الأسد يشرف على إعادة تأهيل الجيش بعد استنزافه لسنوات

تمضي خطة لإصلاح الجيش السوري بهدوء، وتستهدف تعزيز الموارد البشرية، مع مكافحة حالة الترهل التي أصابت العديد من الإدارات، ويقول مسؤولون إن التوجه الحالي يستهدف الوصول إلى “جيش احترافي“.
دمشق - يعمل النظام السوري على خطة لإصلاح المؤسسة العسكرية التي تعرضت خلال السنوات الماضية لحالة استنزاف كبيرة جراء الحرب المستمرة منذ العام 2012.
ويقول مسؤولون في وزارة الدفاع السورية إن الرئيس بشار الأسد يشرف بنفسه على عملية إعادة الهيكلة، عبر إصدار سلسلة من القرارات والتدابير تشمل منح حوافز مهمة للراغبين في الالتحاق بالجيش، وأيضا دمج عدد من الإدارات، لمكافحة حالة الترهل.
وتبدو الظروف مواتية في سوريا لبدء عملية إصلاح الجيش، لاسيما بعد سيطرة النظام على معظم المحافظات، وسكون الجبهات التي تتواجد فيها المعارضة، وإن كانت تسجل بعض المواجهات في فترات متقطعة.
وبحسب مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع اللواء أحمد سليمان فإن القوانين التي تم إقرارها مؤخرا تستهدف “تشكيل جيش احترافي”.
وأضاف أن الحرب في سوريا تسببت في تعطيل “وتأخير عملية الإصلاح بشكل عام، لكن الآن تم اتخاذ قرار البدء بالإصلاح في المؤسسة العسكرية، وهو يحدث بصمت وسرية ولا يوجه إلى العلن”.
وأوضح سليمان في تصريحات للتلفزيون السوري أن “صدور مرسوم العفو عن جرائم الفرار، وإعلانات التطوع والمرسوم الأخير المتعلق بالمتخلفين عن خدمة الاحتياط، لم تكن صدفة، فهناك إستراتيجية لتحقيق هدف الوصول إلى جيش نوعي متطور واحترافي يعتمد على المتطوعين”.
تعديلات مهمة في الجيش ستصدر خلال الفترة المقبلة ومنها تسريح عدد لا بأس به ممن يؤدون الخدمة الاحتياطية
ولفت إلى أن هناك “ميزات مهمة لمن يؤدي خدمة التطوع منها راتب لا يقل عن مليون و300 ألف ليرة سورية (حوالي 100 دولار) تطاله زيادات”. وأضاف أن “الجيش النوعي الاحترافي التطوعي يحتاج إلى إعداد وتأهيل عال، لذلك المتطوع هو الخيار الأفضل، وعقود التطوع المؤقتة هي أيضا خيار جيد”.
وأصدرت وزارة الدفاع السورية في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي قرارا بفتح باب التطوع للأفراد وصف الضباط، تضمن بنودا جديدة.
واقتصرت عقود التطوع السابقة على الأوراق المطلوبة والشروط الأساسية، لكن العقود الحالية شملت حوافز مالية مغرية، قياسا برواتب موظفي الدولة.
ومن شروط عقد التطوع الجديد “أن يكون المتطوع متمتعا بالجنسية السورية منذ خمس سنوات على الأقل، وأن يكون قد أتم الثامنة عشرة ولم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره حين التقدم للتطوع”.
وحسب بنود العقد فإن كل متطوع سيحصل على “راتب شهري يتقاضاه وفق رتبته، يضاف إليها تعويض الميدان بنسبة 100 في المئة، وبدل سكن بنسبة 100 في المئة، والعبء العسكري بنسبة 100 في المئة”، إضافة إلى 100 ألف ليرة عن كل مهمة قتالية و150 ألف ليرة سورية بدل مواصلات.
وقال مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع إن هناك “تعديلا كاملا لمفهوم الاحتياط ولن يبقى كما هو الآن، وسيتضح ذلك خلال الأيام المقبلة، ولن يبقى أحد في الخدمة الإلزامية لفترة طويلة”.
وكشف سليمان عن تعديلات مهمة ستصدر خلال الفترة المقبلة، ومنها تسريح عدد لا بأس به ممن يؤدون الخدمة الاحتياطية. وتابع “وضعنا جدولا زمنيا ليس طويلا لتحديد مدة الخدمة الاحتياطية فلا تتجاوز العامين مجتمعة أو متفرقة، كما أن ذلك لا يعني أن كل من أدى خدمة إلزامية سيؤدي خدمة احتياطية، وقد لا يُطلَب إليها أصلا”.
وأصدر الأسد مرسوماً، مطلع الشهر الحالي، يجيز دفع بدل عن الخدمة العسكرية الاحتياطية، ممن بلغوا سن الأربعين من عمرهم ولم يلتحقوا بعد، مقداره 4800 دولار أميركي أو ما يعادلها بالعملة السورية.
