الأسواق التراثية في الإمارات.. رحلة متجددة في ذاكرة المكان

الدورة الثالثة من "أجمل شتاء في العالم" تحمل شعار "موروثنا".
الخميس 2023/01/12
رائحة التاريخ

يحظى السياح المتوافدون على الإمارات بترف لا مثيل له عندما يختارون اكتشاف أمكنة جديدة، فحيثما يتوجهوا يجدوا كنوزا حضارية ودفئا إنسانيا وتاريخا عريقا. وكل مدينة مزجت ببراعة استثنائية بين الأبراج الشاهقة والعمارة الحديثة ومراكز التسوق العصرية العملاقة، وبين المناطق الأثرية والأسواق التراثية التي احتفظت برونقها وأصالتها وجاذبيتها الكبيرة لمحبي التراث والتقاط الصور الفريدة للأزياء القديمة والمشغولات اليدوية، وسط عبق العطور والبخور، ونكهة القهوة العربية الأصيلة.

دبي - الأسواق التراثية على امتداد الإمارات وجهة رئيسية في الدورة الثالثة من حملة "أجمل شتاء في العالم" التي تحمل شعار "موروثنا"، وهذه الأسواق تضم الكثير من مفردات الموروث الأصيل وإبداعات وعادات وتقاليد أهل الإمارات، وقد أصبحت بفضل الاهتمام الكبير بترميم القديم منها وتوسيعه والتعريف به مقصداً مهماً للتجارة والسياحة على مدار العام.

وتستقطب الأسواق التراثية خلال “حملة أجمل شتاء في العالم” أعداداً كبيرة من الزوار المحليين والسياح من خارج الإمارات، وإضافة إلى البعد الاقتصادي تعكس هذه الأسواق ثقافة متجذرة في المجتمع الإماراتي من أبرز ملامحها أصالة الضيافة وصفاء الترحيب وإحساس الجميع، مهما تعددت جنسياتهم ولغاتهم، بألفة خاصة وأمان.

تضم إمارة أبوظبي أسواقاً شهيرة، ومنها سوق الزعفرانة في مدينة العين، ويعرف بالسوق المركزي أو السوق القديم، ويُعدّ وجهة مثالية للاستكشاف والتقاط الصور ويمتاز بطابعه التراثي الأصيل، ويعكس ثقافة الإمارات وتقاليدها، ويشتهر ببيع العبايات التقليدية والبخور والتوابل والحنة والعود.

وينقسم سوق الزعفرانة إلى مجموعة من الأقسام مثل قسم الأقمشة وقسم العبايا والشيل والإكسسوارات والعطور والبخور ومستلزماتها، بالإضافة إلى قرية مبدعة التي سجلت حضورا ملحوظا لسيدات الأعمال الحاصلات على رخصة مزاولة العمل التجاري من المنزل. ومن الأسواق الشهيرة في إمارة أبوظبي أيضاً سوق القطارة في العين الذي يعد من أقدم الأسواق ويقع في أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، ويعود إلى منتصف القرن العشرين وأعيد ترميمه للمرة الأولى عام 1976 ثم في عام 2013.

ويضم العديد من المنتجات التراثية، ويتصل بقلعة القطارة التي أُعيد تطويرها لتضمّ حالياً مركز القطارة للفنون، وهو عبارة عن برج ومنزل تقليدي يتربّع على تلّ مطلّ على حدائق النخيل في واحة القطارة. وحمل السوق في السابق عدة مسميات منها سوق كركم، نسبة إلى محلات البهارات التي تبيع الكركم، وسوق الرقعة، وتعني الأقمشة، وبالعامية “رقع”، وسمي بها لأنه توجد فيه محال لبيع الرقع.

ويعكس مركز القطارة الهندسة المعمارية المحلية التقليدية، حيث شهد أعمال ترميم دقيقة، ليوفر حالياً وجهة مناسبة للعائلات، كما يحتضن المركز برامج ثقافية وفنية تتناول التقاليد والممارسات الفنية المحلية التي تُعتبر مثالية للزوار من مختلف الأعمار.

خيارات متنوعة

اختيار متنوع ووفقا لأذواق الزبائن
اختيار متنوع ووفقا لأذواق الزبائن 

تكثر الأسواق التراثية في إمارة دبي، ومن أقدمها سوق الراس الذي احتفظ بجاذبيته لدى الزوار بفضل عراقته وتنوع منتجاته المعروضة،  كما يتميز بموقعه الإستراتيجي في منطقة ديرة.

ويحتضن مجموعة من المحلات والمتاجر التي توفر أجود أنواع البضائع والمنتجات مثل البهارات والتوابل والمكسرات والمنتجات النحاسية والمصابيح القديمة والزجاجات الرملية والإكسسوارات والبخور، وغيرها.

