الأسواق "الجوارية" ملاذ الجزائريين من غلاء الأسعار

فكرة الأسواق تقوم على تقريب المنتج من المستهلك حيث يستفيد الأول من الإشهار والترويج لمنتجاته ويستفيد الثاني من السعر المنخفض.
السبت 2025/03/01
قدرة شرائية ضعيفة

الجزائر - عشية حلول شهر رمضان، يكون الجزائريون قد أنهوا استعداداتهم الخاصة المتعلقة أساسا بالإقبال على الأسواق، واقتناء مستلزمات غذائية وأوان منزلية، وهناك من ينهي عمليات تجديد البيوت وتزيينها أو الانتقال إلى مسكن جديد، في إطار البهجة والأجواء الروحانية بقدوم رمضان.

وتظهر أكثر العادات انتشارا، وهي النزول إلى الأسواق والمحلات، لشراء المواد الغذائية بكمية كبيرة، تغطي احتياجات الأسبوع الأول من شهر رمضان، والتفرغ أثناء الصوم لمهام دوام العمل أو الاجتهاد في العبادات. وشهدت العاصمة مؤخراً ازدحاما مروريا، بمعظم الشوارع الرئيسية، وإقبالا معتبرا في مساحات البيع الكبرى، وما أطلق عليه بالأسواق “الجوارية” وهي نقاط بيع وضعتها الحكومة في المدن الكبرى، وميزتها أنها تقوم ببيع السلع من المصنع إلى المستهلك بشكل مباشر، أي دون المرور على تجار الجملة أو التجزئة، ما يجعل سعر البيع منخفضا مقارنة بالمحلات العادية.

ويشهد سوق مدينة بئر خادم بالعاصمة إقبالا يوميا من قبل المواطنين طيلة أيام السنة، لكن الحراك بداخله قبل بدء الشهر الكريم بيومين، كان أكبر بكثير من المعتاد. وبهذا الخصوص، قال عمر بن سراي، وهو بائع خضر بالسوق، “لدينا وفرة كبيرة في السلع، والشعب راضٍ عن الأسعار، لأنها في متناول الجميع”. وأفاد بأن معظم السلع “لا يصل ثمنها نصف دولار للكيلوغرام الواحد.” ولم تعترض باية بلقايد، وهي مواطنة ترتاد السوق، على الأسعار، قائلة إنها جاءت خصيصا لشراء مستلزمات شهر رمضان من خضر وفواكه ولحوم.

واتخذت الحكومة الجزائرية، ممثلة بوزارة التجارة، إجراءات تصب في ضبط الأسواق، قبل شهر رمضان، بأسبوعين تقريبا، ووجهت بفتح أسواق جوارية في المدن والأحياء الكبرى. وتكشف الإحصائيات الرسمية أن الحكومة تعمل على فتح 605 أسواق عبر كامل محافظات البلاد، افتتح منها إلى غاية 15 فبراير الماضي 555 سوقا. وميزة هذه الأسواق، أنها تسمح للشركات المنتجة بالبيع المباشر للمستهلكين، دون المرور على تجار الجملة أو التجزئة، ما يجعل الأسعار منخفضة.

وكشفت ياسمين قويدري رئيسة فرقة التفتيش بمديرية التجارة أن فكرة هذه الأسواق تقوم “على تقريب المنتج من المستهلك، حيث يستفيد الأول من الإشهار والترويج لمنتجاته، ويستفيد الثاني من السعر المنخفض”. من جانبها، قالت أمال درقاوي، وهي ممثلة شركة تنظيم المعارض التجارية، أن تنظيم هذه الأسواق أًصبح تقليدا سنويا، من أجل تذليل الأعباء على المستهلكين، والمساهمة في حماية قدرتهم الشرائية خلال شهر رمضان، حيث يكثر الاستهلاك.

◙ الأسواق "الجوارية" تسمح للشركات المنتجة بالبيع المباشر للمستهلكين، دون المرور على تجار الجملة  ما يجعل الأسعار منخفضة
◙ الأسواق "الجوارية" تسمح للشركات المنتجة بالبيع المباشر للمستهلكين، دون المرور على تجار الجملة  ما يجعل الأسعار منخفضة

ومع قدوم شهر الصيام من كل عام، تفتح الآلاف من مطاعم الرحمة أبوابها في الجزائر، وحتى المطاعم الشعبية تتحول إلى مطاعم مجانية للفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، فلا يكاد التنقل من مكان إلى مكان أو من منطقة إلى أخرى إلا وتصادف مطاعم إفطار تشهد إقبال عدد كبير من الناس، تترجم التضامن والتكافل الاجتماعي والرحمة في المجتمع الجزائري.

