الأطباء الشبان في تونس يكافحون للبقاء

تونس – يكافح المئات من الكوادر الطبية وشبه الطبية الشابة في تونس للبقاء والعمل في بلادهم، محاولين التخلص من فكرة الهجرة التي تسللت إلى عقول الآلاف من نظرائهم بحثا عن ظروف عمل أفضل لاسيما في الدول الأوروبية والخليجية.
وكما غيرهم من الشباب المتعلم يتطلع الدارس في مجال الطب لوظيفة في المستشفيات العمومية تؤمن له مستوى عيش مقبول، أو فتح عيادة خاصة، ليصطدم لاحقا بواقع صعب، حيث أن المستشفيات العمومية لاسيما في المناطق الحضرية الكبرى تفوق طاقتها الاستيعابية، وفي مقابل ذلك لا تمثل المستشفيات في المناطق الداخلية إغراء كبيرا للالتحاق بها في ظل قلة التجهيزات وضعف اهتمام الدولة بها.
والوضع لا يقل تعقيدا بالنسبة إلى القطاع الخاص حيث أن فتح عيادة ليس أمرا هينا في ظل التكلفة الباهظة للإيجار وتوفير المستلزمات والتجهيزات التي يجري استيراد معظمها، دون دعم فعلي من الدولة.
وأثرت الأزمة الاقتصادية في تونس خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير على هذا القطاع، في غياب إرادة سياسية لمعالجة حجم الاختلال الكبير في هذا القطاع الذي سبق وأن كان محط رهان الدولة في العقود الماضية، قبل أن يتراجع ويعاني من حالة من التكلس.
ومن بين المعضلات التي تواجه القطاع هي زيادة عدد الأطباء الذين يتخرجون كل سنة، في مقابل اهتراء البنية التحتية للمستشفيات العمومية، والتي لم تعد منحصرة فقط في المناطق الداخلية بل طالت أيضا المستشفيات في المحافظات الكبرى.
ويقول متابعون إن الوضع الذي وصل إليه القطاع الصحي في تونس والذي لطالما كان محل إشادة واستقطاب المرضى، لاسيما من دول الجوار ليبيا والجزائر، هو نتاج تراجع اهتمام الدولة به حيث أن النسبة المخصصة لهذا القطاع من حجم الميزانية لا تتجاوز الستة في المئة، نصفها يذهب للأجور، أما ما تبقى فلا يسمح بالاهتمام بالبنية التحتية أو استيراد أجهزة طبية حديثة.
ويشير المتابعون إلى أن هذا الوضع يشكل حافزا للآلاف من الكوادر للمغادرة، وحتى من لم تراوده أحلام الهجرة بات في السنوات الأخيرة يفكر جديا في هذا الخيار، لافتين إلى أن على الدولة التحرك في حال أرادت فعلا الحفاظ على كفاءاتها الطبية.
وتكشف آخر الإحصائيات عن مغادرة حوالي 3300 طبيب لتونس خلال الخمس سنوات الأخيرة أي بمعدل 660 طبيبا في السنة. وذكرت الإحصائية أن ما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف إطار شبه طبي غادروا تونس خلال العشر سنوات الأخيرة.
وذكر عضو جمعية أطباء حول العالم والطبيب بمستشفى تولوز الفرنسي قيصر ساسي أن الوجهة الأولى للإطارات الطبية والشبه طبية تبقى فرنسا وألمانيا، لافتا إلى أنه وفقا لدراسة أجريت على قرابة 400 عينة تبين أن سبعين في المئة غادروا نظرا لظروف العمل السيئة في تونس.
وقال ساسي إن خمسين في المئة من الأطباء عبروا عن استعدادهم للعودة إلى تونس وعرض خدماتهم مقابل وضع إطار تشريعي ينظم عملية عودتهم، خاصة وأن من بين شروط العودة، وبعد تخصصهم في اختصاصات معينة، يفرض عليهم تربص لمدة سنتين من جديد.