الأسد يتحرك لتجديد المؤسسات في مسعى لإعادة تأهيل النظام

دمشق - حدّد الرئيس السوري بشار الأسد السبت موعد الانتخابات التشريعية في منتصف يوليو المقبل، في استحقاق يُجرى للمرة الرابعة منذ اندلاع النزاع الذي تعثرت مساعي تسويته سياسيّا، في الوقت الذي يحاول فيه النظام تجديد مؤسسات الدولة لإعادة تأهيل نفسه إقليميا ودوليا.
ويأتي الإعلان عن موعد الانتخابات بعد مرور أيام قليلة على تعيين قيادة جديدة لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، وذلك بهدف إظهار رغبة جامحة في التغيير.
وتُجرى الانتخابات التشريعية مرة كل أربع سنوات. ودائما يفوز حزب البعث الذي يرأسه الأسد بغالبيّة المقاعد البالغ عددها 250 مقعدا. ولا يمكن للمقيمين في مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة السورية والملايين من اللاجئين في الخارج المشاركة في الاقتراع.
ورغم أن إلغاء المادة الثامنة من دستور 2012، والتي تنص على أنه “الحزب القائد للمجتمع والدولة “، فإن نسبة تمثيل “البعث” الحاكم في مجلس الشعب ازدادت بشكل مطّرد على مدار الأدوار التشريعية السابقة منذ عام 2003.
وجاء ذلك على حساب تمثيل الأحزاب الأخرى وقائمة المستقلين الذين يحافظ النظام على وجودهم في المشهد للحفاظ على صورة الديمقراطية الداخلية.
◙ الرغبة في التغيير تأتي فيما تعيش سوريا أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية ويرزح أغلب السوريين تحت خط الفقر وتزيد العقوبات الاقتصادية الغربية الوضع الاقتصادي سوءاً
وأصدر الأسد السبت مرسوماً نشره على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي وقضى بتحديد منتصف يوليو المقبل "موعدا لانتخاب أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع". وتتوزع مقاعد مجلس الشعب مناصفة تقريبا بين قطاع العمّال والمزارعين (127 مقعدا) وبقيّة فئات الشعب (123 مقعدا).
ومنذ اندلاع النزاع الذي بدأ عام 2011 اعتبرت تشكيلات المعارضة السياسية في الخارج الانتخابات التشريعية "مسرحية". ووصفت واشنطن، التي تعد من أشد معارضي "التطبيع" مع نظام الأسد، الانتخابات الأخيرة عام 2020 بـ"المفبركة".
وجاء الإعلان عن موعد الانتخابات بعد مرور أيام قليلة على الإعلان عن "تجديد واسع" في التركيبة القيادية لحزب البعث، في مؤشر على أن النظام يتخلص من الوجوه التي ترتبط في أذهان السوريين بالفشل الاقتصادي والفساد، وأنه يبحث عن قيادة جديدة "نظيفة".
وفي سابقة هي الأولى في سوريا طال التغيير كافة أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث ودخول أعضاء جدد من كافة المناطق السورية إضافة إلى تعيين لجنة جديدة للرقابة والتفتيش الحزبي.
وخلال الإعلان عن أسماء القيادة الجديدة وأعضائها ألقى الأسد خطابا اعتبر فيه أن الحركة الجديدة تمثل "تحولا حقيقيا ومفصلا تاريخيا".
وكانت آخر المحطات في عام 2018، عندما تغيرت تسمية "القيادة القطرية" إلى "القيادة المركزية". كما ألغي قبل 6 سنوات منصب الأمين القطري المساعد، ليبقى فقط منصب الأمين العام والأمين العام المساعد.
وفي عام 2013، عندما كانت الاحتجاجات السلمية المناهضة لنظام الأسد في ذروتها، أجرى “البعث” بقيادة الأسد الابن تغييرا شاملا على قيادته. وآنذاك تحدث الأسد عن “أخطاء متراكمة”، وعاد ليرددها من جديد في الانتخابات التي حصلت قبل أيام.
◙ بينما لا تزال مناطق واسعة في شمال شرق البلاد وشمال غربها خارج سيطرته، يسعى الأسد إلى إعادة تعويم نظامه بعد أكثر من عقد من العزلة الدبلوماسية
تأتي الرغبة في التغيير فيما تعيش سوريا، بعد 13 عاماً من نزاع مدمر، أسوأ أزماتها الاقتصادية والمعيشية ويرزح أغلب السوريين تحت خط الفقر، وتزيد العقوبات الاقتصادية الغربية الوضع الاقتصادي سوءاً.
وتأتي كذلك بعد فشل محاولات تسوية النزاع. ولم تحقق جولات التفاوض بين ممثلين عن الحكومة والمعارضة في جنيف منذ انطلاقها عام 2014 أي تقدم.
وبعدما كانت المعارضة تفاوض النظام في سنوات النزاع الأولى على مرحلة انتقالية تبدأ بتنحي الأسد، تمهيداً لتسوية سياسية، اقتصرت المحادثات منذ 2019 على اجتماعات اللجنة الدستورية لبحث تعديل أو وضع دستور جديد. لكنّها لم تحقق تقدماً بغياب “نية للتسوية” باعتراف الأمم المتحدة.
ورفضت الحكومة السورية التوجه إلى جنيف الشهر الماضي لحضور الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية. وشهد العام الماضي تغيرات على الساحة الدبلوماسية السورية تمثلت في استئناف دمشق علاقاتها مع دول عربية عدة على رأسها السعودية، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية ثم مشاركة الأسد في القمة العربية في جدّة خلال مايو الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاما.
وتلقى الأسد في مارس الماضي دعوة رسمية للمشاركة في القمة العربية التي ستُعقد في البحرين الخميس المقبل.
وبينما لا تزال مناطق واسعة في شمال شرق البلاد وشمال غربها خارج سيطرته، يسعى الأسد إلى إعادة تعويم نظامه بعد أكثر من عقد من العزلة الدبلوماسية، وإلى إطلاق مرحلة إعادة الإعمار بعد نزاع مدمّر تسبب في مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.