وفي شهر الرحمة تشتهر الجزائر أيضا بعادة تكافل اجتماعي قديمة منذ عدة قرون تعرف بـ”الوزيعة”، خصوصاً في منطقة القبائل الأمازيغية. إذ تنتشر بتلك المناطق عادة اسمها “الوزيعة” أو “تمشرط” أو “تيمشراط” باللهجة الأمازيغية، والتي تتكرر في كل المناسبات الدينية، إذ يولي أهل تلك المدن أهمية قصوى لشهر رمضان، الذي يعتبرونه شهرا للفرح بالتكاتف والتكافل الاجتماعي من خلال عادة “الوزيعة” التي تبقى ذلك التقليد الاجتماعي الراسخ في عدد كبير من مناطق الجزائر.

ومنطقة القبائل الأمازيغية، هي من أكثر المناطق الجزائرية التي تعد نموذجاً لـ”تمشرط”، حيث يقوم أعيان وكبار المنطقة وميسوري الحال بجمع مبالغ مالية، وبمشاركة مختلف العائلات لشراء بقرة أو عجل أو أكثر، ويتم توزيع لحمها “بالتساوي” على أهل القرية بـ”فقرائها وأغنيائها بالتساوي”. ما يعني أنه لا يمكن لأهل القبائل في الكثير من قراهم ومناطقهم، أن يصوموا رمضان “وبينهم محتاج”، فهي عادة راقية وأصيلة ومتجذرة تهدف للحفاظ على تماسك المجتمع، ونابعة من فهمهم العميق لدينهم الحنيف.

وتنتعش سهرات الجزائريين في رمضان وتختلف من منطقة إلى أخرى، فهي تتراوح بين السهرات العائلية حول صينية شاي وحلويات رمضانية مثل “قلب اللوز” و”الزلابية” و”السيقار” و”الصامصة” وغيرها. ومنهم من يفضل قضاءها مع الأصدقاء لكن حول لعبة “الديومينو” أو “الديمينو”، وهي اللعبة المفضلة للكثير من الجزائريين في سهرات شهر رمضان. وفي جنوب الجزائر تختلف أجواء السهرات الرمضانية، ففي ولاية ورقلة توجد عادة “الداير”.

ويرتبط شهر رمضان في محافظة ورقلة الجزائرية بعادة قديمة جدا اسمها “الدَّاير”، وهي ليست مجرد عادة اجتماعية، لازال سكان ورقلة متمسكين بها منذ مئات السنين. وتتمثل هذه العادة في لقاء في كل أيام رمضان بعد صلاة التراويح بين سكان منطقة معينة أو حي شعبي بالمدينة أو أفراد العائلة في بيت أحدهم.

ومن هنا تبدأ مشاهد تلك العادة الاجتماعية، عندما يجد الضيوف في بيت المضيف سفرة متنوعة من أطباق وحلويات تقليدية، يكون فيها الشاي الصحراوي “ملك الجلسة” الذي لا يمكن الاستغناء عنه. ومن أبرز الأكلات التقليدية التي يتم تحضيرها لاستقبال ضيوف “الدَّاير” أطباق متنوعة من المعكرونة و”التشيشة” المصنوعة من مادة “الفريد” وغيرها.

أما عن سر تسميتها بعادة “الدَّاير”، فيعود ذلك إلى توالي تلك السهرات طوال أيام رمضان “بشكل دائري عند كل بيت” حسب موقع الحاضرين في الجلسة التي تكون بشكل دائري، وهو الموقع الذي يحافظون عليه في كل الجلسات طوال أيام رمضان. فيبدأ أصحاب “الدَّاير” بتناول تلك المأكولات وتبادل الحكايات، ثم يختمونها بقراءة

 جماعية للقرآن الكريم، وتبادل القصص والمعلومات الدينية وأهاليل دينية في مدح الرسول محمد (ص) ويمتد ذلك إلى غاية اقتراب موعد السحور، كما أن مدة عادة “الدَّاير” في كل ليلة تقارب الـ4 ساعات، على أن يتم تحديد منزل جديد يجتمعون فيه في اليوم الموالي، ويفترقون للتسحر وأداء صلاة الفجر. ومن أهم مميزات عادة “الدَّاير” الجزائرية أنها تهدف إلى “تعزيز أواصر المحبة والأخوة وصلة الرحم وترميم العلاقات الاجتماعية بين الجيران أو العائلات من أيّ خلافات أو نزاعات."

16