الأطفال، ضحايا التقشف في القطاع الصحي بألمانيا

رواتب مقدمي الرعاية غالبا ما تكون أقل من المطلوب لاستقطاب وافدين جدد إلى المهنة.
الجمعة 2022/12/16
عدد الموظفين في تراجع مستمر

برلين - عندما نقلت ديبورا زيلز ابنها الرضيع أندرياس إلى مستشفى في برلين بسبب مرض تنفسي خطير، كانت صدمتها كبيرة إذ “لم يكن هناك مكان” له… وقد اضطرت الفرق الطبية إلى البحث في المستشفيات الأخرى داخل العاصمة الألمانية وولاية براندنبورغ المجاورة لإيجاد سرير للطفل البالغ من العمر ثلاثة عشر يوماً.

وتقول الأم البالغة من العمر 33 عاما “أخيراً، بعد تمضية ليلة في قسم الحوادث والطوارئ، استطعنا البقاء هنا”.

ويرقد ابنها، الذي انخفض وزنه في وقت ما إلى ما دون وزنه عند الولادة البالغ 3.1 كيلوغرامات قبل أن يتعافى، حالياً في قسم العناية المركزة.

ويصارع الطفل مرض التهاب القصيبات، في ظل موجة شتوية من حالات التهاب الصدر عند الرضّع تشهدها ألمانيا حاليا، ما يجعل المستشفيات المكتظة أصلاً تحت ضغط إضافي.

مستشفى القديس يوسف يضم عادة 80 سريرًا للأطفال المرضى، لكن بسبب نقص الموظفين يمكن استخدام 51 فقط حاليّا

وبعد مرور عامين على جائحة كورونا التي دفعت السلطات إلى اتخاذ تدابير وقائية، من بينها فرض وضع الكمامات التي تحمي صغار السن في البلاد من التعرض لفايروسات الجهاز التنفسي، تشهد عدة دول أوروبية زيادة في الإصابات بالتهاب القصيبات.

وكان الوضع سيئاً بشكل خاص عام 2022 الذي تعرّض خلاله الأطفال حديثو الولادة والرضّع -لأول مرة- إلى الفايروس المخلوي التنفسي (RSV) الذي يسبب عادة التهاب القصيبات.

ويكافح فريق رعاية الأطفال في مستشفى القديس يوسف في برلين، حيث كان الطفل يُعالَج، من أجل التعامل مع الوضع بالطريقة المثلى، فيما عدد الموظفين أصبح في المدة الأخيرة أقل من أي وقت مضى.

وتقول رئيسة قسم طب الأطفال وحديثي الولادة في المستشفى بياتريكس شميدت “نحن نغرق” تحت سيل المرضى.

وأشارت إلى أن هناك عدة عوامل تضافرت وتسببت في المشكلة، متحدثة عن “عدد هائل من الأطفال المرضى ومقدمي الرعاية المصابين، كل ذلك بالتزامن مع النقص المزمن في الموظفين”.

في حي تمبلهوف قرب وسط برلين، يضم مستشفى القديس يوسف عادة 80 سريراً للأطفال المرضى. لكن بسبب نقص الموظفين، يمكن استخدام 51 فقط حالياً.

حتى في وحدة العناية المركزة، كان لا بد من الاستغناء عن أسرّة، فيما كل الأسرّة الثمانية عشر الباقية مشغولة.

ومثلما هو الحال بخصوص وضعية أندرياس، يجد الأطباء في الكثير من الأحيان أنفسهم دون أسرّة متاحة للمرضى الجدد، ويتعين عليهم الاتصال بمستشفيات أخرى؛ حتى أنه كان لا بد من نقل الكثير من الأطفال المرضى بطائرة هليكوبتر إلى مناطق أبعد، مثل ولاية مكلنبورغ – ويست بوميرانيا في شمال شرق البلاد، وولاية ساكسونيا السفلى الساحلية.

الأطفال

وبحسب أرقام صادرة عن معهد روبرت كوخ الصحي، أصيب 9.5 مليون شخص في ألمانيا الأسبوع الماضي بنوع من أمراض الجهاز التنفسي، من جميع الفئات العمرية، في بلد يبلغ عدد سكانه 84 مليون نسمة.

والرقم الذي سُجل خلال الفترة نفسها من عام 2021 أعلى من ذلك بكثير، وهو أعلى مما كان عليه في ذروة وباء الأنفلونزا في موسم 2017 – 2018.

وترى شميدت أن تدابير خفض النفقات تقف وراء العديد من هذه المشاكل.

وتقول الطبيبة البالغة من العمر 63 عاما “على مدى سنوات، اتُخذت تدابير تقشفية على صعيد نظامنا الصحي. والأطفال هم أول من يدفع الثمن”.

ويوجد حالياً 18 ألف سرير في مستشفيات الأطفال في ألمانيا، انخفاضاً من 25 ألف سرير في عام 1995، وفق وكالة الإحصاء الفيدرالية.

9.5

مليون شخص أصيبوا الأسبوع الماضي بنوع من أمراض الجهاز التنفسي، من جميع الفئات العمرية

وتقول شميدت إن ألمانيا، مع تسارع شيخوخة السكان فيها وتسجيلها معدلات خصوبة أطفالها أدنى من الكثير من جيرانها الأوروبيين، استثمرت القليل في رعاية الأطفال.

وتلفت إلى أن الأطفال “لا ينتخبون ولا نكسب المال من علاجهم”.

ويقول منتقدو السياسات الصحية في البلاد إن إصلاحات الرعاية الصحية التي تهدف إلى خفض التكاليف أضرت بشكل خاص برعاية الأطفال، بينما تكافح المهن الطبية لجذب وافدين جدد إلى القطاع.

وتوضح شميدت التي تستعد لترك منصبها أن “الكثير من أطباء الأطفال سيتقاعدون في السنوات المقبلة”.

وتلفت إلى أن جيل الشباب يريد الجمع بين العمل والأسرة، وهو تحد في مهنة تتطلب غالباً ساعات طويلة وفي أوقات غير متوقعة.

وفي بلد غني مثل ألمانيا، غالباً ما تكون رواتب مقدمي الرعاية أقل من المطلوب لاستقطاب وافدين جدد إلى المهنة.

وتقول شميدت “في رأيي، هم يتقاضون رواتب متدنية”، فهم “يعملون كثيراً، في الليل وفي عطلات نهاية الأسبوع”.

6