يعزو عبدالقادر يوسف، الذي يدير محلا لبيع الملابس، سر ارتباطه بمنطقة الراس إلى كونها بقعة تاريخية لها خصوصية في التجارة من حيث التنوع الذي تتميز به من جميع النواحي حتى أضحت مركزا أثريا. وعند زيارة سوق نايف الذي يعد الأقدم بين أسواق دبي الشعبية كافة، يجد الزائر نفسه في قلب سوق متعدد الثقافات ويضم أكثر من 100 محل يطرح منتجات متنوعة للزوار والسياح.

◙ سوق الذهب في دبي يستقطب الزائرين متيحا لهم الاختيار بين مختلف أنواع الحلي النفيسة والمشغولات الذهبية النادرة

واكتسب سوق نايف، الذي شكل في الماضي المركز الاقتصادي لمدينة دبي، العديد من الأسماء، منها سوق الصناديق حيث كان في السابق عبارة عن أكشاك خشبية، إلا أن اسم سوق نايف هو الأكثر شهرة وسمي به نسبة إلى "قلعة نايف" الموجودة في المنطقة ذاتها والتي تعد من المعالم الأثرية البارزة في دبي. ويستقطب سوق الذهب في ديرة دبي الزائرين من جميع أنحاء العالم، ويتيح لهم الاختيار بين مختلف أنواع الحلي النفيسة والمشغولات الذهبية النادرة.

كما يتميز بتصميمه المعماري التقليدي ومحلاته المتخصصة التي تقدم تشكيلات واسعة من المشغولات المختلفة بأسعار مناسبة وبكميات كبيرة ومتنوعة، مثل السبائك الذهبية والأساور والأطواق والخواتم والماس وأحجار الزمرد والياقوت واللؤلؤ وغيرها الكثير التي يتم استيرادها من مختلف بقاع العالم.

ويمتاز سوق التوابل بوهجه الخاص وتمازجه الثقافي، حيث يغري السياح وزوار المدينة على الدوام، كما يمتاز بتصميمه وبنائه التراثي؛ إذ المحال التجارية مغطاة بدعائم خشبية مصنوعة من سعف النخيل، وتجتمع تحت سقفه ثقافات وجنسيات مختلفة، تكاد تعكسها طبيعة التوابل العربية والهندية ونكهاتها وروائحها التي تعبق في فضاء المكان.

ويعتبر السوق فرصة مثالية أمام السياح والزوار لاستكشاف العديد من الأسواق الشعبية الأخرى القريبة حيث ترسو السفن على ضفة الخور المحاذي قبل أن تنقل البضائع إلى المحال التجارية.

رائحة الماضي

ميراث زاهي الألوان
ميراث زاهي الألوان

يمثل سوق الشناصية في الشارقة مكانا أثيرا لزوار المدينة، بموقعه الإستراتيجي المطل على الواجهة البحرية وبضائعه المتنوعة، وتعرض عشرات المتاجر في السوق المشغولات اليدوية والمقتنيات ذات القيمة التاريخية والتحف الخشبية والصناديق العربية المطعمة باللؤلؤ وأباريق القهوة النحاسية والمصوغات اليدوية والمجوهرات التراثية والعطور والبخور والملابس المصنوعة يدويا والسلال المصنوعة من سعف النخيل والأعشاب الطبية والسجاد والهدايا التذكارية.

وعن هذا المكان قال التاجر محمد العمري "إن السوق بطابعه الهادئ والتراثي يسهم في انتماء المتسوقين والتجار إلى المكان، فمعظم الزبائن ليسوا جددا، ظلوا هم أنفسهم منذ عشرات السنين، لكونهم يجدون ما يحتاجون إليه من منتجات قديمة في السوق وبأسعار منخفضة وجودة عالية".

وأضاف أن السوق يعد المكان الذي كان يتبادل فيه التجار بضائعهم، ويشتري فيه الناس احتياجاتهم، وهو الملتقى اليومي الذي يجتمع فيه أهالي المنطقة حتى اليوم، ليتبادلوا التجارب والخبرات.

منتوجات متنوعة وفواحة كرائحة المكان
منتوجات متنوعة وفواحة كرائحة المكان 

وقال التاجر الإماراتي علي القصير (77 عاماً)، الذي يرابط في المكان برفقة أصدقائه من التجار القدامى في السوق، "سُمّي سوق الشناصية بهذا الاسم نسبة إلى التجار القادمين من منطقة شناص في سلطنة عُمان". ويعد سوق الشناصية في الشارقة من أقدم وأكثر الأسواق حيوية وشهرة، حيث كشفت أعمال الحفريات والتنقيب في المنطقة الواقعة بين حصن الشارقة والكورنيش عن أساسات السوق القديم الذي يرجع تاريخه إلى فترة الخمسينات من القرن الماضي، وقد تم ترميمه على الأساسات التي اكتشفت، وهو يستقطب حالياً العديد من السياح.

