2012، حيث حولت السلطات اللبنانية اهتمامها إلى أمن الحدود. واليوم بات هؤلاء المزارعون يحققون أرباحا تتراوح ما بين 175 و200 مليون دولار في السنة، ويصدرون إلى الخليج العربي وأوروبا وأفريقيا وأميركا الشمالية.

ولبنان هو ثالث أكبر مصدّر لزيت القنب في العالم، وفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. ومن غير الواضح ما إذا كانت خطة ماكينزي تطالب الحكومة بالعمل مع مزارعيها في البقاع، أو بناء صناعة جديدة كليا. وكانت مقترحات سابقة طرحت على طليس من قبل المسؤولين اللبنانيين تتضمن منح التراخيص للمزارعين الحاليين. ورغم أن الخبرة متوفرة في هذا القطاع، إلا أن منطقة البقاع كانت منذ فترة طويلة شبكة معقدة من المصالح المتنافسة تتقاطع داخلها شخصيات متعددة المستويات في هيكل الدولة اللبنانية.

 معارضة حزب الله

يعد الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط من أبرز المطالبين منذ سنوات بتشريع هذه الزراعة وإلغاء مذكرات التوقيف بحق المطلوبين في هذا المجال. وانتقد جنبلاط الاستعانة بشركة ماكينزي، مشيرا بقوله “اقترحت هذه الفكرة منذ زمن طويل. لم نكن بحاجة إلى دفع مليون ونصف مليون دولار لتحقيق استنتاج مفاده أنه يمكننا إضفاء الشرعية على الحشيش”.

وعلى الرغم من تحفظاته حول التقرير، مازال جنبلاط يؤيد الفكرة. “يمكن القيام بذلك من الناحية النظرية. يمكن أن يكون أحد عوامل التحسين والتطوير للمناطق المهجورة في بعلبك والهرمل”، إلا أن الأمر يبدو مختلفا بالنسبة لحزب الله، رغم أن تجارة المخدرات من أهم مصادر تمويله. ويقول طليس إن الخطة ستواجه معارضة شديدة من حزب الله، إذ يعتبر البقاع بالنسبة له قاعدة دعم وعمليات. ويضيف “حزب الله ضدها، لأنه يريد إبقاء هذه المنطقة فقيرة حتى يتمكن من جذب الشباب للقتال من أجله. إن الحزب يتحكم بمفاصل السياسة اللبنانية ويمكنه فعل ما يريد”.

ويرجع متابعون موقف حزب الله إلى قلقه من تأثير مثل هذا المخطط على سيطرته على المنطقة وعلى أحد أهم مصادر تمويله.

ويشارك نيكولاس بلانفورد، الكاتب في صحيفة العرب ويكلي، طليس في رؤيته بشأن تعمد حزب الله إبقاء منطقة سهل البقاع فقيرة لتعزيز التبعية له، وإبقاء السيطرة على المنطقة الحدودية مع سوريا. ورغم أن سخاء إيران لا يزال يصل إلى أقصى مدى له، إلا أن احتياجات حزب الله المالية نمت بشكل كبير على مر السنين، مدفوعة بالحروب والمغامرات الإقليمية التي قام بها نيابة عن طهران.

وأدى ذلك إلى نشاط حزب الله في تجارة المخدرات، وبالتالي فإن دخول منافسين “شرعيين” وتنظيم زراعة القنب بشكل قانوني وتحت متابعة الدولة قد يضر به وهو الذي يواجه تصعيدا على مستوى العقوبات.

 

6