ويجيز المرسوم لمن التحق بالخدمة وبلغ سن الأربعين ومازال يؤدي الخدمة، دفع البدل النقدي المذكور، على أن يتم حسم مبلغ 200 دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة السورية عن كل شهر أداه المكلف.
وأعقب ذلك صدور قرار إداري من الأسد، في الرابع من الشهر الحالي، ينص على إنهاء استدعاء الضباط الاحتياطيين (المدعوين الملتحقين) والاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين، لكل من يتم ست سنوات وأكثر.
وأصدرت وزارة الدفاع تعميما، الثلاثاء الماضي، يقضي بـ”قبول طلبات تسوية أوضاع المكلف بخدمة العلم الأمنية والتجنيدية الذي دخل أو غادر سوريا بطريقة غير مشروعة”.
وقالت الوزارة إن القرار يهدف إلى “إفساح المجال أمام المواطنين السوريين ومن في حكمهم لتسوية أوضاعهم الأمنية والتجنيدية والذين اضطرتهم الظروف لمغادرة القطر بطريقة غير مشروعة”.
وتعرض الجيش السوري منذ اندلاع الحرب الأهلية في العام 2012 لأزمات كبيرة، سواء على مستوى الموارد البشرية، حيث قتل الآلاف من الجنود فيما تعرض جزء كبير لإصابات منعتهم من ممارسة مهامهم، كما واجه الجيش أزمة مالية خانقة جعلته يجد صعوبة في تمويل عملياته العسكرية.
وقد دفع وضع الجيش إلى نفور الشباب السوريين من الالتحاق بالخدمة الإلزامية والاحتياطية، ويقول مراقبون إن الحوافز التي أقرت مؤخرا ستشكل دافعا مهما للالتحاق بالجيش، لاسيما في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وأيضا تقلص مساحات القتال التي باتت تقتصر على بعض الجبهات (إدلب، وبعض أرياف حلب).
عقود التطوع السابقة اقتصرت على الأوراق المطلوبة والشروط الأساسية، لكن العقود الحالية شملت حوافز مالية مغرية، قياسا برواتب موظفي الدولة
وإلى جانب القرارات المتعلقة بالاحتياط والمتطوعين قامت وزارة الدفاع بحل ودمج عدد من الإدارات خلال الفترة الماضية، دون الإعلان عنها بشكل رسمي.
ونقل موقع “السورية نت” عن أحد العسكريين قوله إنه جرى حل إدارة الكيمياء وإبدالها بإدارة الوقاية الكيميائية، كما تم دمج الأشغال العسكرية مع الإسكان العسكري، ودمج إدارة النقل مع إدارة المركبات، إضافة إلى حل إدارة الحرب الإلكترونية ودمجها بإدارة الإشارة.
ورأى الباحث في “مركز عمران للدراسات الإستراتيجية” محسن المصطفى أن القرارات المتخذة تهدف إلى تحقيق إنجازين: الأول في علاقة بسحب عناصر الميليشيات المحلية إلى الجيش، كون النظام يتجنب دمج الميليشيات ككتلة واحدة في هيكل الجيش الحالي.
وأكد أن النظام يواجه صعوبة في حل الميليشيات حاليا بشكل فوري، بسبب احتمالية احتياجها مستقبلاً فيما لو تجددت المعارك.
والميليشيات المقصودة هي المجموعات المسلحة التي تشكلت من عناصر سورية، إضافة إلى من هم بحكم السوريين مثل الفلسطينيين الذين يخدمون في “جيش التحرير الفلسطيني”.
وأشار المصطفى في تصريح لـ”السورية نت” إلى أن العناصر الأجنبية الذين قد يكون بعضهم حصل على الجنسية في سوريا من أفغان وباكستان وغير ذلك، يمكنهم التطوع في الجيش، كون شرط التطوع نص على أن يحمل المتطوع الجنسية السورية منذ خمس سنوات.
ويتمثل الإنجاز الثاني الذي يرنو النظام إلى تحقيقه، بحسب المصطفى، في تحصيل موارد بشرية جديدة، خاصةً من بين الشباب في فترة العمر بين 18 و32 عاماً.
ويرى الباحث السوري أن هناك نقصا في الموارد البشرية داخل الجيش الذي يعتمد على إستراتيجية جذب الشباب من خلال تقديم عروض تحفيزية، مثل إعفاء من الخدمة الإلزامية في حال التطوع لمدة خمس سنوات، مؤكداً أن هذه الإستراتيجية تهدف إلى كسب ولاء المتطوعين عن طريق منحهم سلطة، وفتح باب الرشاوى، وتوفير ميزات إضافية.