في إمارة عجمان يعتبر سوق صالح التراثي واحداً من الوجهات السياحية المهمة، ويقع قبالة منطقة الحي التراثي الذي يضم معالم تراثية وتاريخية أخرى مثل متحف عجمان. وبني السوق خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي ولا يزال محافظاً على طرازه المعماري القديم، ويمتاز بالأزقة الضيقة والمحلات المتراصة التي تأخذ الزوار في رحلة إلى الماضي مع العديد من خيارات الأقمشة والقطع المطرزة والمشغولة يدوياً وتصاميم "المخاوير" المميزة.

ويعدّ سوق الحصن في عجمان إحدى أهم المناطق التراثية في الإمارة ويتضمن 41 متجراً متاحاً لجميع أنواع الأنشطة، وتتراوح مساحته بين 40 و100 متر مربع و يحتوي على عدد من المقاهي والمطاعم ومحلات بيع التحف والعملات الأثرية والعطور، وأعيد افتتاح السوق في يناير 2021 بعد خضوعه لعدة عمليات تطوير ضمن الحي التراثي.

ويتميز سوق الحصن بأماكنه التي سميت بأسماء شعراء عجمان الذين ذاع صيتهم في عالم الشعر وتميزت قصائدهم بأروع مفردات اللهجة المحلية المتميزة بالأصالة والتراث، فيما تتزين جدران السوق بأبرز أبيات الشعر التي نظمها كبار شعراء عجمان تقديرا وتخليدا للإرث الذي تركه أولئك الشعراء العظام، إضافة إلى جداريات ورسومات فنية متنوعة تخلد أحداثا هامة في تاريخ الدولة بشكل عام و إمارة عجمان بشكل خاص، كما يضم السوق بين جنباته سور عجمان وسارية العلم.

هوية معمارية أصيلة

تحف وعطور
تحف وعطور

ويحتوي السوق على 80 محلا ومتجرا متميزا، وتقدم المحلات والمتاجر الكثير من الخدمات والمنتجات التقليدية مثل الأقمشة بمختلف أنواعها وأصنافها إضافة إلى الملابس الجاهزة للسيدات ومحلات الخياطة.

كما يضم العديد من المحلات التي تبيع المنتجات الغذائية كالبهارات والتوابل والمنتجات التجميلية والعطرية مثل المصنوعات الجلدية والبخور والعطور، إضافةً إلى ضمّه مساكن قديمة تم تصميمها معماريًا بشكل تقليدي عتيق. واكتسب سوق الجمعة في إمارة الفجيرة  اسمه من ازدهار نشاطه خلال عطلة نهاية الأسبوع والأعياد. ويضم هذا السوق حوالي مئة محل تجاري، وهي محلات موزعة على جزأين شمالي وجنوبي.

◙ الأسواق القديمة تعدّ وجهة مثالية للاستكشاف والتقاط الصور وتمتاز بطابعها التراثي الأصيل وتعكس ثقافة الإمارات وتقاليدها

ويتميز السوق بوجوده بين سلسلة من الجبال في منطقة منخفضة تكثر فيها الأمطار، الأمر الذي ساعده على استقطاب أعداد كبيرة من الزوار وممارسة أنشطة عديدة، وذلك بفضل اعتدال المناخ في المنطقة والتنوع الهائل في خدماته، بما في ذلك المحال التجارية التي يضمها. واستطاع سوق الجمعة أن يحافظ على مكانته السياحية في ذاكرة أهل المنطقة والسياح الذين يتوافدون عليه لما يحتويه من منتجات محلية الصنع وذات جودة عالية.

ونشط سوق النخيل في رأس الخيمة منذ خمسينات القرن الماضي، نظراً إلى موقع المنطقة الإستراتيجي والنابض بالحياة إذ يقصده السكان المحليون والسياح من دول شتى، ويحتضن السوق مئات المحال التجارية التي تقدم السلع المتنوعة، فضلاً عن الأنشطة التجارية الخدمية مثل المطاعم والمقاهي.

ويقع سوق العتيج على الضفة اليسرى لخور رأس الخيمة، ويشغل مساحة محدودة، ويتألف من مجموعة من المحال التجارية التي بنيت من مادة الحجر والطين ومسقوفة بالخشب المستورد من مناطق أفريقيا مثل زنجبار، ومغطاة بسعف النخيل المعروف بـ"الدعون" الذي توفره مزارع النخيل، وتفصل بين المحال التجارية طرقات ضيقة بالكاد تسمح بمرور رواد السوق.

وبات السوق وجهة سياحية تجتذب العديد من الزوار، وتماشياً مع تلك التطورات اهتمت بعض المتاجر بعرض المقتنيات الأثرية والتراثية التي يرغب السياح في شرائها والاحتفاظ بها عند العودة إلى أوطانهم. وتحافظ العشرات من الأسواق التراثية القديمة والشهيرة في الإمارات على حضورها القوي في قطاع التجارة والأعمال وفي المشهد السياحي للبلاد، وتسهم حملة “أجمل شتاء في العالم” في تعزيز التوعية بأهمية هذه الأسواق التي تستقطب أعداداً متزايدة من الزوار المحليين والسياح من خارج الدولة، باعتبارها جزءا أصيلا من ذاكرة المكان.

 

16