الأصوات المحتجة في كردستان لا تجد مكانا تلجأ إليه

أربيل- في أواسط التسعينات من القرن الماضي عندما وصلت الحرب الأهلية في إقليم كردستان إلى أوجها، تحولت محافظة أربيل، باعتبارها عاصمة إقليم كردستان، إلى سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني فيما حسم أمر محافظة السليمانية للاتحاد الوطني الكردستاني. ولأن لون علم الحزب الديمقراطي أصفر وعلم الاتحاد الوطني أخضر، أصبحت أربيل ودهوك والمناطق المحيطة بهما تعرف بـ”الزون الأصفر”، فيما سميت السليمانية وإدارتا كرميان ورابرين بـ”الزون الأخضر”.
كانت تجرى المقارنة بين المدينتين (الزونين) على المستوى الداخلي لإقليم كردستان كما على الخارجي. وكان الكثيرون يقولون إن منطقة “الزون الأخضر”، كونها خاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني أكثر انفتاحا من حيث حرية التعبير والاحتجاج وإبداء المواقف، في حين يتمتع “الزون الأصفر” التابع للحزب الديمقراطي بأقل من ذلك، ولكن يبدو أن هذا الفرق قد تلاشى تماما الآن في خضم التحضير لاستفتاء الانفصال.
ويرصد معاذ فرحان الصحافي في موقع “نقاش” أجواء الاستعداد لاستفتاء الانفصال الذي من المنتظر أن يتم التصويت بخصوصه يوم 25 سبتمبر 2017، مشيرا إلى أن الجميع في إقليم كردستان يتحدث ويعبر عن رأيه ويأخذ صورا مع علم الإقليم، إلا الأصوات المحتجّة لا تجد مكانا تلجأ إليه. وشهد الإقليم، خلال الأسابيع الماضية، أحداثا يصفها معاذ فرحان بأنها كانت بالنسبة للمنادين بالحرية والمنتقدين بمثابة انهيار حصن الأمل، إذ وضعت علامة استفهام على هامش الحرية والانتقاد الموجود في تلك المنطقة أيضا حين بدأت الانتهاكات في حدود محافظة السليمانية بالارتفاع.
ومن الأمثلة التي يمكن استحضارها في هذا الصدد، ما حصل الجمعة الثامن عشر من أغسطس الماضي حين هاجمت مجموعة الملا سامان سنكاوي الإمام والخطيب في جمجمال أمام مسجده، بسبب موقفهما من عملية الاستفتاء ومعارضتهما لها في هذه المرحلة. وقال الملا سامان “عندما يدركون أن مصالحهم الشخصية والحزبية ستكون عرضة للخطر فإنهم سيكونون على استعداد ليس لمهاجمتك فحسب بل لقتلك أيضا".
وشهدت محافظة السليمانية جميع التظاهرات والاحتجاجات الكبيرة خلال 26 عاما من حكم الأحزاب الكردية، وتمثل المحافظة مهدا للأصوات المحتجة وجميع وسائل الإعلام غير الحكومية وغير الحزبية، والسبب الرئيس في ذلك بالإضافة إلى انفتاح أهالي المحافظة يعزى إلى أن سلطة الاتحاد الوطني تؤمن أكبر هامش للحرية، لذلك لم يكن مستغربا أن تظهر من السليمانية حركة “لا للاستفتاء” التي تطالب بتأجيل الاستفتاء.
لكن، بعد إعلان الحركة بدأت الضغوط على أعضائها، ففي العشرين من أغسطس تم اختطاف فرهاد سنكاوي عضو برلمان كردستان وعضو مجلس حركة “لا للاستفتاء حاليا” في السليمانية من قبل مسلحين مجهولين. واتجهت جميع أصابع الاتهام إلى مسؤولي الاتحاد الوطني فيما لم يكن للأجهزة الأمنية رد واضح وصريح حول تلك الأحداث. واكتفت بالصمت.
كان الصحافيون أو المنتقدون في حدود محافظة أربيل يلجأون إلى السليمانية إذا شعروا بالخطر على حياتهم لأنهم كانوا يدركون أن بإمكانهم الحديث هناك وأنهم سيكونون في أمان فيها، أما الآن فلم يبق ذلك الأمل أيضا.
اليوم، أصبح همّ الأصوات المحتجة يتمثل في عدم بقاء مكان يلجأون إليه في كردستان، فالحدود التي ارتسمت بسبب الحرب الأهلية بين القوتين المتصارعتين لم يعد هناك فرق بينهما بالنسبة إليهم وأصبحت الجبهتان متشابهتين.
ويزداد الوضع صعوبة مع اقتراب موعد إجراء الاستفتاء. ويؤكد آرام جمال، مدير المعهد الكردي للانتخابات، أن “هناك توجهين رئيسيين وهما الحزب الديمقراطي وحركة التغيير ويدخل مؤيدو ومعارضو الاستقلال ضمن هذين التوجهين فمن اختار كلا للاستقلال في مواقع التواصل الاجتماعي هو متأثر بشكل من الأشكال بحركة التغيير ومن اختار نعم أيضا متأثر بالحزب الديمقراطي”.
وتكمن المشكلة في أن العملية لا تظهر بشكل طبيعي كمعظم الأمور الأخرى في كردستان، ففي حين يعني الاستفتاء حسب جميع المعايير حرية الناس في التصويت نجد أن الجبهتين في كردستان بدأتا حملة لترهيب الناس ومصادرة تلك الحرية.
وتقول الجبهة الأولى والمتمثلة بالحزب الديمقراطي إن “من لا يصوت بنعم لاستقلال كردستان هو خائن قد باع نفسه” فيما تقول الجبهة الثانية والتي تقودها حركة التغيير إن “من لا يصوت بكلا للاستفتاء هو فاسد وضد الديمقراطية ويؤيد بقاء سلطة البارزاني غير الشرعية”. وطالما بقيت الجبهتان على هذه الحال فإنه من الصعب أن يقبل المواطنون المؤيدون والمعارضون النتائج بطريقة ديمقراطية.