الأشجار ضحية التنظيم الحضري الجديد للقاهرة

القاهرة – توفّر أشجار النخيل الشاهقة والجاكاراندا ذات الأزهار الأرجوانية وأشجار الجميز في شوارع القاهرة المزدحمة فترة راحة ثمينة من شمس الظهيرة ولمحة من اللون الأخضر وسط الخرسانة والسيارات.
لكن الآلاف من الأشجار قُطعت في القاهرة بينما تمضي الحكومة المصرية قدما في خطط التنمية الحضرية الطموحة، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية لعاصمة إدارية جديدة، مما أثار غضب السكان والمدافعين عن البيئة.
وقالت أستاذة علم النبات في جامعة القاهرة في مدينة الجيزة القريبة ريم حمدي -التي التمست من السلطات العمل على إنقاذ شجرة جميز عمرها قرون بالقرب من الجامعة- إن “القاهرة تختنق بالفعل” وإن “قطع الأشجار سيجعل المدينة تبدو أكثر سخونة ويزيد من مشاكل التلوث”.
وفي مصر الجديدة (هيليوبوليس) بشرق القاهرة وحدها قُطعت حوالي 2500 شجرة بين 2019 و2020 كجزء من أعمال توسيع الطرق، وفقا لمبادرة تراث مصر الجديدة التي تأسست سنة 2011 للحفاظ على التراث المحلي.
جزء كبير من قطع الأشجار في القاهرة مرتبط بتوسيع شبكات النقل لتلبية احتياجات العاصمة الإدارية الجديدة
وجُرّف في المنطقة حوالي 10 آلاف متر مربع من حديقة المريلاند التي تعود إلى قرون لإنشاء نصب تذكاري إحياء لذكرى مشاريع بناء الطرق والجسور في القاهرة. وهُدمت حضانة عامة قريبة لإفساح المجال لمحطة وقود.
وعندما سمع المواطن تامر سحاب البالغ من العمر 42 عاما ورفاقه من محبي الطبيعة بأن الأشجار التي تصطف في شارع نهرو الشهير في مصر الجديدة يمكن قطعها شعروا بأنهم مضطرون إلى الاحتجاج. وعلقوا لافتات على كل شجرة وأطلقوا عليها اسم شخصية مصرية مشهورة من ملوك وفراعنة ومثقفين. وقال سحاب “أردنا أن نقول إن الأشجار لا تقل أهمية عن البشر”.
وأزالت الشرطة اللافتات بعد بضعة أيام مع توبيخ العديد من أعضاء المجموعة بسبب الاحتجاج، لكن السلطات أقرت بأهمية الأشجار في شارع نهرو ووافقت على عدم قطعها.
وتأتي مثل هذه الاحتجاجات في الوقت الذي يتحول فيه اهتمام صانعي السياسات البيئية حول العالم إلى مصر هذا العام. ومن المقرر أن تستضيف البلاد قمة المناخ المقبلة للأمم المتحدة “كوب 27” في شرم الشيخ خلال نوفمبر. ويقول نشطاء إن خطط التنمية الحضرية للحكومة تتعارض مع تعهداتها المتعلقة بتحقيق الاستدامة.
ويرتبط جزء كبير من قطع الأشجار في القاهرة بتوسيع شبكات النقل لتلبية احتياجات العاصمة الإدارية الجديدة التي تُبنى على أطراف القاهرة ومن المقرر افتتاحها قبل نهاية السنة الحالية. وتصل إلى ما يقرب من أربعة أضعاف مساحة واشنطن العاصمة، وصُمّمت لاستيعاب 6.5 مليون شخص وتهدف إلى تخفيف الازدحام في القاهرة. وستشمل حيا حكوميا يتألّف من جميع المباني الوزارية والبرلمان، ومنطقة مالية وتجارية بما في ذلك أطول برج في أفريقيا.
وسعى المسؤولون الحكوميون إلى تسليط الضوء على أوراق اعتمادها الخضراء، بما في ذلك الحدائق والنقل الذكي واستخدام الطاقة المتجددة. لكن منتقدي خطط التنمية الحضرية يقولون إنهم يعارضون توجّه الحكومة بموجب أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030.
ورفع أحمد الصعيدي، المحامي المتخصص في القضايا البيئية، دعوى قضائية عام 2020 تهدف إلى وقف قطع الأشجار وتدمير الحدائق العامة حتى تقييم الأثر البيئي. ومازالت الدعوى معلّقة. وقال إن القانون المصري ينص على أن أي شخص أو هيئة ملزمان بتقديم دراسة لتقييم أثر المشروع على البيئة قبل بدء العمل. وأضاف أن “المضي قدما في مشاريع التنمية الحضرية دون أخذ العواقب البيئية بعين الاعتبار يتعارض مع رؤية الحكومة 2030 الهادفة إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
مصر تضم 5.4 مليون متر مربع من المساحات الخضراء الحضرية أي أقل من 10 في المئة مما تحتاجه لخدمة سكانها
وتؤكد أهداف التنمية المستدامة على الحاجة الملحة إلى التصدي لتغير المناخ وحماية البيئة من خلال التحول إلى الاستهلاك والإنتاج المستدامين والاستخدام الحكيم للموارد الطبيعية.
وتبقى المساحات الخضراء العامة نادرة بالفعل في المدن المصرية. وتضم مصر 5.4 مليون متر مربع من المساحات الخضراء الحضرية مثل الحدائق النباتية وحدائق الحيوانات، أي أقل من 10 في المئة مما تحتاجه لخدمة سكانها، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التابع للدولة.
وفي ضاحية المعادي جنوب القاهرة أسست أسماء الحلواجي جمعية محبي الأشجار لتنظيم حملة من أجل إنقاذ بعض أقدم الأشجار في الحي من مشاريع البنية التحتية الجديدة. وقالت إن السلطات استمعت إلى بعض شكاوى الجمعية بشأن خطط التنمية، مشيرة إلى أن المسؤولين المحليين يستخدمون آلة خاصة لاقتلاع الأشجار الناضجة وإعادة زرعها في مكان آخر.
لكن نقل الأشجار ليس فعّالا دائما. وقالت أسماء “تتطلب زراعة الأشجار الجديدة الكثير من الأموال لرعايتها، وسيواجه نموها تحديات بسبب التغيرات المناخية”.
وصرّحت عالمة النبات ريم حمدي بأن العديد من أنواع الأشجار اختفت من شوارع مصر في السنوات الأخيرة. وأضافت أنه كان يوجد في الجيزة 35 نوعا من أشجار الكافور وحدها، لكن عشرات الأنواع اختفت. وأضافت أن “تزايد عدد السكان سيصعّب أيضا تخصيص مساحات خضراء جديدة”. وتعتبر أن “ما يحدث هو خنق مدينة كانت تختنق بالفعل منذ سنوات”.